الحقيقة _أنواكشوط ـ قال الفنان محمد ولد أحمد ولد الميداح إنه يشجع هواة فن الغناء والموسيقي الذين لا ينتمون عرقيا لأسر أو عائلات فنية تقليدية، واصفا حصر هذا الفن في عائلات بأنه يؤدي إلى تنافس غير إيجابي.
وأضاف ولد الميداح في مقابلة مع الأخبار أن حصر الفن في عائلات بموريتانيا جعله يرتبط بالقبيلة وبالاسم الذي تحمل، معتبرا أن هذه ليست هي الأسس الصحيحة للمنافسة.
وعن نظرته للفنانين الذين يمارسون الفن كهواية وليس كموروث عن الآباء، يوضح ولد الميداح أن علاقته بهؤلاء تعود إلى عقود طويلة، مشيرا إلى أنه أشرف على تدريب العديد منهم ويستعين ببعضهم أحيانا في أدائه الفني.
ويتحدث الفنان ولد الميداح في هذه المقابلة التي أجريت على هامش النسخة الثانية من مهرجان المذرذرة الثقافي، عن واقع الفنانين وفن الغناء والموسيقى في موريتانيا، ونظرته للتطوير والانفتاح على الأنماط الفنية العصرية، وكذلك مستقبله الفني.
كما تحدث عن بعض الصعوبات التي يواجهها الفن والفنانون الموريتانيون، إضافة إلى بعض الطرف والمشاهد التي صادفته خلال مسيرته الفنية، ورسالته التي يوجه إلى الموريتانيين.
وإليكم نص المقابلة:
الأخبار: كيف تصف المرحلة التي يعيشها فن الغناء والموسيقي في الوقت الراهن بموريتانيا؟
الفنان محمد ولد أحمد ولد الميداح: الفن الموريتاني يعيش الآن مرحلة معينة.. وقد اعتاد أن يمر بهذه المرحلة ثم يتجاوزها ليعود إليها من جديد، وهكذا..
في نظري يعود هذا الأمر للطريقة المتبعة تجاه الفن والفنانين، ففي الأصل كانت توجد أنشطة تشجع أصحاب المواهب الفنية على غرار المسابقات التي تعرفون: النغمة الذهبية، الميكروفون الذهبي، وغيرها... وفي بعض الأحيان تكون هذه الأنشطة أقل مما نأمل وما نتطلع إليه كفنانين، ولكن للأسف حين تنجح وتأتي بنتيجة إيجابية فإنها سرعان ما تتراجع أيضا.
والسبب في الواقع هو ضعف تنظيم الساحة الفنية وضعف تنظيم الفنانين أنفسهم. إن الفن في بلادنا كما هو معروف ينحصر في الأسر والعائلات الفنية، وذلك يعني أنه محصور في القبيلة وفي الاسم الذي تحمله.. وهذا بدوره يؤدي إلى تنافس أعتبر شخصيا أنه ليس إيجابيا لا من قريب ولا من يعيد، لأن الأسس التي بُني عليها ليست هي الأسس الصحيحة للمنافسة.
الآن كفنانين بدأنا في محاولة جديدة بعد عدة محاولات باءت بالفشل للأسف، ولكن رغم ذلك نرجو أن تحقق محاولتنا الجديدة النجاح.. يتعلق الأمر بمكتب جديد للفنانين، فالحكومة سبق وأن تبنت مكتبا للفنانين ولكن بعض الفنانين لا يناصرون الطريقة التي اعتمدت في تأسيسه وتشكيل طواقمه لأنه كان يجب أن يتم بطريقة تشاورية وهذا ما لم يحدث، ولذلك فنحن الآن بصدد تأسيس مكتب جديد والإجراءات على صعيد الترخيص الرسمي جارية على قدم وساق، ونسعى إلى أن يعمل المكتبان معا في نفس الوقت وفق روح التنافس الإيجابي، وكنا قد اجتمعنا بفريق من الوزارة الوصية (وزارة الثقافة) وتحدثنا في هذه القضايا، حيث إن مساعي الانضمام للمكتب الأول لم تنجح، ولكن لا بأس فنحن في عهد التعددية على كل المستويات السياسية والثقافية وغيرها.
