كيف تدير العام 2025 بفعالية؟ / محمد الامين ولد الفاظل

أربعاء, 01/01/2025 - 18:25

شغلتني منذ سنوات الكتابة في الشأن العام عن الكتابة في تنمية وتطوير الذات (مجال اهتمامي الأول)، ومع ذلك فقد حاولتُ في بعض السنوات الماضية أن أخصص آخر يوم من كل سنة من تلك السنوات لمقال عن إدارة الوقت، وفي مقال هذا العام سأقدم ـ وكما جرت بذلك العادة في السنوات الماضية ـ سبع نصائح في إدارة الوقت، مع إضافة نصيحة ثامنة في هذا العام، وهي نصيحة تتعلق بضرورة ضبط الساعة والبوصلة من أجل إدارة فعالة للعام 2025.

أشير بداية إلى أن هذا المقال ما هو إلا تفريغ لمحتوى ورشة تدريبية أقدمها في إدارة الوقت، وقدمتها من جديد، قبيل نشر هذا المقال، في آخر ساعات من العام 2024 لمجموعة من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

وقبل أن أستعرض النصائح السبع التي ستعين ـ بإذن الله ـ كل من عمل بها على إدارة فعالة للعام 2025، فلا بأس من قبل ذلك، أن نتحدث قليلا عن قيمة الوقت وعن خصائصه، مع سرد حكاية رمزية تختزن كل ما أريد قوله في هذا المقال عن إدارة الوقت.

أولا / قيمة الوقت

إن الوقت هو أغلى وأنفس وأثمن ما نملك في هذه الحياة الدنيا، ولذا فعلينا أن ننفقه بحكمة، ولمعرفة قيمة الوقت فعلينا أن نتعرف أولا على قيمة أجزائه ووحداته.

فإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة العام فما عليكم إلا أن تسألوا طالبا رسب في الامتحان النهائي وأضطر لأن يعيد سنة دراسية كاملة؛

وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة الشهر، فما عليكم إلا أن تسألوا مدرسا علق راتبه لشهر؛

وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة الأسبوع، فما عليكم إلا أن تسألوا رئيس تحرير جريدة أسبوعية قضى أسبوعا كاملا في العمل لإصدار عدد جديد من جريدته، وفي النهاية تم حظر صدور ذلك العدد؛

وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة اليوم، فما عليكم إلا أن تسألوا عاملا أجيرا يعيل أسرة كبيرة أضاع يوما لم يعمل فيه، ولم يحصل بالتالي على أجر ذلك اليوم؛

وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة الساعة، فما عليكم إلا أن تسألوا مالك مصنع كبير عن حجم الخسارة التي يتكبدها إذا توقف مصنعه عن الإنتاج لساعة واحدة؛

وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة الدقيقة، فما عليكم إلا أن تسألوا مسافرا يجري مسرعا ليلتحق بالطائرة، ولكنه لم يصل إلا بعد دقيقة من إقلاع الطائرة؛

وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة الثانية، فما عليكم إلا أن تسألوا مشاركا في إحدى المنافسات الرياضية الدولية، حالت بينه وبين الميدالية الذهبية ثانية واحدة؛

والآن إليكم هذه الحكاية الرمزية..

يُروى أن أستاذا حكيما جاء يوما إلى طلابه يحمل سطلا ومجموعة من الكرات الصغيرة المتفاوتة في الحجم، بعضها صغير جدا، وبعضها أكبر قليلا. أخذ الأستاذ الكرات الأكبر قليلا، ووضعها داخل السطل حتى امتلأ، وبعد ذلك التفت إلى طلابه وسألهم إن كان السطل قد امتلأ، فأجابوه بصوت واحد : نعم.

أخذ الأستاذ بعد ذلك بعض الكرات الصغيرة جدا، وأخذ يضع الواحدة منها تلو الأخرى، في الفراغات الموجودة بين الكرات الأكبر قليلا، ثم سأل طلابه من جديد إن كان السطل قد امتلأ فأجابوه جميعا ـ وللمرة الثانية ـ بنعم.

