الحقيقة (انواكشوط ) في هذه المقابلة يتحدث العقيد المتقاعد في الجيش الموريتاني عبد الرحمن ولد ببكر عن أبرز المحطات التي مر بها الجيش الموريتاني ومعاناته أيام حرب الصحراء، بالإضافة لطرائف حدثت معه خلال فترة عمله بالجيش التي استمرت أربعة عقود.
ويستذكر ولد ولد بوبكر كيف رفض أوامر عليا بالتحرك لمطاردة عناصر من البوليساريو، وذلك بسبب انعدام مياه للشرب لوحدته المكونة من 500 جندي وضعف تجهيزات سياراتها.
ونبه إلى أن واقع الجيش في سبعينيات القرن الماضي، كانت تماما مثل واقع البلد، مضيفا أن المستعمر الفرنسي، هرج حينها لتوه ولم يترك مقومات دولة حقيقية.
وأشار إلى أن الإمكانيات حينها كانت منعدمة ولم يترك المستعمر إلا بعض الثكنات العسكرية في مناطق متفرقة وأساسا في افديرك وبئر أم اغرين وأطار والنعمة ومركز للتدريب في روصو وسرية للمظليين في منطقة اجريدة وسرية العاصمة ووحدات الجمالة الخاصة بالاستطلاعات وتفقد المواطنين والاستخبارات في المناطق الوعرة ومعظم هذا لا يمثل كتيبة بالمفهوم اليوم، وفق قوله.
وجاء في نص المقابلة:
خدمتم في الجيش الموريتاني نحو أربعة عقود ما هي أصعب المواقف التي عشتها في الخدمة العسكرية؟
بداية أشكركم في وكالة الأخبار المستقلة على الدور الهام الذي تقومون به في الميدان الإعلامي لتوصيل وتقديم الخبر الصحيح للجمهور.
وجوابا على سؤالكم فحياتي العسكرية كان فيها الكثير من المواقف التي أعتبرها محرجة والحديث هنا عنها يطول لكن سأختار لكم موقفين عشتهما في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي أثناء الخدمة في الوحدات القتالية في شمال البلد.
اخترت لكم هذين الموقفين لما لهما من دلالة على صعوبة المهنة وضرورة جاهزية الوسيلة العسكرية وقدرتها على القيام بمهامها.
ففي سنة 1979 عينت قائدا لكتيبة كانت تقوم بمهام استطلاعية وبين مدينة ازويرات ومنطقة آوسرد تعرضت في بداية عملي بها لحادث سير أوقفني عن العمل لمدة شهرين ثم عينت على فيلق تابع للمنطقة العسكرية السادسة خلفا للمرحوم اعل ولد محمد فال بعد ذلك بفترة وقعت عملية تشلة الأليمة التي نفذها مقاتلو البوليساريو وأرادت قيادتنا أن ترد على العملية بسرعة وبشكل قوي وأعطيت الأوامر بمطاردة المعتدين وبعد وصول العنصر الطلائعي إلى تشلة بقيادة المرحوم أحمدو ولد عبد الله ووصول دعم من نواكشوط أعطيت الأوامر لكتيبتي بالالتحاق بهم في منطقة تبعد 7 إلى 8 مائة كلم على الطريق المعبد وهي مهمة صعبة للغاية نظرا لوضعية الكتيبة التي كانت متمركزة في نواكشوط منذ سنوات وكانت بعيدة من المستوى المطلوب من الجاهزية أساسا فيما يخص عجلات السيارات والعناصر البشرية كما ومعنويا فتحركنا باتجاه مركز شوم الإداري ولدينا مشاكل من أعظمها مياه الشرب والفترة كانت فترة حر وعند وصولنا إلى شوم أخبرنا السكان أن وسيلة الإمداد بالماء هي قطار شركة اسنيم وهو لم يأتي منذ أيام وأن ثمة منطقة تبعد 18 كلم يمكن أن تكون فيها مياه أمطار تساقطت خلال الليلة السابقة فبادرت بإرسال الصهاريج إلى المنطقة وفي نفس اللحظة اتصل بي قائد المنطقة العسكرية السادسة فأخبرته بالموقف وتمركز وحدتي شمال المدينة في انتظار أن أحصل على مياه للشرب وعلى عجلات للسيارات.