الأخبار: هل تتابع أداء الأجيال الجديدة من الفنانين التي لا تنتمي ـ عرقيا ـ لأسر فنية؟ وما تعليقك على هذه الظاهرة؟
الفنان محمد ولد أحمد ولد الميداح: علاقتي بهؤلاء الذين تشير إليهم لا تقتصر فقط على أنني أتابعهم، بل إنني ومنذ عقود بدأت في تشجيع هذا الاتجاه، وتوليت تكوين فنانين شباب لا يمتهنون الفن كموروث عن آبائهم وإنما كهواية، حيث كنت مكونا للفرق الشبابية في المقاطعات إبان عهد هياكل تهذيب الجماهير في الثمانينات.
والآن أصبح الكثير من هؤلاء فنانين محترفين معروفين في الساحة ويعيشون من هذه الحرفة، وأحيانا أحتاج لبعضهم في العزف وأستدعيهم ليساعدوني في حال كان الأبناء مشغولين، لأنني أعرف قدراتهم ومستويات كل واحد منهم على حدة وما يمكن أن يؤدي من أدوار.
كما أنني قد شاركت بفرق تضم بعض هؤلاء لتمثيل موريتانيا في العراق ونيجيريا وليبيا والسنغال ومناطق أخرى من العالم.
الأخبار: وكيف تنظر إلى الفن الصاخب الذي بات يجذب جمهورا واسعا من الشباب الصاعد؟
الفنان محمد ولد أحمد ولد الميداح: هذا النمط الفني بدأ أصلا في الغرب، وقد انتشر عدواه إلى مختلف أنحاء العالم، وهو في الواقع فنّ.. وفي موروثنا الأدبي نستذكر ما يقول الأديب محمد يحيى ولد البوبان معلقا على تأثير فن الغناء على النفس البشرية:
صــراك امطـكي مــاه كـــول سمع الهول وج مدّربي
وهاجت فيه الصركه، والهول يهـيّـج مـا فـي القــلـب
وبالتالي فإن الذين يمتهنون هذا النمط في الموسيقى والغناء بقصد التوجيه والإصلاح وما شاكل ذلك فهم في الواقع يؤدون الرسالة ويخدمون المجتمع، خصوصا مع وجود جمهور شبابي واسع يعشق هذا النمط الفني ويرغب فيه ويتأثر بما يحمل من مضامين.. أما إذا كان المراد يتعلق بغير ذلك لا قدر الله فهذا شأن آخر، حيث يليق بالغرب ما لا يليق بنا على صعيد القيم والعادات، كما أننا نتقيد بالدين الإسلامي الحنيف الذي ننبذ ما لا يوافقه.
الأخبار: يمكن القول إنك منفتح على هذا النمط الفني؟
الفنان محمد ولد أحمد ولد الميداح: نعم، بكل تأكيد، ما دام في الإطار الذي أشرت إليه آنفا.
الأخبار: ولكن هناك من يبدون مخاوف من تأثير التطوير غير المضبوط؟
الفنان محمد ولد أحمد ولد الميداح: لهم الحق في ذلك.
الأخبار: هل تخشى منه على التراث الفني؟
الفنان محمد ولد أحمد ولد الميداح: في الحقيقة لا توجد خشية من هذا القبيل، إذ لا يمكن هدم الأصل لأن موسيقانا محور هويتنا وهي بطاقة تعريف لهذا البلد وبدونها لا يرقى ولا ينهض، والأمم التي تتخلى عن تراثها تواجه انفصاما في الهوية لأنها لن تكون قادرة على تبني هوية الغير.
الأخبار: على الصعيد الشخصي، هل تُعدّ الآن لإنتاج فني؟
الفنان محمد ولد أحمد ولد الميداح: نعم، أستعد الآن لبعض الإنتاج الفني، والأصل أن الفنان يجدد إنتاجه دائما حتى لا يصاب جمهوره بالملل، كما أنني سبق وأن أنشأت هيئة تسمى جمعية تحديث وصيانة الفن الموسيقى وهي تستعد حاليا لعقد مرجان فني في الولاية (الترارزة)، وقريبا تسمعون عنه تفاصيل أشمل، وسيكون الإنتاج عالي المستوى، وأرجو أن يكون له زخم كبير.