بعد ذلك أخذ الأستاذ عدة حفنات من الحصى، ووضعها في السطل، ثم أخذ يرجه رجا، حتى اختفى الحصى كل الحصى داخل المنافذ والفراغات الصغيرة جدا التي بقت موجودة بين الكرات، وهكذا استطاع السطل أن يستوعب كل الحصى الذي وُضع بداخله، وذلك على الرغم من أنه كان قد امتلأ وللمرة الثانية، ولم يعد يتسع لأي شيء جديد، حسب إجابات الطلاب.

إن العبرة التي يمكن أن نخرج بها من تجربة السطل والكرات الصغيرة هي أن العام 2025، بل والعمر كله، هو مجرد وعاء كالسطل، وأن الكرات الصغيرة الأكبر حجما تمثل كل الأشياء الأهم في حياتنا (الأولويات)، بينما تمثل الكرات الأصغر الأمور المهمة في حياتنا، والتي تأتي في الترتيب، ومن حيث مستوى الأهمية، بعد الأمور الأهم، في حين تمثل الحصى في حياتنا كل الأشياء الأقل أهمية (الترفيه)، أو غير المهمة أصلا.

إن الدرس الثمين الذي يمكن أن نخرج به من هذه القصة هو أننا إذا ملأنا السطل (أعمارنا أو العام 2025 في هذا المقال) بالحصى أولا، أي بالأمور الأقل أهمية (الترفيه) أو غير المهمة إطلاقا، وهذا ما يفعله للأسف أغلبنا، فإننا بذلك لن نترك فراغا في السطل للكرات الصغيرة بمختلف أحجامها، أي أننا لن نترك مساحة كافية في العام 2025 لإنجاز الأشياء المهمة والأشياء الأهم في حياتنا. ولكننا ـ في المقابل ـ إذا بدأنا بوضع الكرات أولا في السطل، والتزمنا بترتيب وضعها حسب الحجم، فإننا لا محالة سنجد فراغات داخل السطل يمكننا أن نملأها بالحصى، أي أننا إذا بدأنا بالأولويات والأمور المهمة، فإننا لا محالة سنجد وقتا كافيا للأمور الأقل أهمية (الترفيه)، أو حتى للأمور غير المهمة إطلاقا.

لنخرج من هذه القصة بالخلاصة السريعة التالية:

إذا أديت الأولويات، والأمور المهمة في حياتك أولا، فإنه يمكنك بعد ذلك أن تخصص بقية الوقت للترفيه وللأشياء التي قد لا تكون في منتهى الأهمية، والراجح أنك ستجد لها وقتا.

ثانيا / خصائص الوقت (التركيز على العام 2025)

الخاصية الأولى : إن العام 2025 حاله ككل السنوات التي سبقته وتلك التي ستأتي بعده، سيكون عاما سريع الانقضاء، وتلك حقيقة يجب أن نتذكرها دائما، فمما لاشك فيه أن أيامه وأسابيعه وأشهره ستنقضي بسرعة كبيرة، وإذا لم نشد الأحزمة ونسارع في الإنجاز من فاتح يناير 2025، وبما يتناسب مع السرعة الرهيبة التي يسير بها الوقت، فإننا حتما سنجد أنفسنا على قارعة يوم 31 /12/ 2025 بلا إنجازات ولا نجاحات تذكر؛

الخاصية الثانية: إن مضى من الوقت لن يعود أبدا ولا تمكن استعادته إطلاقا، حتى ولو ندمنا كثيرا على تضييعه. ليس بإمكان أي واحد منا أن يستعيد اليوم، ثانية واحدة من العام 2024؛

الخاصية الثالثة : الوقت هو مقياس الحياة ووحداته هي وحدات قياس العمر، فنحن نقول مثلا مات فلان عن عمر ناهز كذا وكذا، ولا نقول مات فلان ووزنه 60 كيلو، أو مات فلان وطوله 1م و60 سم مثلا؛

الخاصية الرابعة: الوقت من الموارد التي لا يمكن زيادتها، هناك 24 ساعة ستمنح لكل واحد منا في كل يوم من أيام العام 2025 إن كُتبت له الحياة، لا يمكنه زيادتها بساعة واحدة ولا بدقيقة واحدة ولا حتى بثانية واحدة، ولا يعني هذا أنه لا يمكننا تمديد هذه الأربع والعشرين ساعة التي تمنح لنا يوميا، و زيادتها ضمنيا من خلال حسن إدارتها، وهذا ما سنبينه في فقرة قادمة إن شاء الله.