فقطع الاتصال ليعاوده بعد دقائق ليعطي أمرا بالتحرك الفوري فبقيت حائرا وأنا العسكري الذي يقول الوسط العسكري عنه أنه معروف بالانضباط وامتثال الأوامر ففكرت في الخيارات المطروحة وهي أن أمتثل الأوامر وأجازف بحياة ما يزيد على 500 عسكري كانوا تحت إمرتي أم أرفض الأوامر التي وردت إلي وقد قررت في النهاية رفض الأوامر قائلا لن أتحرك ما لم أحصل على الماء.
الموقف الثاني ما هو؟
نعم الموقف الثاني هو أنه عندما كنت حاكما لمقاطعة بئر أم اكرين 1981 وآمرا للثكنة المتواجدة بها وكنا مسؤولين عن حماية أراضينا من استغلالها من طرف الصحراويين أو المغاربة في الصراع الدائر بينهم وموريتانيا ساعتها كانت قد انسحبت من الحرب لكن كان هناك خرق متكرر للأراضي الموريتانية من قبل عناصر صحراويين وأحيانا من قبل سلاح الجو المغربي الذي نفذ مرة غارة استهدفت صحراويين قرب الحدود وخشينا أن تسفر تلك المناوشات عن إلحاق ضرر ببعض عناصرنا الموجودين على الحدود المراقبة فتم إبلاغ القيادة عن الحادثة حتى لا تتكرر وبعد أيام أرسل النظام وفدا يضم رئيس الوزراء معاوية ولد سيدأحمد ولد الطائع وقائد الأركان يال عبد الله وكانت ملاحظاتهم قوية وكانوا في حالة انفعال واستخدموا لغة غاضبة جدا لم يرد عليها أحد وبعد عودتهم إلى نواكشوط تقدمت باستقالتي من الجيش لأنني فوجئت بانطباعاتهم التي لم أرى لها سببا من طرفنا وكنت يومها ملازم أول لكن استقالتي رفضتها القيادة فيما بعد واعتذر مقربون من القيادة عما حصل.
ما طبيعة الملاحظات التي قدمها لكم؟
تركزت ملاحظاتهم على أن مضادات الطيران لم تكن منصوبة على الأرض وجاهزة للاستخدام وأن بعض الأطقم لقطعة من سلاح المدفعية لم تكن موجودة لكن الحقيقة هي أن المدافع المضادة للطيران والتي كانت بحوزتنا هي سلاح فردي ولا يستخدم لأكثر من فرد ولا ينصب على الأرض أما قطعة سلاح المدفعية فطاقمها كان في الدوام الأمني وجنودها بمركز أمن الثكنة.
بجانب هذه المواقف الصعبة هل من موقف طريف تذكرونه؟
أذكر أنه في بداية حرب الصحراء كانت لدينا مدافع منحتها لنا الجزائر قبل فترة حاولنا شحنها من مدينة أطار في طائرة باتجاه نواذيب وكان حجم قطع السلاح كبيرا بالمقارنة مع حجم الطائرة (DC3) وبالتالي فكرة نقله في تلك الطائرة كانت خاطئة وتدل على حالة الاستعجال وعدم معرفة وسائل نقل السلاح يكن لدينا أي بديل والأغرب هو أنها حين استخدمت في الجبهات كانت كل قطعة سلاح تتمزق عند الطلقة الأولى وتصير شظايا نتيجة الصدأ.
وأذكر أنه عند وصولي إلى انواذيب التي تعرضت في تلك الأيام لضربات من قبل عناصر البوليساريو المتمركزين في منطقة لكويرة وفي إحدى الليالي كانت درجة الحرارة منخفضة جدا وكنت أرتدي زيا عسكريا شتويا وأضع لثاما على رأسي فأحسست بآلام خفيفة في أحد الأطراف فاتجهت إلى المستشفى مشيا على الأقدام وأنا ألف يداي في أطراف القميص نتيجة البرد وعند دخولي من البوابة نهض عدد من الممرضين نتيجة الفزع وأشهر أحدهم سلاحا وصاح في وجهي ارفع يداك فضحكت وأجبته "أحكم قلبك اشوي انت اشخالعك".
