مر بي في عالم الفيس تسجيل لأحد العلماء المعروفين يذكر فيه بالخلاف حول الذبيح من ولد ابراهيم عليه السلام ،حيث ترك الموضوع مبهما حول أي من ابني ابراهيم كان الذبيح اسماعيل أم اسحاق عليهما السلام ،ومع أنا نؤمن بكل رسل الله ولا نفرق بين أحد منهم ،وأني لست من أهل المجال بل أخاف كثيرا من توصيف (ظاهر لي) الذي يطلقه الداعية محمد ولد سيدي يحي مد الله في عمره على من يتقحم ميدان العلم وليس من أهله، لكن حديث ابن الذبيحين العالق بذهني وإن ضعف،و كون التوراة تنص على أن الذبيح هو الإبن الأكبر ، وما رأيته تقصيرا في البحث ممن ترك الباب مواربا إن لم يكن رجح كونه إسحاق، والخشية من عصر يطوع فيه المغلوب آثاره بما يرضي الغالب ولو بالباطل والتأكيد على أنا أولى الناس بإبراهيم وغيره من الأنبياء، كلها أمور قادتني لتأملات في بعض السور القرآنية بحثا عن إجابة واضحة حول الموضوع هنا:
* نظرت في سورة البقرة لأجد يعقوب عليه السلام وهو يوصي أبناءه( أم كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمونَ﴾
وهنا اتضح تقديم عم أسن هو(اسماعيل) تقديما رساليا على والد هو إسحاق لكونه أرسل أولا قبله ،إذ وصية يعقوب التقيد بما جاء به آباؤه الرسل تباعا من عند الله وهو ماتكرره بوضوح الاية١٣٦ من نفس السورة والمعلوم مع بعض استثناء أن الأنبياء يرسلون في سن الاربعين.
( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ منهم ونحن له مسلمون).
أمر أكدته كذلك الآية ١٤٠ من نفس السورة(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾
[ البقرة: 140]
* و ذات الامر في آل عمران(الآية٨٤) (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ .
* وفي سورة النساء (الآية١٨٦) (إنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا)
* أما في سورة هود (٧١) فإن الإشارة منصرفة بالبشارة إلى سارة بابن وحفيد( وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) ،كما تظهر السورة دلالة عجيبة على مزيد تقدم ابراهيم في السن مما يزيد اليأس من الإنجاب( وهذا بعلي شيخا.).ورحم الله الشيخ آب ولد اخطور الذي ماكان ينبغي أن يلتفت إلى قول بعد قوله في المسالة ،حيث أشار الى أن الله ما كان ليبشر ءال ابراهيم باسحاق الذي يلد يعقوب ثم يامر بذبحه صغيرا،كما أشار إلى مالفت انتباهي قبل ان اطلع على قوله به وهو أن الله أشار الى الذبيح بالحليم و إلى اسحاق بالعليم.
* في سورة ابراهيم تتجلى النبوة والأبوة التي تحمد الله على نعمة البنوة فالأب ومن باب أحرى الرسول عادل بطبعه بين ابناىه فلا يقدم إلا المقدم.(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء( ابراهيم٣٩).
في المقابل فان نظرة في السياقات التي ذكر فيها اسحاق قبل اسماعيل لا تقتضي أنه ولد أو ارسل قبله
أو أنه هو الذبيح فالآيات ٨٤-٨٦ من سورة الأنعام لا تتضمن التسلسلسل الرسالي الزمني المعهود وإنما سياقها تذكير ابراهيم بنعم الله عليه فتراها مثلا تقدم اسحاق وتؤخر نوحا.(وَوَهَبْنَا لَهُۥٓ إِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَيْمَٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ(الانعام٨٤). { وَزَكَرِيَّا ويحيى وعيسى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصالحين وَإِسْمَاعِيلَ واليسع وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العالمين } .وفي الاية ٤٩ من سورة مريم ذكر اسحاق ويعقوب قبل اسماعيل لكن ذلك جاء في سياق إعجازي ترتيبي من حيث خروجه على المألوف فقد خلق الله عيسى من غير أب وجاء بيحي من زكريا واليصابات وهما طاعنين في السن تماما كما جاء قبل ذلك باسحاق من ابراهيم الطاعن في السن وسارة العقيمة وطبعا لم تكن هاجر أم اسماعيل كبيرة في السن أوعقيمة كما ان ابراهيم عليه السلام كان حينها أقل تقدما في العمر إذ أهديت إليه في مصر منصرفه من العراق باتجاه الأرض المقدسة.
* في سورة الأنبياء ذكراسحاق قبل اسماعيل في سياق الهجرة الى الآرض التي بارك الله حولها وذكرمعهم لوط باعتبارها أرض مهاجرهم تماما كما ذكر اسماعيل عند الحديث عن بيت الله الحرام(وإذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم).، وفي الآية ٧٢ من نفس السورة نجد(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ و هنا فلا ترتيب يقتضي التقديم بل إن في الآية ٨٥ من الانبياء إشارة لطيفة إلى أن الذبيح هو اسماعيل، حيث ذكر مع فئة الأنبياء الصابرين(واسماعيل وادريس وذا الكفل كل من الصابرين ) إذ من جوانب الصبر الصبر على المكاره والإبتلاء والذبح أشد انواع الإبتلاء خصوصا وأن الآية ٨٤ التي قبلها تتحدث عن أيوب عليه السلام...وتحسم سورة الصافات الأمر برمته لكل منصف ذي عينين حيث تروي الآيات من ٩٨حتى١٠٧القصة الكاملة للغلام الحليم الذبيح وفدائه، وكيف أن الله وهبه ابراهيم عقب نجاته من النار واعتزاله قومه مهاجرا لإنشاء أمة التوحيد لتطالعنا السورة بعد فداء الغلام الحليم بالبشارة باسحاق وذاك طبعا بعد مدة معتبرة من الزمن نستنتجها ببساطة من سورة الذاريات.
حيث ضيف الراهيم المكرمين وبشارتهم له بالغلام العليم وهم في طريقهم لإهلاك قوم لوط عليه السلام بعد ان عاش فيهم وانجب البنات ويئس من هدايتهم فحاق بهم الهلاك وهو أي لوط إنما قدم مع إبراهيم أول ماقدم إلى الأرض المقدسة حيث ولد الغلام الحليم وكبر وحيدا بما يكفي قرب البيت الحرام ليبتلى الأواه الحليم بالبلاء العظيم في ذبحه فيفديه الله بذبح عظيم أصبح هدي خير أمة أخرجت للناس منذ ضحى رسول الله بكبشين أملحين أقرنين ، وإنه حتى في جانبه المادي الدنيوي ذبح عظيم حقا عظيم وإلا فليحسب أي حاسوب أو برنامج عدد الأضاحي منذ ذلك التاريخ.
تلك إضاءات ترفع اللبس وتظهر جوانب إعجازية في كتاب محكم متساوق في تناوله لأي موضوع ف لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كبيرا.).