
هل ما زال في عالمنا العربي وقارتنا الافريقية رجال من طينته؟ سؤال يراودني مذ علمت برحيل وزير خارجية موريتانيا الأسبق شيخنا بن محمد الأغظف عن عمر تجاوز مائة عام.
كان سليل عائلتين من نبلاء السيف والقلم. أخذ علوم الدين واللغة وهو حديث السن. ثم أتقن لسان المستعمر الفرنسي ونهل من ثقافته.
كان من أبرع رجال الإدارة وأدهى الساسة. ساهم في تأسيس الدولة ودافع، ببلاغة وفصاحة، عن قضايا افريقيا والعرب في المنابر الدولية.
كان يبهر محدثيه بسعة علمه وأناقة لغته وتماسك منطقه. دأب العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني على استقباله ببشاشة غير متكلفة. كان يقدره. هل لأنه كان يستطيع أن يناظره في السياسة والتاريخ قبل أن يسامره في الشعر والأدب؟ أم لأنه يسايره في القرآن والحديث والفقه ؟ أو لأن الملك أحب هذا الدبلوماسي المخضرم الذي يجاريه في سلاسة التنقل بين لسان المتنبي و لغة فولتير ؟
ذات مرة، مثل الفقيد بلاده في إحدى القمم بتونس أيام المرحوم الحبيب بورقيبة. حرص "المجاهد الأكبر" على أن يودع شخصيا الوزير الموريتاني في المطار. سأله أحدهم : "لماذا هذه المعاملة الاستثنائية التي تتجاهل قواعد البرتوكول الذي يقضي بأن يودع كل مسؤول نظيره ؟"
رد بورقيبه : " لم أنظر إلى الأمور من هذه الزاوية. لقد تصرفت انطلاقا من تقديري للقيمة الذاتية لهذا الرجل"، مضيفا : " إذا كان الناس معادن، فهو من ذهب !"