صانع سلام أثيوبيا وإرتيريا.. الفائز بجائزة نوبل / بقلم محفوظ ولد السالك

سبت, 10/12/2019 - 21:24

أبي أحمد.. اسم تداوله الإعلام العالمي كثيرا، إثر فوزه بجائزة نوبل للسلام، تتويجا للجهود التي بذلها في سبيل طي صفحة الحروب والنزاعات الحدودية بين أثيوبيا وإرتيريا، بلدين بمنطقة القرن الإفريقي، تنازعا لعقدين من الزمن، وتصالحا على يديه، أشهرا بعد توليه منصب رئيس للوزراء.
من أب مسلم ينتمي لقومية الأورومو، وأم مسيحية تنتسب للقومية الأمهرية، رأى أبي أحمد النور عام 1976، في قرية صغيرة وادعة تدعى "بيشاشا" وتبعد 500 كلم من العاصمة أديس أبابا.
"أبيوت" كما كان يلقب في الصغر، وتعني محليا "الثورة"، ولج الحياة العسكرية مبكرا عن طريق الصدفة، فقد دفعه مقتل أخيه "كادا" من طرف منتمين لجبهة تحرير أورومو، إلى ولولج عالم البزات العسكرية والبنادق المدفعية، فانضم إلى صفوف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الأثيوبية، وبعد أشهر على انضمامه سقط نظام منغستو هيلا مريام، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد على مدى 17 سنة.
تحول الشاب أبي أحمد من جندي في التحالف الذي أسقط النظام، إلى جندي في قوات الدفاع الوطني الأثيوبية، وابتعث عام 1995 ضمن قوات حفظ السلام الأممية إلى رواندا، وذلك بعد الإبادة الجماعية التي شهدتها، وخلال حرب الحدود الأثيوبية الإرتيرية عامي 1998-2000 قاد فريقا استخباراتيا، رقي على إثره بعد ذلك.
عقدان أمضاهما، حامل شهادة في هندسة الحاسوب، وهو يرتدي البزة العسكرية، ليعود بعد ذلك إلى الحياة المدنية، وقد تقلد مناصب عدة، أرفعها منصب وزير للعلوم والتكنولوجيا، لكن ذلك لم يستمر إلا شهورا، حتى فقد الحقيبة، وعاد للحياة السياسية، من خلال حزب المنظمة الديمقراطية لشعب أروميا، الذي ظل يترقى في مناصبه، إلى أن اختير رئيسا له عام 2018، تمهيدا لرئاسة الوزراء خلفا للمستقيل هيلاميريام ديسيلين.
حقق أبي أحمد مصالحة تاريخية بين بلده أثيوبيا، والبلد الجار أريتيريا، ووضع بذلك حدا لعقدين من النزاع الحدودي، لم تضع خلالهما الحرب المدنية الدامية أوزارها إلا بعد فقد نحو 80 ألف شخص، وحين انتهت الحرب، حل الجفاء محل السلام المنتظر، وأضحى الحلم المؤجل بالنسبة للكثير من مواطني البلدين مجرد زيارة ذويهم في البلد الآخر، أو الاتصال بهم حتى.
تبادل الطرفان أخيرا الزيارات، وفتحت الحدود، والسفارات، ووقع اتفاق تاريخي يعود فيه الفضل للرجل، صاحب أطروحة الدكتوراه حول النزاعات المحلية.
أبصرت الرجل الأربعيني خلفيته العسكرية، أن السلام خير من الحرب، ومكنته تجربته الاستخباراتية، من معرفة مداخل ومخارج الأزمة، كما منحته معرفته الأكاديمية أدوات البحث عن حلول للصراعات والأزمات، فكان أن أنهى معضل العقدين في غضون أشهر.
يقود أبي أحمد اليوم أثيوبيا، بلد ال100 مليون نسمة، وثاني أكبر دولة بالقارة من حيث عدد السكان، كأول رئيس وزراء من قومية أورومو في تاريخ البلاد.
طوى ابن الدولة العميقة صفحة التأزيم في أثيوبيا، بعد توليه رئاسة الوزراء، فأطلق سراح الآلاف من المعتقلين السياسيين، وشكل لجنة للمصالحة بين المكونات الاجتماعية.
يستعد الرجل نهاية العام الجاري لتسلم جائزة نوبل للسلام، وعينه على تشريعيات العام المقبل، حيث يتطلع إلى أن يكافئه الناخبون الأثيوبيون، كما كافأه المجتمع الدولي.