
كان خطاب عزيز سلسلة مفبركة من الأكاذيب التافهة المعهودة و كعادته جرى ولد الغزواني على خطواته بفارق طيبوبة خادعة، تركت في نفوس العامة مسحة إنسانية ارتاح لها الكثير من السذج، بعد 12 سنة من احتقار عزيز لهم و حيل جحا التي نهب بلدهم عن ريقها ..
لم أجد خطاب غزواني مكتوبا في أي موقع حتى الوكالة الموريتانية للأنباء (؟) و قليلة هي المواقع التي سجلته بالصوت . فكان علي أن أعود لرسائلي الخاصة بحثا عنه، في حين تواصل التلفزة الموريتانية منذ لحظة التسليم (كأن الحدث ذهاب عزيز لا قدوم غزواني) تطبيلها لهذا المخرب و الإشادة بإنجازاته المكذوبة التي تتقاصر دونها إنجازات الرئيس الأمريكي .و لا تتكلم تلفزة تقي الله الأدهم أبدا عن سونمكس و لا إينير و لا سنيم و لا مصنع الطائرات و لا بولي هوندونغ و لا سونرايس و لا أي كبوة أو "تمريغة" أخرى لعر..!؟ فإلى متى سيظل هذا النفاق المخزي ، المهين ، المدمر، ينخر وجدان شعبنا الساذج؟
في مصلحة من ، يتواصل هذا النهج الببغاوي الركيك ، المضلل، الآثم ، المعبر عن تفاهتنا و احتقار الأنظمة الشاذة لنا؟
و ليس أكذب و لا أكثر احتقارا لنا من فريق تقي الله سوى ولد الغزواني حين يقول "كما ألتمس من الجميع المعذرة، في أن أعبر في هذا المقام عن مدى فخري و اعتزازي بالانتماء إلى هذا الشعب الأبي الذي سطر عبر الانتخابات الرئاسية الأخيرة ملحمة ديمقراطية جديدة أكدت على نضج وقوة المنظومة السياسية الوطنية . لقد كانت هذه الانتخابات ذات دلالة خاصة بالنسبة للشعب و الوطن فلأول مرة يتم تداول سلمي على السلطة بين رئيسين منتخبين، تكريسا لمبادئ الدستور و احتراما لدور الإرادة الشعبية في تحديد آليات ممارسة الحكم . إن ما تميزت به هذه الانتخابات من اهتمام شعبي تجسد في نسبة المشاركة العالية و من دقة في التنظيم و شفافية في الإجراءات و ما اتسمت به من أجواء احتفالية و من تكريس لثقافة التعددية و قبول الرأي الآخر ؛ كلها عوامل يجب أن تشكل مبعث فخر للأمة الموريتانية و مصدر اعتزاز بديمقراطيتنا التي تزداد تجذرا يوما بعد يوم و بناء على ذلك فإنني أتوجه بالتحية إلى كافة شعبنا على ما أظهر من نضج سياسي و على المستويات الراقية من السلوك المدني التي تحلى بها خلال مراحل المسلسل الانتخابي"
ألا يحتقرنا ولد الغزواني هنا حقا حين يطلق مثل هذه الأوصاف الخرافية على تلك الانتخابات التي أعدت بعد توزيع نسب المترشحين فيها على المقاس منذ عدة أشهر في درج مكتب ولد بلال؟ .. حين يتحدث أمامنا بهذا الأسلوب المستهتر و عن " دقة في التنظيم و شفافية في الأجراءات ".. " تكريسا لمبادئ الدستور و احتراما لدور الإرادة الشعبية في تحديد آليات ممارسة الحكم" ؟
لا يستطيع اثنان في موريتانيا (معارضة كانا أو موالاة) أن يختلفا على أن ولد الغزواني هنا تجاوز أكاذيب عزيز بشوط كبير و جرأة أكبر. و حين يكذب "القائد" على الشعب بهذه الطريقة المتهتكة ، كيف يطلب منه أن يثق في وعوده؟
فما رأيكم يا أبناء الشعب الموريتاني إذا كانت وعود ولد الغزواني تنتهج هذا الأسلوب في الأكاذيب و التحايل؟ / مجرد سؤال بريء!..
"كما أشكر مواطني الأعزاء الذين صوتوا لخيارات أخرى و أعبر لهم عن احترامي لتلك الخيارات و عن فهمي لدلالتها ، إلا أنني أوكد للجميع أن الفائز الأول في هذه الانتخابات هو الشعب الموريتاني و ديمقراطيته" هنا يقول موليير "قدرة الإنسان على العدل تجعل الديمقراطية ممكنة أما قدرته على الظلم فتجعلها ضرورية" . نعم، أيها الشعب الموريتاني إن قدرة هذه العصابة على الظلم و الكذب و التحايل ، تجعل استماتتنا من أجل الديمقراطية ضرورية لإنقاذ بلدنا من هذه الورطة التي يتخبط فيها و التي ظلت تكبر مع الزمن منذ 1979. (نعم : مهما قيل و يقال، لقد كان المرحوم المصطفى ولد محمد السالك إنسانا عظيما) ..