هناك طرفة أخرى أود ذكرها للترفيه وهي أنه أثناء إشرافي على تدريب بعض الجنود في أطار كنت أقدم حصة للجنود عن طريقة مخاطبة القادة ومعروف أن كلمة Monsieur تختصر في مخاطبة القائد بحرف Mon فيقول الحندي للضابط "مول يطنة" مون كابيتين" وبعد انتهاء الدرس قال لي أحد الجنود إن لديه سؤال فقلت ماهو؟ فقال أنت الآن "مول يطنة لي آن أيو ذوك يطنات الآخرين مول يطناتي آن ول أبدى".
حدثنا عن واقع الجيش وقدراته القتالية حين التحقتم به في العام 1972؟
الجيش واقعه آن ذاك هو واقع الدولة تماما فالمستعمر خرج لتوه من البلاد ولم يترك بها مقومات دولة حقيقية لأن الإمكانيات كانت منعدمة ولم يترك إلا بعض الثكنات العسكرية في مناطق متفرقة وأساسا في افديرك وبئر أم اغرين وأطار والنعمة ومركز للتدريب في روصو وسرية للمظليين في منطقة اجريدة وسرية العاصمة ووحدات الجمالة الخاصة بالاستطلاعات وتفقد المواطنين والاستخبارات في المناطق الوعرة ومعظم هذا لا يمثل كتيبة بالمفهوم اليوم.
هل ترك لكم المستعمر بعض الأسلحة الصالحة للاستخدام؟
ليس شيئا ذا أهمية مثلا كانت هناك بعض المدافع الرشاشات الثقيلة من عيار 12.7 وأسلحة أخرى أقل أهمية إضافة إلى مدافع الهاون ومداها قصير جدا.
كم كان عدد أفراد الجيش في العام 1972 وما هي أبرز التحديات التي كانت تواجهه؟
أبرز تحد كان يواجه الجيش آن ذاك هو مشكلة الأطر فالجيش كان يلجأ إلى الأشخاص الذين لديهم معرفة ولو محدودة ليتم تكوينهم على يد الفرنسيين كضباط والدفعات الأولى كانت من المعلمين أساسا أما عدد أفراده فيقدر بالألف تقريبا.
من تذكر من ضباط الدفعات الأولى؟
أذكر العقيد امبارك ولد بونة مختار أول مواطن موريتاني يقود الجيش بعد الاستقلال وأحمدو ولد عبد الله وأحمد ولد بوسيف والرئيسان المصطفى ولد محمد السالك ومعاوية والطائع وحمود ولد الحسين ومولاي ولد بوخريص وآخرين، هؤلاء أظن أن أغلبهم كانوا معلمين والتحقوا بالجيش وتلقوا تكوينا سريعا مع ضباط الاحتياط الفرنسيين لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر وأذكر أن الجيش كان يكتتب سنويا نحو اثنين إلى ثلاثة ضباط حسب حاجياته وحسب المنح التي يوفرها الفرنسيون.
وهناك من أدوا الخدمة في الجيش الفرنسي إبان فترة الاستعمار وأدمجوا في الجيش الوطني بعد تلقيهم تكوينا في المدارس الفرنسية كضباط من ضمنهم يال عبدولاي قائد أركان سابق وتام الحاج وآخرين.
أما أول من تلقوا تكوينا عسكريا مطولا وتخرجوا من المدرسة المعروفة بتكوين الضباط الفرنسيين والتي تعرف بــ Saint-cyr فهم الرئيسان محمد محمود ولد أحمد لولي ومحمد خونة ولد هيدالة وأحمد سالم ولد سيدي وجدو ولد السالك وسوماري سلمان وآن مامادو بالي.... إلخ
من تذكر من دفعتك في الجيش 1972؟
دفعتي كانت عبارة عن ثلاثة أفراد فقط هم أنا والعقيد المتقاعد انياك عبد العزيز ويتولى رئاسة متقاعدي الجيش وضابط آخر يدعى كانتي لكن هذا تم فصله من الجيش سريعا نتيجة ملاحظات سجلت ضده.