الأخبار: ما أبرز الصعوبات التي واجهتك في مسارك كفنان موريتاني ناجح؟
الفنان محمد ولد أحمد ولد الميداح: الصعوبات التي تواجه الفنان الموريتاني كثيرة ومنها الصعوبة المتعلقة بالدعم، لأن الإنتاج الفني يحتاج إلى الدعم المادي حتى يصل لمستوى الجودة الذي يأمل الفنان أن يكون عليه أداؤه، كما أن التحضير لتظاهرة فنية يحتاج دعما، والفنانون بطبيعهم ليسوا أثرياء.
ولكن رغم كل هذه الصعوبات فإن الأمور عموما تمر دائما بسلام ولله الحمد.
الأخبار: ما سرّ تميز أدائكم الفني بحضور اللمسة الفلكورية؟
الفنان محمد ولد أحمد ولد الميداح: لقد بدأت مشواري الفني بالموسيقى العصرية وكان لدي جوق شخصي وأجواق أخرى أرأسها، كما كونت العديد من الفنانين على الموسيقى العصرية وكنت في نفس الوقت عضوا في فرق فنية ثقافية خاصة بالفن التقليدي.
وزيادة على كل ذلك كانت لدي علاقات بالمسرحيين، وكنت كثيرا ما أفكر في موسيقى خاصة تخدم فن المسرح.
الأخبار: هلّا حدثنا عن بعض الطرف أو المشاهد التي صادفتك أثناء العمل؟
الفنان محمد ولد أحمد ولد الميداح: أحيانا يحصل معي بعض ذلك.
أتذكر هنا أنني كنت قد دعيت على عجل للحضور إلى القصر الرئاسي رفقة فرقتي الفنية، ولأن وقت التحضير للدور الذي سنؤديه كان قصيرًا جدّا فقد بدأت ترتيبات الاستعداد بما فيها تجميع أعضاء الفرقة (كان ذلك قبل انتشار الهواتف الشخصية)، إضافة لتنظيم هيئتي وهندامي.. وقد أكملت هذه الترتيبات لكني ـ وبسبب انشغالي الذهني ـ نسيت أن أرتدي ملابسي كاملة ولم أنتبه لذلك حتى وصلت إلى القصر الرئاسي وأنا في تلك الوضعية.
وقد أثار الأمر ضحك بعض الحضور الذين قابلتهم لأن الأمر لم يكن معهودًا، وهذا ما جعلني أنتبه في آخر لحظة للهيئة التي حضرت بها، حيث اضطررت للعودة من جديد للمنزل لأكمل ملابسي.
الأخبار: ما رسالتك للموريتانيين في الوقت الراهن؟
الفنان محمد ولد أحمد ولد الميداح: أقول لكل الموريتانيين إنه لا يوجد ما يجعلهم يخافون على مستقبل التعايش بين مكونات المجتمع، لأن هذا المجتمع متكامل ومتلاحم فلأفراد كل مكون من مكوناته علاقات نسب وقرابة تربطهم بباقي المكونات، وهذا في حد ذاته صمام أمان يُضاف لصمام الأمان الأول وهو أننا شعب مسلم ومسالم.
وفي مراحل مختلفة من تاريخ مجتمعنا حصلت مواقف، لكن تم تجاوزها وخرجنا منها بسلام، وسوف نخرج بسلام كذلك من كل المواقف الأخرى التي تستجد.
ورسالتي باختصار هي أنني أدعو الموريتانيين للوحدة وحب الآخر، والعمل من أجل أن يكون الهم الجامع لنا هو الحفاظ على قيم الوحدة والتقدم والازدهار، فلا وطن نلجأ إليه غير وطننا هذا: موريتانيا.
الأخبار: شكرا جزيلا لكم.