"كما أشكر مواطني الأعزاء الذين صوتوا لخيارات أخرى..."
أراد ولد الغزواني هنا (من خلال هذه الكلمة)، إفهام ضيوفه القادمين من الخارج (و كلهم طغاة مارسوا نفس اللعبة بنفس الوقاحة في بلدانهم و جاءهم عزيز مناصرا ، حتى أن السنغاليين وصفوا كلمته خلال تنصيب ماكي صال بالوقاحة و التدخل السافر في شؤونهم الداخلية)، أن المعارضة التي خاضت معه أسوأ انتخابات في تاريخ البشرية، تحضر هذا الحفل المهيب برضا و قبول لنتائجها لـ" ما اتسمت به من أجواء احتفالية و من تكريس لثقافة التعددية و قبول الرأي الآخر"
لقد كذب ولد الغزواني هنا بمكر و تمرس لا تخفى احترافيته حين رفض الإشارة إلى مقاطعة المعارضة للحفل و الثناء عليها و "احترام مواقفها ليوهم ضيوفه القادمين من الخارج أنها حاضرة بينهم في حين لم يحضر أي منهم ، حتى بيرام المتاجر بموقفه بوضوح معلن لا لبس فيه ، لم يستطيعوا جلبه إلى زفة أكاذيبهم المخجلة. و سأؤكد لبيرام هنا أنه مهما فعل ، مهما فعل ، مهما فعل ، لن يتم الترخيص لحزبه و لا لمنظمته لأن هذا الرفض توصية أمنية ترتبط باضطراب مواقفه و عدم مسؤوليته التي يدل موقفه الآن و اعترافه بنتائج الانتخابات (من خلال تنصيب نفسه الفائز الثاني و زعيم المعارضة و هو اعتراف صريح بصحة النتائج و مدروس أيضا من قبل من فصلوه) ، أنها تصرفات سلوكية لا يمكن الوثوق بصاحبها. و هذا موقف أؤيد شخصيا الأمن الموريتاني على اتخاذه و لن تكون المعارضة الموريتانية مسؤولة إذا لم تتخذه من بيرام المتاجر بقضية الحراطين كما أعلنت كل نخب الحراطين التي خرجت من مشروعه الفردي الأناني . فبأي معنى ستكون زعيما لمعارضة لا تنتمي إليها يا بيرام؟ بأي معنى ستكون زعيما لمعارضة تنص القوانين أن زعامتها تنال بعدد النواب في البرلمان؟ إذا كنت تفهم القانون فادعاؤك مردود عليه و إذا كنت لا تفهمه فالمصيبة أكبر. على كل من يتعبرون الوقوف مع بيرام في مشاريعه الأنانية وقوفا مع الحراطين أن يفهموا أنهم يسيئون أكثر إلى الحراطين و أكبر دليل على ذلك أن مشروع بيرام طارد لكل نخبة الحراطين . إن ما يقوم به بيرام اليوم هو أبشع طرق تعبيد الحراطين و المتاجرة بقضاياهم و جني المصالح على ظهورهم ..
و لأن تداخل الأمور في موريتانيا مربك حد الجنون ، لن أتجاوز هذه النقطة قبل تسجيل موقف آخر : لم تستطع المعارضة الموريتانية استقلال توافد الصحافة الدولية على موريتانيا ، لتعلن في مؤتمر صحفي أو نقطة صحفية ، عن مقاطعتها لهذا التنصيب و قد ذهب جميع ضيوف كذبة العصابة و هم متأكدون أن قادتها (المعارضة) يحتلون الكراسي في الصفوف الأمامية للقصر.
في الحقيقة هذه ليست معارضة و لا يمكن أن تظل تحتل واجهة صراع شعب يعاني مثل هذا الظلم و القهر و الحرمان.
عشر سنين و أنا أطالب المعارضة بدعوة المانحين إلى مؤتمر أو إصدار بيان تحذرهم فيه من مغبة دفع الرشاوى لعصابة عزيز للهيمنة على الاقتصاد الموريتاني ، كما فعلوا بالضبط. فلو كانت المعارضة فعلتها لما تطلب الأمر اليوم أكثر من إخراجهم بالقوة من البلد دون أي حق بل مطالبتهم بتعويض ما نهبوا ؛ لكن الحقيقة التي لا غبار عليها اليوم هي أن هذه ليست معارضة و لا يستحق زعماؤها إلا رئاسة غزواني و زعامة بيرام .
"كما أن السياق التاريخي لهذه اللحظة (يضيف غزواني) يستوجب مني أن أسجل نيابة عن الشعب الموريتاني و أصالة عن نفسي ، شهادة للتاريخ في حق أخي و صديقي "فخاااامة الرئيييييس" محمد ولد عبد العزيز الذي ستحفظ له الذاكرة الجمعية الوطنية ما حقق للبلاد من إنجازات تنموية شاهدة و من مكاسب سياسية و ديمقراطية رائدة" ..