الخاصية الخامسة : الوقت من الموارد التي يجب إنفاقها بشكل فوري، ولا يمكن ادخارها، هناك 24 ساعة تمنح لكل واحد منا يوميا عليه أن ينفقها كاملة في كل يوم، وهو لا يستطيع أن يستبقي أو يدخر منها دقيقة واحدة ولا حتى ثانية واحدة ليوم غد أو لما بعد يوم غد. ليس فينا من تمكن من ادخار دقيقة واحدة في العام 2024 لينفقها في أوقات الشدة من العام 2025؛

الخاصية السادسة : الوقت هو المورد الوحيد على هذه الأرض الذي يوزع بين الناس بالتساوي التام في كل يوم، فالناس لا تمنح في نفس اليوم نفس القدر من الصحة، ولا تمنح في نفس اليوم نفس المبلغ من المال، ولكنها تمنح في كل يوم 24 ساعة، أي 1440 دقيقة، أي 86400 ثانية، لا يزيد أي واحد منا عن الآخر بثانية واحدة في اليوم. إننا سَنُمْنَحُ في كل يوم من العام 2025 نفس الوقت، ولكن الفرق بيننا يتمثل في أن بعضنا سيستغل ذلك الوقت بشكل جيد فيحقق بذلك المزيد من النجاح في العام 2025، وبعضنا الآخر سيضيعه في توافه الأمور فيخسر العام 2025 دنياً وآخرة، وكما خسر أعواما من قبله.

إن الفرق بيننا يكمن بالأساس في طريقة إدارتنا للوقت، فبعضنا يتمكن من السيطرة على وقته، ويستطيع بالتالي ترويضه وإدارته بشكل جيد وفعَّال، وبعضنا الآخر يتحكم فيه الوقت ويسيطر عليه، فيعيش أيامه ولياليه في فوضى عارمة خالية من أي إنجاز يذكر.

ويبقى السؤال : كيف نروض العام 2025 ونديره بشكل جيد؟

ثالثا/ إدارة الوقت

إن إدارة الوقت عموما هي أن تعمل بطريقة أفضل وأكثر فعالية لا بمشقة أكبر.

وكما قلنا سابقا فإنه لا أحد يمكنه أن يمنحك دقيقة إضافية واحدة في العام 2025، وليست هناك طريقة سحرية لزيادة الأربع والعشرين ساعة التي ستمنح لكل واحد منا في كل يوم من العام 2025 إن كُتبت لنا الحياة.. تلك حقيقة علينا أن نتذكرها دائما، ولكن هناك حقيقة أخرى وهي أن الإدارة الجيدة للوقت ستمكننا من السيطرة على الوقت، أي السيطرة على العام 2025 بشكل جيد، وتمديده بشكل أفضل، مما يجعله يبدو وكأنه أطول. وسيتيح لنا ذلك أن نعمل بطريقة أكثر فعالية، ومن أجل إدارة جيدة للعام 2025 لخلق فائض من الوقت، فإليكم هذه النصائح السبع:

النصيحة الأولى : فتش عن أماكن هدر وقتك وضياعه في العام 2024 وأغلق المنافذ بشكل فوري في أول يوم من العام 2025، وإذا لم تستطع فعل ذلك، فعليك أن تتوقف الآن عن قراءة هذا المقال، فلا داعي لمواصلة القراءة، واعلم بأنه لا أمل لك في أن تكون من الذين سيديرون العام 2025 بشكل جيد.

بكلمة واحدة، إذا لم تتحكم في وقتك وتسد منافذ هدره، فاعلم أنك لست مؤهلا لإدارة العام 2025 بشكل جيد.

