إلى فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الموقر

جمعة, 01/03/2025 - 01:11

أكتب إليكم، في مستهل هذه السنة الجديدة من مأموريتكم الثانية لأني آنست من فخامتكم، من خلال حملتكم الرئاسية، وبرنامجكم الانتخابي، وطبيعة الحكومة التي اخترتموها رغبة جامحة في الإنجاز، وحرصا صادقا للخروج ببلدنا من هذه الوضعية إلى وضعية أفضل، تودعون بها هذه المأمورية، وتتركون بها لكم وللبلد ما ستحفظه الأجيال ويصبح في قابل العقود تاريخا يروى ويقرر..

فخامة الرئيس
لقد فهمت اختياركم لشخص كمعالي الوزير الأول الحالي وحكومته التي أعرف عددا كبيرا من وزرائها، وأعلم أنهم إنما اختيروا للكفاءة المتوسمة فيهم والإنجاز المرجو منهم، لا لبعد سياسي ما، ولا بعد اجتماعي معين، وهذا في حد ذاته مهم لأنه يحفز هذه الحكومة على العمل والإنجاز الملموس..

ولأن هذه المأمورية بالذات ستكون فارقة في تاريخ بلدنا ومستقبل أبنائه، لأنها ستحدد -شاءت ذلك أم أبت- شكل ما سيكون بعدها من نظام الحكم، وطبيعة المجتمع، وقدرته على التعايش الداخلي القابل للاستمرار، وعلى تسيير الأزمات الإقليمية والدولية المحدقة به، ولذلك لم يسعني إلا أن أكتب لكم بصفتي إعلاميا واكبت الحياة السياسية منذ أكثر من ثلاثين سنة، ومؤرخا شاهدا على الأحداث أرقب عواقبها فور ظهور بوادرها..

فخامة الرئيس
إليكم أقول إنه لا أحد يستغني عن أن يوصى بتقوى الله تعالى العظيم في كل فعل وحال، لأنه متى استحضر الله تعالى عند كل شيء صاحبه التوفيق فيه، وجاءه التسديد من حيث لم يكن يدري..

وإلى حكومتكم الموقرة أقول إن المشاكل متراكمة وكثيرة، لا تكفي خمس سنوات لمعالجتها جميعا، فلو كانت تكفي لكفت السنوات الخمس الماضية، لاسيما أنها تتوالد ففي كل سنة تظهر مشاكل جديدة، وتتقدم أخرى كانت في الخلف، والحل ليس في مكابدة حلها مشكلة مشكلة، فهذا لا يفي به الوقت ولا العمر، ولن يدفع بالتنمية دفعة قوية تغير حال البلد.. لكن لكل نمط من المشكلات بؤرة تلتقي فيها، فمن عالجها حلت له المشكلات تلقائيا، ومن لم يعالجها استغرق الوقت في معالجة جزئيات لا تنتهي..

ومع أن الوقت لا يسمح بتقديم كل البؤر الكبرى التي ترجع إليها مشاكل البلد وطرق حلولها، فهذه نماذج منها تدل فخامتكم على بقيتها:

أولا: مشكلة الهوية الوطنية
الهوية الوطنية الآن (بمختلف شرائحها) مهددة بزحف مائة مليون إفريقي راغبة في المرور إلى الشمال (أروبا والمغرب العربي)، والشمال مغلق في وجهها، فإذا لم يفتح الشمال لها لتمر، ولم يغلق الجنوب أمامها حتى لا تدخل، فستتحول موريتانيا بالنسبة لها إلى بلد استقرار، وستعصف بكل مكونات الهوية الوطنية الثقافية والاجتماعية والسياسية، وهذا واقع لا نملك له ردا، لكننا نملك له تسييرا ناجعا حتى نؤجل ما يتهددنا في 5 أو 10 سنوات إلى 50 أو 100 سنة، ونسلك به طريقة تؤمنه من الهزات العنيفة الماحقة، وهذا يتطلب شيئا واحدا هو التفكير الاستراتيجي الاستباقي السليم.