الجيش حقق مؤخرا مكاسب لم يعد دوره يقتصر معها على تأمين البلد فحسب وإنما بات يضطلع بأدوار في توفير الأمن ببعض البلدان الأخرى تحت مظلة الأمم المتحدة كيف تنظر إلى ذلك؟
الجيش يجب أن يعزز مكاسبه على الدوام في مجالات العتاد والأفراد والخبرات هذه أمور تتجدد على الدوام فالعتاد يتقادم ويتم التخلص منه وكذلك الأفراد يصلون إلى فترة عمرية تحتم إحالتهم للتقاعد وعلى كل حال فالجيش كان يقوم بواجباته في حماية بعض الأنشطة ذات الطابع الدولي كرالي داكار الذي كان يمر عبر التراب الوطني وفي مناطق صعبة للغاية ولكن الجيش كان يتولى تأمينه وكانت هناك مشاركة دائمة لنا في حفظ السلام بإقليم دارفور السوداني وكانت مطالبنا دائما هي أن يساهم الجيش في قوات حفظ السلام الأممية لاكتساب المزيد من الخبرة والتجربة والعتاد وهذا لا يتم الحصول عليه إلا بوجود توجه سياسي معين ونحن كانت لدينا مواقف قوية داعمة للفلسطينيين ومواقف قومية عربية لم تكن تحظى برضا الغرب عكس ما هو حاصل في السنغال الذي استفاد منذ عقود من المساهمة في قوات حفظ السلام.
قوة الساحل المشكلة حديثا هل تعتبرها سابقة في تاريخ الجيش وهل المشاركة في مهامها تعتبر حالة حرب تستدعي موافقة البرلمان؟
ما يشغل بال العالم اليوم هو مكافحة الإرهاب وهذه مهمة لا يمكن لدولة أن تقوم بها منفردة لكن دعني أذكر بأنه كانت هناك في السابق فكرة بإنشاء قوة إفريقية مشتركة طرحها العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ونوقشت الفكرة على مستوى قادة الاتحاد الإفريقي لكن ذلك لم يتم في النهاية.
كان هناك في السابق أيضا فكرة أخرى بإنشاء قوات إفريقية عدة وتم تشكيل بعضها كقوة الإيكواس مثلا لكن البلدان التي كانت يجب أن تكون لها قوة مشتركة ومن ضمنها موريتانيا (شمال غرب إفريقيا وهي أساسا دول المغرب العربي) لم تستطع نتيجة الخلافات أن تشكل تلك القوة رغم الوعي بضرورة تكوين قوة مشتركة وأعتقد أن إنشاءها الآن يعتبر أمرا إيجابيا لأنه لا أحد قادر على مجابهة الإرهاب المنتشر في العالم لوحده.
أما إنشاء قوة الساحل الحالية فأرى أنها فكرة جيدة والانضمام لها سيكون زيادة خير لنا على المستوى العسكري.
أما بخصوص عرض الأمر على البرلمان فأعتقد أن أي عمل مسلح من شأنه إلحاق الضرر بأرواح الجنود والمواطنين يجب أن تتم استشارة البرلمان فيه لا سيما إذا كان يتعلق بمهام خارج البلد وهناك استثناءات يجب أن تعرض على الاستفتاء العام المباشر لأخذ رأي الشعب حولها لكن أعتقد أن المشاركة في هذه القوة يجب أن يستشار عليها البرلمانيون على الأقل.
عيد الجيش القادم سيشهد توديع عن علم الاستقلال وأداء التحية لعلم جديد كيف ترى ذلك؟
الأعلام والأناشيد الوطنية هي رموز تخضع للمراجعة في العالم دائما لكن ذلك يتم بشرط أن تكون هناك رغبة شعبية ومصلحة عامة واضحة في ذلك.