النصيحة الثانية: حدد بداية ونهاية لكل مهمة أو عمل تريد إنجازه

من المهم جدا أن تحدد وقت بداية ونهاية لكل عمل أو مهمة تريد إنجازها، ولا تترك وقت تنفيذ المهام وتأدية الأعمال مفتوحا على طول. إن من الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها أغلبنا هو أننا ننشغل بمهام وأعمال دون أن نحدد لها وقت بداية أو نهاية فنُضيع بذلك أوقاتا ثمينة دون أن نبدأ في تلك المهام ودون أن ننهيها، وبالتالي دون أن يكون بإمكاننا أن نتفرغ لمهام أخرى، فتقع المهمة على المهمة، وتتداخل المهام دون أن ننجز أيا من تلك المهام، فندخل بذلك في فوضى عارمة من التخبط ومن تشتيت الجهد. لا يعني تحديد وقت بداية ونهاية لكل عمل أن لا تكون هناك مرونة في تغيير ذلك الوقت إذا ما استوجبت الظروف ذلك. لا بأس بشيء قليل من المرونة، ولا بأس بترك هامش قصير لتعديل توقيت البداية والنهاية حسب الضرورة، ولكن ذلك الهامش يجب أن يظل محدود المدة دائما.

النصيحة الثالثة: خصص أوقات ذروة عطائك للأولويات وللأهم ثم الأهم.

إن لكل واحد منا أوقات ذروة وأوقات صفاء ذهني تكون فيها قدرته على التركيز أكبر، ويكون فيها أكثر نشاطا، وأكثر قدرة على العطاء والإنجاز. كما أن لكل واحد منا أوقات خمول يكون فيها غير نشط، ويكون فيها حضوره الذهني وتركيزه في أدنى المستويات. إن ما يمكن أن ننجزه من أعمال في ساعة واحدة من ساعات أوقات الذروة قد لا نستطيع أن ننجزه في عدة ساعات من أوقات الخمول، ولذا فيجب أن نحرص دائما على أن نخصص أوقات الذروة للأولويات ولكل الأمور المهمة في حياتنا، على أن نترك أوقات الخمول للأمور غير المهمة في حياتنا. وأوقات الذروة في الغالب هي الساعات الأولى من الصباح، وقد تكون في المساء أو الليل بالنسبة للبعض، فعلى الطالب أن يخصصها للدراسة، وعلى الموظف أن يخصصها لإعداد التقارير، وعلى الأستاذ أن يخصصها للتحضير لدرسه، وعلى الباحث والمفكر والكاتب أن يخصصوها للإنتاج الفكري.

النصيحة الرابعة: ركز لتربح المزيد من الوقت

إننا نبدو في زمننا هذا في غاية الانشغال، وعندما تسأل أي واحد منا عن العمل وعن الانشغالات يقول لك إن المهام والانشغالات كثيرة وإن الوقت لا يكفي لتأديتها. على من يقول بذلك أن يركز في عمله ليخلق فائضا من الوقت، فعلى من يعمل مثلا لتسع ساعات في اليوم، ودون أن يتمكن من إنجاز ما كان يريد إنجازه أن يركز في عمله لست ساعات، وعندها سيجد بأنه قد أنجز في تلك الساعات الست ما كان عاجزا عن إنجازه في تسع ساعات. إن التركيز الجيد في العمل سيمكننا من ربح ساعات ثمينة ومن زيادة وقت الفراغ لمن يبحث عن وقت فراغ يخصصه للأمور الأقل أهمية.

النصيحة الخامسة : احذر لصوص الوقت

لقد تعودنا في هذه الحياة أن نحرس ممتلكاتنا وأموالنا، وأن لا نتركها عرضة للصوص، فهناك من يأتي إلى منزله بكاميرات مراقبة وبخزائن محصنة، ولكننا لم نتعود ـ في المقابل ـ حراسة أغلى وأنفس وأثمن ما نملك، أي أوقاتنا. إن وقتك ـ والذي هو أغلى وأنفس ما تملك ـ يحتاج هو أيضا لحراسة مشددة، فهناك لصوص كثر يتربصون بك ويريدون سرقة وقتك وعمرك، فلا تسمح لهم بذلك. ومن لصوص الوقت الهواتف المتصلة بشبكة الانترنت دائما، والدردشة في مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة المسلسلات ومباريات كرة القدم لساعات طوال، ومن لصوص الوقت كذلك الزيارات المفاجئة والاجتماعات العبثية التي لا تناقش شيئا مفيدا، وعدم القدرة على قول لا لمن يطلب منك تأدية عمل سيكون على حساب أولوياتك.