ثانيا: مشكلة التنمية الاقتصادية
رغم كل ما قيم به من إصلاحات عميقة وجوهرية حتى الآن ما تزال مقومات التنمية الأساسية خارج دائرة القرار. وهذه المقومات هي:

- النظام المصرفي عن طريق خفض الفائدة المصرفية بصورة قادرة على حفز المواطنين على الاقتراض (أقل من 6‎%‎) لتحريك الاقتصاد، وإجبار البنوك على إقراض جميع المواطنين من خلال توجيه امتيازات الدولة ومعاملاتها للبنوك التي تتجاوز نسبة الإقراض فيها 80‎%‎ وتتجاوز نسبة إقراض الطبقات الفقيرة والمتوسطة فيها نسبة 50‎%‎.

- النظام الجبائي والضريبي وفق قاعدة زيادة قاعد الضريبة أفقيا، وخفضها عموديا، وإلغاء كافة أشكال الدعم الضريبي للمنتجات المحلية التي يطلق عليها سياسيا اسم المنتجات الوطنية، ودعم هذه المنتجات بطرق أخرى غير الضريبة، لخلق توازن بين المنتجات المحلية والمنتجات المستوردة لفائدة المواطنين الذين يوجهون غلاء معيشة غير مسبوق وخطير على السكينة الاجتماعية بسبب النظام الجبائي والضريبي الحالي.

- النظام القضائي عن طريق السماح للقضاء الجالس بتحريك الدعوى العمومية خاصة القضاء المالي، وللمحاكم المالية بتحريك المتابعة القضائية)، ومنح جمعيات القضاة سلطة تزكية العقوبات والتحويلات القضائية أو الطعن فيها.

- نظام الصفقات العمومية الذي هو الوسيلة الوحيدة نظرا لحجم كتلته في مقابل كتلة الرواتب لضمان توزيع أكثر عدالة للثروة التي تتركز أكثر فأكثر في يد المقاولين الأكثر ثراء..
- نظام المشاريع والبنى التحتية الاقتصادية، من خلال وضع أسس قابلة للنمو (التخطيط، الصرف الصحي، الطرق، الأرصفة، الساحات، الحدائق).. كيف يمكن أن ننمي بلدا من العشوائيات؟ كيف نكون بعد ستين سنة من الاستقلال بلا مدن مخططة؟ حتى عواصم الولايات، بينما لا ينبغي أن تبقى منطقة تضم أكثر من ألف نسمة دون تخطيط لأن تركها تتوسع يمينا وشمالا بصورة عشوائية دون تخطيط فيه هدر للممتلكات، وعائق أمام التنمية الحقيقية.

ثالثا: مشكلة المعوقات السياسية والاجتماعية

لعل أكبر خطر على الحياة السياسية والاجتماعية بعد الانقلابات هو وجود دولة ديمقراطية لا توجد فيها طبقة سياسية صالحة للتناوب السلمي على السلطة، قادرة على التفاعل مع الأحداث، والخطورة في غياب طبقة سياسية تتبنى المطالب الوطنية الاستراتيجية، لأن البديل عن غياب الطبقة السياسية هو قيام الحركات الاجتماعية ذات النعرة الإيديولوجية والشرائحية بتولي مسؤولية نقاش الخيارات الاستراجية التي هي في الأصل من تخصص المجتمع السياسي، ولا حل لذلك سوى تفعيل قانون تمويل الحياة السياسية الذي أصبح الآن بفضل الإصلاحات الأخيرة التي اقترحتها وزارة الداخلية قابلا للتطبيق أفضل من أي وقت مضى...

فخامة الرئيس
لولا خشية التطويل لواصلت، ولعل في هذا بلاغا الآن، والله تعالى يوفقكم ويسددكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..