أشباح الدستور .. العبور إلى الهاوية...//

أحد, 07/02/2017 - 11:35

لم يكن للعاقل الناصح ذات يوم من سبيل الى هداية قومه سبل الرشاد سوى الكلمة الصادقة، التي تجنبهم موارد المياه المسمومة بالحسابات الخاطئة لو استمعوا اليها ! و لكن الغرور و الإصرار على السير في طريق مليء بالكبريت و هم يحملون مشاعل الاوهام التي توشك ان تسقط منها شرارة على الكبريت فتشعل الطريق على امتداد البصر للمتأمل في مستقبل هذا البلد المسكين !

و لكن شيئا ما كان يقود ساسة النظام الحاكم في انواكشوط رغم أن بعضهم من اكثر السياسيين تجربة و علما في فن الواقع و الممكن الى نقطة ( لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ).

هذا الشيئ إن غصت فيه عميقا ستجد انه يؤدي الى طريقين اثنين لا ثالث لهما : العبور إلى الهاوية أو العبور الى القصر “بنفس التشكلة” العام 2019 ميلادي، لكن العبور الى القصر دونه الكثير من العقبات ، بعضها شيوخ و بعضها منتدى و معارضة و بعضها شعب و شباب غير متخندقين اصلا ضاقوا ذرعا حين وصلت حدود اختبارات الصبر الى منتهاها.

أهمها على الإطلاق بما لا ينقص من قيمة و تأثير العوامل الأخرى هو عامل الشيوخ ، باعتبار أنه تمرد خارج عن الاصطفافات التقليدية من موالاة و معارضة الى تمزق داخلي في كيان الموالاة و انقسامات بات من الواضح انها تهدد تماسك موالاة الرئيس و إن كابر عليها الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة.. و ان جزم مصفقو الأغلبية أنها سحابة صيف لا تأثير لها و أن مصيرهم محتوم بالحل!

بات ايضا لدى المعارضة و لأول مرة منذ ايام ستة ـ ستة مقبض سكين، حده مؤسسة تشريعية سببت و ما زالت الكثير من الازعاج لساكن القصر الرمادي، بل أن العناد على حلهم دفع بالرئيس الى خوض غمار عبور الى المجهول تحطيه اشباح الدستور من كل جانب يقول “بعض نقادهم ”.

فكيف ستكون معادلة ميزان القوى من الآن و الى يوم الاستفتاء “إن كان” كما صرح الرئيس الدوري للمنتدى السيد محمد جميل ولد منصور ( يوحى هذا التصريح بان مكاناً ما في عقل المعارضة لا يزال محجوزا للشك في نية مضي الجماعة قدما في الاستفتاء ) ؟

الذي ورد بين القوسين اعلاه أشكك انا في واقعيته باعتبار أن الاستفتاء أصبح مصيريا في تاريخ الاغلبية و الرئيس يؤكد هذا ايضا، حيث أن كل المحرمات انتهكت في سبيله ؛ و أولها حرمة الدستور التي ذبحت بسكين المادة 38 بعد أن افتى خبراء الدستور بذلك، كما صرح الرئيس في المؤتمر الصحفي الشهير.. خبراء لم نر منهم سوى فضيلي ولد الرايس الذي ليس خبيرا اصلا بقدر ما هو مستشار لدى مؤسسة عسكرية.

ارتفعت سحب المواجهة مصحوبة بتصريحات المأمورية الثالثة في جكني و الميناء و لجنة الشيوخ للتحقيق في الصفقات.. مواجهة لم يعقها، على الاقل من طرف النظام، فشله الذريع في عملية التعبئة للتسجيل في اللوائح الانتخابية، ما اضطرهم للتمديد ثلاثة مرات متتالية، فكيف يعقل ان تمر تعديلات بحجم هذه التعديلات بـ 400 او 500 الف صوت في لائحة انتخابية فيها مليون و نصف، نصفها على الاقل سيقاطع و النصف الاخر سيصوت بلا . هذا طبعا إن لم نأخذ بعين الاعتبار التصريحات الكاريكاتورية ليعقوب ولد امين الذي قال إن التعديلات ستمر بنسبة 80 بالمائة و نسبة المشاركة ستصل لـ 70 بالمائة ، هنا يحق لنا ان نتسائل: كيف لجماعة فشلت في تمرير تعديلات في برلمانها و فشلت في تعبئة الناس للتسجيل ان تجزم بهكذا أرقام ؟

اللهم الا اذا كانت رهانات التزوير او التلاعب بالمشاركة.!

لكننا نلفت انتباهكم قرائنا الكرام أن الاحتمالات اعلاه مبنية على فرضية أن الامور ستسير بما تشتهي سفينة الاغلبية وصولا الى بر الخامس من اغسطس، لكن ماذا إن اعاقتها رياح الشيوخ التي قد تصل الى اتهام الرئيس بالخيانة العظمى و طلب محاكمته ؟

ماذا إن استغلت المعارضة هذه الفرصة التاريخية التي اتيحت لها على غير طلب منها و قررت المواجهة الشاملة في الشارع ؟ ( النزول الى الشارع هذه المرة مدعوم بحماس وطني كبير و رفض شعبي واسع للتعديلات ان احسنت المعارضة استغلاله فانها ستخوض معركة وطنية عادلة و محقة، مقوماتُ نجاحها أكبر من تلك إبان حقبة “ارحل” ).

هي اسئلة مطروحة، و لكنها أيضا و في نفس الوقت خيارات يملك الشيوخ و المعارضة اللجوء إليها ، خيارات لا يبدو أن النظام يقابلها بغير مهرجانات لا قيمة لها عمليا لولا أن يفندون.!

الاجراء الوحيد الذي فهمه منتقدو النظام بشكل خاطئ، و الذي يبدو أنه اتخذ بعناية في سبيل مواجهة خيارات المعارضة والشيوخ، هو توقيت الاستفتاء في وقت العطل و الامطار.. صحيح أنه يعيق تصويت الناس و وصولهم الى صناديق الاقتراع، لكن ما قيمة هذه المخاطرة التي نستطيع أن نقلل من حجمها عن طريق التلاعب بالنتائج مقابل مكاسب زرع لغم طبيعي في وجه خيار المعارضة لحشد الجماهير للدفاع عن الدستور.

في النهاية لا نستطيع ان نقول لكم سوى مايمليه الواجب الوطني و يمليه علينا الضمير و هو أن هذا المسار هو غير شرعي و إسقاطه هو مسؤولية الشباب و الشعب..

لا يسعنا ايضا إلا أن نقول للنظام أننا نتمنى (إن لم يكن حبا فيهم للكارهين لهم فعلى الاقل حرصا على البلد ) ان لا تصلوا الى يوم نضطر فيه ان نقول لكم كما قال العاقل الناصح لقومه بعد ان وقعوا في الهاوية:

امرتهم امري بمنعرج اللوى … فلم يستبينوا الرشد الى الضحى الغد

بقلم // حسين حمود