وبخصوص حالتنا نحن فأرى أن قيادتنا حين رأت أنه يجب تعديل هذه الرموز اختارت أن تسلك الطريق القانوني السليم فعرضت الأمر على البرلمان لأخذ موافقة منه لكن البرلمان رفض الأمر وبالتالي أرى أن رفض البرلمان له كان يجب أن يحترم من قبل السلطة التنفيذية وتقبل بتجاوز الموضوع لأن ممثلي الشعب رفضوه ولكنها بدلا من ذلك أصرت على تمرير التعديلات عبر استفتاء عام وكان واضحا أن الشعب لم يشارك فيه أيضا وبالتالي كان يجب أن تكون القيادة انصاعت لرغبة الشعب وأنا شخصيا لا يمكنني الموافقة على أمر قرر الشعب رفضه.
ما الذي يعنيه لكم عيد الجيش؟
أي كيان لا بد أن يكون لحياته معنى ومفهوم ولا بد من الاعتراف بذلك وتشجيعه واحتفال الجيش بعيده يعني الاحتفال بتاريخه والاعتزاز بوجوده كما أنه فرصة لتقييم مساره ومعرفة ما إذا كان على الطريق الصحيح أم العكس فهو مناسبة سنوية للمراجعة وهذا أمر مهم.
هل توافقون على تحية العسكريين للعلم الجديد؟
كما قلت لكم آنفا أي شيء رفضه الشعب فأنا لا أوافق عليه ولا أكون إلى جانبه وما يصلني من معلومات تؤكد أن الشعب رفض هذه التعديلات ولكنه أرغم عليها.
في العاشر من يوليو 1978 دشنت موريتانيا حقبة الأحكام العسكرية وأطاح الجيش بأول رئيس للبلاد المرحوم المختار ولد داداه أين كنتم في ذلك اليوم؟
كنت في الشمال في ذلك اليوم وكنت أخدم في الوحدات القتالية الموجودة في جبهات القتال ولم أنضم للانقلاب لكني أعرف أننا كنا في حالة حرب لم نحضر لها جيدا ولم يكن الجيش مستعدا لها ولم يكن قادرا على مواصلتها لأن وسائله القتالية محدودة ومصادره البشرية كانت كذلك غير أن الحكم المدني يظل هو الأفضل للبلاد.
هل لاحظتم قبل الانقلاب وجود تململ في أوساط الضباط وحديثا منهم عن ضرورة انقلاب؟
كانت هناك حالة عامة من انعدام الأمن وصلت حتى المناطق الجنوبية وكان عناصر البوليساريو ينفذون عملياتهم في كل مكان وانعدم الأمن بشكل كبير وهذا أمر خطير شكل تهديدا جديا لكيان الدولة.
بين 1978/1980 كان هناك صراع مرير على السلطة من قبل العسكريين أدى لسقوط سريع لبعض الرؤساء كيف عايشتم تلك المرحلة؟
هذه الفترة قضيت بعضها في مناطق الشمال قائدا لإحدى كتائب الجيش قبل أن أصاب في حادث سير استدعت إصابتي فيه نقلي إلى العاصمة نواكشوط لتلقي العلاج وأخذت إجازة طبية بعدها عينت على كتيبة في المنطقة العسكرية السادسة بنواكشوط كانت مهامها في مناطق العاصمة ومنطقة إديني وبالنشاب واجريدية وكنت منشغلا بالميدان العسكري ولا يوجد لدي أي اهتمام بالميدان السياسي فمهامي العسكرية تتنافى تماما مع السياسة.
يوم الإطاحة بهيدالة أين كنتم؟
كنت قائدا لسرية مهمتها تأمين قيادة الأركان.
هل كان لكم دور ما في التنفيذ وما هو؟
نعم كنت قائدا لسرية الأركان تحت إمرة قائد الأركان معاوية وقد أسندت لي مهمة توقيف بعض القادة العسكريين والأمنيين (دعوا عنكم الأسماء فقط سأكتفي بذكر المناصب) من بينهم مدير الأمن الوطني ومفوض الأمن الغذائي وكانوا قادة بارزين في نظام هيدالة الأول منهم قمت بتوقيفه في منزله بينما كان يستعد للهروب أما الثاني فأوقفته في مكتبه لكن اسمي لم يظهر في اللجنة العسكرية لأنني لم أطلب ذلك ولم أكن مهتما به بل كان تركيزي منصبا على مهنتي العسكرية ولا أزال ساعتها من جيل الضباط الشباب.
