الإسلاميّون وغياب ثقافة التقاضي / بقلم عبدالله ولد بيان

أربعاء, 08/21/2019 - 11:11

في العام الماضي، وتعليقا على طول المدة الذي أخذها إعداد تقرير لنيويورك تايمز، يتناول تاريخ الرئيس الأمريكي الحالي مع التهرب الضريبي (حيث تطلب ذلك أكثر من سنة)، قال الصحفي المعد للتقرير بأن السبب هو جمع الأدلة. لأن الصحيفة تدرك بأن أي سطر غير مدعوم بالوثائق والأدلة سيكون نقطة ضعف لها أمام المحاكم. ولأن اترامب "لن يرحمها" إذا لاحظ ثغرة مناسبة في التقرير.

لقد سعدت بلجوء السيد الوزير السابق المختار اجاي إلى القضاء كأسلوب مدني لحفظ الحقوق وترسيخ قيم العدالة في هذه البلاد. للأسف طبيعة "أهل لخيام" بأن "الكبير ما يرد راصو على الصغير" غاية في السلبيّة وترسيخ حالة اللا قانون، في مجتمع له طبيعة "إعلامية" خاصة، تنتعش فيها الإشاعة والتساهل في التلفيق على الخصوم، واعتبار التصدي لذلك تضييقاً على الكلمة.

وهذه مناسبة لتذكير الإسلاميين بالذات بأن لديهم خللا مزمنا في هذا الجانب الهام من الحياة المدنية. فعلى الرّغم من أن تحيّز القضاء ضد المعارضين، والخوف من ترميز "النكرات"، وحضور الأبعاد الاجتماعية في أي دعوى قضائية موريتانية، من الأعذار الموضوعية المثبّطة، إلا أنه يجب أن يُعلم أيضاً بأن إدراك "المفترين" في هذا الفضاء لحجم التلفيق والقذف وغياب الأدلة على ما يقولون، يجعل مجرّد تحريك أي دعوى قضائية (مهما حدث من هبّات تعاطف لحظي مع "المفترين")، كافية للجمهم عن المعني إلى الأبد، والشواهد على ذلك عديدة ناطقة.

وقد كانت الدعوى المشابهة للسيد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أيام رئاسته قبل أكثر من عقد من الزمن، في غاية الرمزية المدنية. وقد احتفى بها الفاعلون في القضاء لذات السبب، كما حدثني بذلك أحد المكلفين يومها بالملف. طبعاً، الشخص المفترى عليه هو المعني بالدعوى، لأن القانون صريح في أنه هو وحده من يُقيّم حجم الأذى المعنوي الذي تعرض له. وهذا الأمر يختلف من فرد لآخر.

شخصيا، لا أذكر أن إسلاميا موريتانيا واحداً، ناشطاً أو قائداً، حرك أي مسطرة جزائية ضد أي من المفترين عليهم، على كثرتهم. مع أنك ترى أشخاصاً منهم بأسمائهم وأحزابهم وتوجهاتهم يتهمون بالإرهاب والعنف والقتل غير المباشر (الفتوى بالقتل)، والانتساب لداعش والقاعدة (حتى في حق من برأتهم محاكم دولية من هذه الصفات). ومع ذلك يتجاهل كل أولئك ما لردّات فعلهم المدنية الإيجابية من دور في ترسيخ العدالة وحفظ حريّات الناس وحقوقهم. إنه، للأسف، خلل في الإيمان بقيم الحرية من حيث يُتصوّر الإعلاء من شأنها.