أخطر ما يقوم به لصوص الوقت هو أنهم لا يسرقون وقتك فقط، بل إنهم يسرقون معه تركيزك، ومن أجل استعادة تركيزك بعد كل عملية سرقة، فأنت بحاجة إلى وقت إضافي آخر حتى تستعيد من جديد تركيزك.

لكي تركز أكثر على أي عمل عليك أن تُبعد عنك كل لصوص الوقت خاصة الهاتف ..ضع الهاتف على الصامت وابتعد عن الانترنت حتى تنجز أعمالك المهمة.

النصيحة السادسة : لا تقم بعملين مهمين في نفس الوقت.. قد تعتقد مخطئا أن خلط عملين مهمين في وقت واحد يعدُّ استغلالا للوقت، ولكن، ما يجب أن تعلمه، هو أن ذلك الخلط سيأتي بنتائج سلبية عكسا لما أردت، وسيتسبب في ضياع وقت أكثر من الوقت الذي ستستهلكه إذا ما حاولت أن تنجز كل واحد منهما في وقت خاص به.. خلط الأعمال ينصح به فقط في الأوقات التي تقوم فيها بأعمال غير مهمة، فيمكنك مثلا أن تخلط بين متابعة مسلسل تلفزيوني والدردشة في الفيسبوك، بل إن خلط هذا النوع من الأعمال غير المهمة يعد من الأمور التي ينصح بها لإدارة الوقت بشكل جيد.

النصيحة السابعة : احذر من التسويف، وابدأ من الآن، والآن تعني الآن…إن مواجهة التسويف تحتاج لأن تستشعر قيمة المهمة التي تقوم بها. وتذكر دائما أن اللحظة التي تعيشها الآن هي أفضل وأنسب توقيت لتبدأ عمل الغد الذي تفكر فيه والذي كان عليك أن تنجزه غدا. لن أكرر على مسامعك في هذا المقال النصيحة التقليدية في إدارة الوقت ، والتي تقول لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، بل سأقدم لك “نصيحة ثورية” تقول لا تؤجل عمل الغد إلى اليوم، بل حاول دائما أن تنجز عمل الغد في الأمس، وخصص ـ بالتالي ـ اليوم لإنجاز المهام التي برمجتها لما بعد غد، فمن يدري فقد تأتي في الغد وما بعد الغد ظروف وطوارئ تعيق إنجاز المهام التي برمجتَ مسبقا أن تنجزها في الغد وفيما بعد الغد.

النصيحة الثامنة : اضبط اتجاه بوصلتك وتوقيت ساعتك بشكل صحيح ودقيق، ولكي نفهم أهمية ضبط الساعة والبوصلة فسأخصص لكل واحدة منهما فقرة خاصة بها.

1 ـ ضبط البوصلة

لنفترض أن شخصا ما في العاصمة نواكشوط قرر أن يسافر إلى روصو، فذهب إلى وكالة لتأجير السيارات، وأجر سيارة في وضعية جيدة جدا، ثم مر بمحطة البنزين وملأ الخزان، ثم انطلق بعد ذلك، ولكنه بدلا أن يسلك طريق روصو سلك طريق الأمل. ما سيحدث بعد ذلك معروف، فصاحبنا هذا سيفاجأ بعد ساعتين أو ثلاث أنه في مدينة ألاك لا في مدينة روصو، وهو ما يعني أن المسافة التي أصبحت تفصله عن روصو تضاعفت عما كانت عليه لحظة انطلاقه!!!

في هذا النوع من الأسفار تكون لجودة السيارة وسرعتها نتائج سلبية جدا، وذلك لأنها ستبعدك أكثر عن المكان الذي كنتَ تنوي الوصول إليه، وربما يكون الأفضل في سفر كهذا، أن تستخدم سيارة متهالكة، فتعطل السيارة في هذه الحالة سيأتي بنتائج إيجابية لأنه سيقلل من كلفة الرجوع.