أين كنتم يوم المحاولة الانقلابية 1989 وهل كان الزنوج يسعون حقا إلى تصفية العنصر العربي من المجتمع؟
كنت ساعتها أدرس في إحدى المدارس الحربية بفرنسا ولم أكن موجودا داخل البلد.
الثامن من يونيو 2003 محاولة فرسان التغيير هل يمكن القول إن تلك المحاولة هي الأكثر جرأة في تاريخ الانقلابات بموريتانيا؟
نعم هي أكثر المحاولات الانقلابية جرأة لأن من دبروها كانوا من أواسط الضباط وكانوا محدودين جدا وسبق أن تمت الملاحظة على بعضهم قبل ذلك بعامين وتعرض للفصل من الجيش وبقي بعضهم حتى وقت المحاولة الانقلابية في 2003.
هل ساهمتم في إفشال تلك المحاولة؟
لا لم أساهم فيه لأنني كنت موجودا في المدرسة العسكرية بمدينة أطار ولم يطلب منا التدخل.
ما هي أبرز عقبة واجهتكم في تنفيذ انقلاب 2005 ؟
لم تكن هناك عقبة حقيقة لأن السلطة كانت مفقودة منذ شهرين تقريبا نتيجة انشغال الرئيس بأمور هي من اختصاصات الجيش بعد عملية لمغيطي وإغفاله لجميع أمور البلد الأخرى.
متى بدأت علاقتكم بالرئيس المرحوم اعل ولد محمد فال؟
بدأت هذه العلاقة منذ حرب الصحراء حين كنا نخدم معا في الوحدات القتالية المتواجدة في الشمال قبل أن يعين هو مديرا للأمن الوطني ويستقر به المقام بالعاصمة نواكشوط كنت ألتقي به على الدوام وكان يدعوني لزيارته في المنزل حين أزور العاصمة نواكشوط.
كيف تابعتم الرحيل المتزامن لكل من الرئيس اعل ولد محمد فال والعقيد سيدي محمد ولد الشيخ ولد العالم؟
فاجأني رحيل الاثنين حقيقة فالرئيس اعل رحمه الله كنت ألتقي به دائما ولم تكن لديه مشاكل صحية لذا فاجأني رحيله أما سيدي محمد رحمه الله فقد بلغني بعد رحيله أنه كان في رحلة استشفائية في داكار لكن لم يحصل لي علم للأسف بذلك قبل رحيله.
خلال مساركم العسكري قبل وأثناء قيادة الأركان هل هناك قرار كان ينبغي أن تتخذه ولم تتخذه؟
في الحقيقة لا أذكر ذلك ما أعرفه هو أن الكثير من القرارات وخصوصا تلك الجوهرية لا بد من موافقة الرئيس عليها بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة وبالتالي دور قائد الأركان فيها يقتصر على تقديم الاقتراح وإبداء وجهة النظر أما القرار الحاسم فهو من اختصاص الرئيس ولعل القرار الجوهري الذي قدمت به مقترحا ولم يوافق عليه الرئيس كان مسألة إبعاد أعضاء المجلس العسكري عن محيط الرئيس وفصلهم عن العمل السياسي والتفرغ لشؤون الجيش لكن الرئيس لم يتخذ القرار.
كما اقترحت إبعاد كتيبة الأمن الرئاسي عن القصر وناقشت الأمر مع الرئيس وأبدى تفهمه للأمر ووعد بالنظر في الموضوع.
بعض الناس دائما يقولون لي لماذا لم تفعل ولماذا لم تقم بكذا، هنا أقول لهم إن كتيبة الأمن الرئاسي تتبع لرئاسة الجمهورية وليس قيادة الأركان بالتالي فالأمر كان يتعلق بالرئيس وما يمكنني فعله هو إبداء مقترح للرئيس وهو ما قمت به وناقشته فيه أكثر من مرة.