من ينتظر خيرا من ولد الغزواني بعد غصته بعبرة الوفاء لأبغض رئيس عند شعبه ، حين قال "فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز"، لا شك أنه يفتقد القدرة على التحليل و المنطق : من حقك يا غزواني بل من واجبك حتى و مما يناسبك جدا، أن تبكي ولد عبد العزيز و تكيبر ، لكن ليس من حقك أن تفعلها باسم شعب يبغضه بكبيره و صغيره ، بمثقفه و جاهله ، بحضريه و بدويه ، بأبيضه و أسوده. و سترى بأم عينك (مهما فعلتما) موقف الشعب الموريتاني منه و منك حين فضلت الاصطفاف معه على حساب شعب لم يكفيك أنك زورت انتخاباته و وقفت خلف متاريس الدبابات في وجه إرادته.
لن أتحدث عن تعهدات غزواني ؛ هذا كلام لا يراعي صاحبه أي قدر من المسؤولية . و إذا كانت مديونية موريتانيا تجاوزت الحد المسموح و كل مشاريعها السيادية الكبرى (المناجم، السمك، المواني، المطارات...) تم رهنها لمؤسسات أجنبية عملاقة مدة 50 سنة ، فبماذا ستخلق "عشرات آلاف الوظائف" يا غزواني؟
هل يعلم الشعب الموريتاني أنك لا تستطيع لا حتى الحديث عن أموال موريتانيا المنهوبة .. لا تستطيع التفكير (مجرد التفكير) في مراجعة الاتفاقيات لإجرامية التي تم من خلالها تركيع موريتانيا.. و قبل التعهد (و للعهد عندك معنى) بخلق ما لا تستطيع القيام به لماذا لا تتعهد للشعب الموريتاني بفتح ملفات الإجرام (سونمكس، إينير، شركة تركيب الطائرات، سنيم، التلاعب بالعقارات، صفقات المواني، صفقة المطار، جريمة عزيز و الشيخ الرضا... ؟)
و تعهد ولد الغزواني بخلق عشرات آلاف الوظائف (...) هذا كلام لا يراعي صاحبه أي قدر من الالتزام بتعهداته : كذبت يا غزواني .. كذبت .. كذبت ، لن تخلق أي وظيفة و الغاز الذي يسيل له لعابكم لن تستفيد موريتانيا منه فلسا قبل 15 سنة ..
و في الأخير، كل المؤشرات تدل على أن ولد الغزواني ، لا يملك القدرة على الاستمرار ؛ فالبلد منهار و الإدارة تم تدميرها و و الجيش و الأمن تحول إلى مليشيات و مثل هذه التحديات تتطلب قرارات الرجال و مواقف الرجال و أخلاق الرجال و تفكير الرجال وهي أمور يفتقدها ولد الغزواني و يحاول التعويض عنها بالأكاذيب و المكر و المشي على الحبلين..
ستدركون قريبا أن وصول ولد الغزواني إلى السلطة كان أسوأ بكثير من المأمورية الثالثة .. بل كان أسوأ ما يمكن أن يحدث على الإطلاق: نهب ولد عبد العزيز و عصابته خيرات البلد بكل ازدراء و كل احتقار للشعب و دمر الإدارة و حول الجيش و الأمن إلى مليشيات و مرتزقة يؤجرها تارة في كوت ديفوار و أخرى في وسط إفريقيا و حاول بكل جهد أن يرمي بكتائب من جيشنا في جحيم اليمن لولا رفضنا و صراخنا. كان الشعب يتابع كل شيء و يطالب باسترداد ما نهب عر من خيراته و كان لا بد أن يحصل عليها يوما إما بإسقاط نظامه بثورة أو انقلاب أو انتخابات يفوز فيها رجل يتعهد باسترداد ما نهب من خيرات البلد . مجيء ولد الغزواني هو وحده ما يلغي كل هذه الاحتمالات و بعد خمس سنين من حكمه (لا قدر الله) ستصبح ممتلكات العصابة أموال مشروعة تجاوز الزمن الحديث عنها ؛ و هو ما لن يحصل يا غزواني ...
على الشعب الموريتاني أن يتأكد اليوم أن غزواني جاء أو جيء به على الأصح، لإنقاذ عزيز و عصابته و لإنقاذ نفسه و لم يأت لإنقاذ موريتانيا (و هو أمر لا يخفيه عزيز و لا هو يخفيه).. و عليه أن يفهم أننا سنواجهه بكل ما نملك و كل ما لا نملك من رفض و قوة و استماتة : لقد كانت هذه الانتخابات انتكاسة حقيقية للبلد و المعارضة لكنها لم تخل من جوانب إيجابية هي ستكون نهاية هذه العصابة الحقيرة بالطريقة التي تستحقها ..