ثم إن الاستمرار في مواصلة السفر، والاستمرار مطلوب دائما لتحقيق الأهداف، سيبعدك أكثر عن الهدف، فكلما واصلتَ السفر دون تحديد اتجاه البوصلة بشكل صحيح، فستزداد بعدا عن الهدف، ولذا فقد قيل إذا أخذت القطار الخطأ، فحاول أن تنزل في أول محطة.

في أي رحلة ستقوم بها للوصول إلى أي هدف من أهدافك في العام 2025، عليك أولا أن تضبط البوصلة في الاتجاه الصحيح، لأن عدم ضبطها في الاتجاه الصحيح سيبعدك عن الهدف مسافة أطول. لنفترض مثلا أن شابا ما حدد هدفا في العام 2025 يتمثل في تقوية بنيته الجسدية لينافس زملاءه في بعض ألعاب القوى، ولكنه بدلا من أن يوجه البوصلة في الاتجاه الصحيح نحو الأغذية الصحية وممارسة الرياضة وجهها في الاتجاه الخطأ، أي إلى الوجبات السريعة ومتابعة المباراة بعد المباراة دون أي ممارسة للرياضة ولو لدقائق معدودة.

مثل هذا الشاب سيجد نفسه في نهاية العام 2025 ببنية جسدية مترهلة، أسوأ مما كانت عليه في مطلع العام، وربما يجد نفسه وقد أصيب بالسكري، والحصيلة ستكون أنه ابتعد بمسافة أكثر عن هدفه الذي كان يسعى لتحقيقه في العام 2025.

ولنفترض كذلك أن شابا آخر قرر أن يطلق مشروعا تجاريا صغيرا في العام 2025، ولكنه لم يوجه بوصلته بشكل صحيح، فظل يستيقظ متأخرا في كل يوم، ولم يتعلم خلال السنة أية مهنة، ولم يذهب إلى السوق ولا ليوم واحد للتكسب، فمن أين سيحصل هذا الشاب على المال أو المهارة التي سيعتمد عليها في إطلاق مشروعه التجاري الخاص؟

2 ـ اضبط الساعة

وهذا لا يقل أهمية عن ضبط البوصلة، فلنفترض مثلا أن شخصا ما أراد أن يسافر إلى بلد خارجي، فقطع تذكرة حُدد له فيها موعد إقلاع الطائرة، ولكنه تأخر عن الموعد، ولم يصل إلى المطار إلا بعد دقائق من إقلاع الطائرة.

هناك كثيرون في العام 2025 سيسددون ثمن التذاكر، وسيبذلون جهدا كبيرا ليكونوا في رحلة العام 2025، ولكن الرحلة ستفوتهم في نهاية المطاف، لأنهم ـ وببساطة شديدة ـ لم يضبطوا توقيت ساعاتهم بشكل جيد على المواعيد التي لا يمكن التأخر عنها في العام 2025 لتحقيق إنجازاتهم في هذا العام.

ختاما

على كل واحد منا في العام 2025 أن يضبط بوصلته بشكل جيد في الاتجاه الصحيح، وذلك حتى لا يكتشف في نهاية العام أنه كان يسير في الاتجاه الخطأ، وأنه قد ازداد بعدا عن أهدافه التي كنتَ يسعى ـ أو يتمنى على الأصح ـ تحقيقها في هذا العام.

وعليه أيضا أن يضبط ساعته بشكل دقيق على كل المواعيد المهمة في خطته الشخصية للعام 2025، فإن لم يفعل ذلك فإنه لن يصل إلى المطار إلا بعد أن تكون رحلة 2025 قد أقلعت إلى الماضي السحيق، ولن يكون أمامه في هذه الحالة إلا أن ينتظر رحلة العام 2026، والراجح أنه سيضيعها أيضا، كما ضيع رحلة العام 2025.

فعلى كل واحد منا أن يضبط ساعته وبوصلته بشكل جيد في العام 2025، وبذلك سنجعل من هذا العام عام تحقيق الإنجازات على المستوى الشخصي.

حفظ الله موريتانيا…

محمد الأمين الفاضل