في أقصى الشمال الموريتاني، حيث تلتحم الرمال والسراب، تقبع قاعدة صلاح الدين العسكرية التي تمثل إحدى أهم المراكز العسكرية في الشمال الموريتاني.
أقيمت القاعدة قبل حوالي 5 سنوات لتكون مركز قيادة وانطلاق وإمداد لمحاربة القاعدة وتنسيق عمل الوحدات العسكرية المتجولة في طول الشريط الصحراوي الرابط بين الحدودين الموريتانية الجزائرية والمالية.
داخل هذه القاعدة، يبرز سجن ضخم أعد خصيصا للسجناء السلفيين المصنفين على أنهم الأخطر من بين كل المعتقلين والمشتبه بهم في ملف السلفية والإرهاب والقاعدة.
قبل سنتين نقلت طائرة عسكرية 14 سجينا سلفيا، حلقت بهم في السماء دون أن يعرفوا الوجهة التي ستكون مثوى لهم بعد 4 سنوات من السجن والتعذيب والاعتقال والإدانة بأحكام تتراوح بين الإعدام والمؤبد وسنوات من السجن تنيف على العشرات.
ويقول مصادر السراج " إن السجناء في تلك الرحلة كانوا متأكدين أنهم يساقون إلى الإعدام، لقد ظهرت عليهم أعراض توتر شديد وهلع وبدأ أغلبهم في الدعاء والتشهد وقراءة القرآن" ويقول مصدر خاص للسراج " لقد كان الدعاء مؤثرا، وأصاب الجنود المرافقين بالفزع هم أيضا ..لقد كانوا يدعون الله بشكل هستيري ومتواصل أن ينتقم ممن يرون أنه ظلمهم وأن يصب غضبه على "الطواغيت والظلمة" وصل المعتقلون الأربعة عشر إلى قاعدة صلاح الدين، حيث استلمهم الدرك المكلف فقط بإدارة ذلك السجن، فيما يوكل إلى وحدة من الجيش إدارة القاعدة وحراسة محيطها.
أخذ المعتقلون أماكنهم في زنازينهم، ورغم صعوبة الظروف وبعد السجن وانقطاع الزيارة، فقد مثل مستوى من الراحة بعد أن تأكد السجناء أنهم لا يساقون إلى المقصلة.
وتقول مصادر السراج إن المعتقلين يعيشون ظروفا غير إنسانية، وهو ما تنفيه مصادر شبه رسمية وتؤكد أن المعتقلين تحت مأمورية الدرك الوطني، ورغم أن الجهات الرسمية تعترف أن وضعية السجون الموريتانية بشكل كامل بما فيها وضعية سجن صلاح الدين غير نموذجية إلا أنها لا تصل درجة التعذيب.
ويقول مصدر أمني سبق أن زار سجن صلاح الدين للسراج " إن أوضاع السجناء ليست جيدة، وحراسهم يشعرون بالفعل أنهم مجموعة شرسة وعلى هذا الأساس يتم التعامل معهم وفي بعض الأحيان يتم صعق السجين بالكهرباء عبر دبابيس خاصة لدى الدرك، قبل أن تنزع الأغلال عنه" ويضيف المصدر " روائح الحمامات القذرة كانت تملأ الزنازين وأصيب السجناء بأمراض جلدية و ظهرت بثور كثيرة على أجسادهم" حيث نقل أربعة منهم في وضعية حرجة إلى نواكشوط ليتلقوا العلاج إثر إضراب عن الطعام، قبل أن تتم إعادتهم من جديد إلى السجن.
اللحظات الأخيرة في حياة ولد هيبة
ويقول مصدر خاص للسراج "إن السجين المتوفى معروف ولد الهيبة كان يعاني منذ سنوات من مرض الكبد، وأن وضعيته ازدادت سوء داخل السجن، وخلال الأشهر الماضية كان الرجل يتعرض لنوبات مرض حادة ويتقيئ الدم في أحيان كثيرة، دون أن ينال العلاج ويضيف المصدر قبل ليلة واحدة من وفاته وبعد أن تدهورت صحته بشكل كبير " استدعت إدارة السجن طبيا، قام بفحص ولد الهيبة وأعطاه أدوية، وقد لاحظ رفاقه أن وضعيته تحسنت خلال الساعات الأخيرة قبل وفاته، قبل أن يفاجأوا به عند الصباح ميتا".
وأخيرا ..انتهت رحلة معروف ولد الهيبة بين السلفية والسجون والتي استمرت أكثر من 11 سنة.
يقول رفاق سابقون لولد الهيبة، وهو عسكري سابق إنه انتقل من حياة المرح و الشباب المدلل إلى الانتماء السلفي خلال سنوات 2003-2004 ضمن موجة سلفية اجتاحت عددا كبيرا من الشباب الموريتاني. استطاع ولد الهيبة وبصعوبة اختراق الجسم السلفي الذي كان يتوجس من هذا العسكري السابق، لكن الرجل سرعان ما استطاع الوصول إلى قلب القيادة السلفية الجديدة، وتنظيم أنصار الله المرابطون الذي أنشأه الخديم ولد السمان بأوامر من زعيم تنظيم القاعدة مختار بلمختار المعروف ببلعور.
برز اسم معروف بقوة بعد مقتل 4 سواح فرنسيين قرب ألاك، حيث اتهم معروف بتنسيق العملية رفقة سيدي ولد سيدينا ومحمد ولد شبرنو. وبعد مطاردات استمرت عدة أيام اعتقل ولد الهيبة قرب المعهد العالي حيث كان متخفيا في زي امرأة.
حوكم ولد الهيبة بعد سنوات من السجن، وأدين بالمشاركة في عملية القتل قبل أن يحكم عليه بالمؤبد، ولاحقا شارك في الحوار بين الشباب المعتقل والعلماء.
وقد مثلت حادثة قتل الفرنسيين المنعطف الأكثر إثارة وتأثيرا في ملف الأمن و السياسة في موريتانيا، و ارتهنت بموجبها البوصلة الأمنية الموريتانية للخيار الفرنسي، قبل أن تتصاعد حدة التوتر بين الأمن الموريتاني والقاعدة.
وخلال سبع سنوات كتب العنف فصولا مريرة من الدم والتأزيم، واستطاع الفرنسيون تعويض خسارة أرواح أربعة مواطنين فرنسيين بالتحكم أكثر في القرار السياسي الموريتاني وفوق ذلك إقامة قواعد عسكرية في موريتانيا والتحكم في مفاصل الاستيراتيجية الأمنية في موريتانيا ويمثل ولد الهيبة السجين السلفي الثاني الذي يموت خلف القضبان بعد شيخاني ولد سيدينا ويقول أحد العارفين بالملف السلفي إن معروف رغم أنه إسلامي متشدد ومتهم بالمشاركة في قتل مجموعة من السياح الأجانب بدون وجه شرعي، إلا أنه شخص لطيف وأقل عدوانية من زميله الخديم ولد السمان الذي طالما دخل في شجار مع السجانين ورفاقه المسجونين.
برحيل ولد الهيبة تطوى صفحة سجين واحد من أكثر من 300 شخص مروا بين مخافر إدارة الأمن والسجون والمحاكم خلال السنوات العشر الماضية، دون أن يعني ذلك نهاية ملف من أكثر الملفات تعقيدا في تاريخ موريتانيا.