ينتسب أولاد انتشايت البطن المعروف من بطون أولاد أبييري إلى جدهم انتشايت بن امرابط مكه بن أبييري بن محمد بن عبد الجبار بن كروم بن ملوك بن بركني بن هداج بن عمران بن عثمان بن مغفر بن أدي بن حسان الذي يرتفع نسبه إلى جعفر الطيار رضي الله تعالى عنه.
كان أبييري من أهل القرن العاشر الهجري، وكان يسكن في أول حياته بين ذويه البراكنة من المغافرة بأرض إيكيدي الشمالي الواقع جنوب الشكات على الحدود الجزائرية، وإيكيدي هذه هي التي ينسب إليها عمه أحمد المعروف بأحمد إيكيدي، ثم انتقل عن أهله بسبب رؤيا رآها تاب على إثرها ونزح إلى الفقيه أكد عثمان بن الدنبجه بن عبد الله بن آكر هنض (أي أحمد القاري)، أحد رؤساء تندغه الشرقيين (حلة أربعين جيد) وعلمائهم وصلحائهم، فسكن معه عند موضع اسمه “مشرع أكد عثمان” على الضفة الشمالية لنهر السينغال بين الدويره ودكانه، وتزوج بامرأة تندغية بنت عم شيخه، وهناك أخذ العلم وسار بسيرة الصالحين حتى بلغ مبلغ الأولياء وظهرت كراماته، ثم ارتحل بعد ذلك بفترة عن تندغه وساكن المدلش. قال زين العابدين بن الشيخ المصطفى بن العربي كما وجد مكتوبا بخطه: “ولم يدخل في عصب تندغه ولا في حلف تشمشه، ولكنه نال من علمائهم العلم، وتخلق بأخلاقهم ولم يترك السلاح إلى أن توفي ودفن عند بئر “انتامرت””. وتقع هذه البئر في الناحية الشمالية لبوتلميت.
وقال أحمد بن اعدج بن امرابط مكه في وثيقة نسب أبييري وأولاده وأولاد أولادهم المؤرخة ب1131هـ (أقدم وثيقة نسبية بالمنطقة): “وسبب رجوع جدنا أبييري عن عشيرته البراكنة رؤيا من الله، فرجع معه إخوته وذرية أعمامه، فسكن في تندغه، ثم المدلش”. وقال صالح بن عبد الوهاب الناصري في الحسوة البيسانية: “أما أبييري فقد ارتحل عن قومه البراكنة تائبا إلى الله تعالى فارا بدينه وهاجر في تندغه حلة أربعين جيد من زوايا القبلة وتزوج امرأة منهم.
وقد ذكر جدنا العلامة محنض بابه بن اعبيد الديماني جد أبييري عبد الجبار هذا في ورقات له عثر عليها المؤرخ سيداتي بن بابه عند الشيخ عبد الله السالم بن يحظيه بن عبد الودود قال فيها إن قبر كروم عند اندر وآميره”، ومقبرتها هي التي فيها قبر الشريف المولود جد اولاد المولود من تكنانت.
وقد أنجب أبييري عدة أبناء تشكلت منهم ومن أبنائهم أحفاد أبييري وبعض أبناء إخوته وأعمامه الأفخاذ المعروفة اليوم لأولاد أبييري، ومنها فخذ أولاد انتشايت الذي ينتمي إلى انتشايت بن امرابط مكه بن أبييري، سمته أمه على أبيها انتشايت الشريف التندغي, وسكن كما في وثيقة أحمد بن أعدج وكما ذكر المؤرخ هارون بن الشيخ سيديا والمؤرخ سيداتي بن بابه في أخواله تندغه وعصبهم حتى مات فرجع أبناؤه أبو بكر الملقب أبابك وعيسى والمختار إلى قومهم. وأضاف المؤرخ هارون “قد بلغني أن انتشايت ولد في حياة جده أبييري وأنه كان يحبه حبا زائدا ولهذه النكتة لم ينسب هو وذريته لغير أبييري مباشرة، واستكفوا بذلك ولم ينتسبوا لواسطة دونه إلى اليوم, قال المؤرخ سيداتي بن بابه وقول هارون يشهد لصحته ما أـدركنا عليه آباءنا وغيرهممن أكابر وعلماء قبيلتنا أولاد أبييري من تواتر إخبارهم بانتساب انتشايت وذريته إلى أبييري.
قلت وشواهد التاريخ وقرائنه تؤكد ذلك وتشهد له. حيث توجد أمثلة للانتساب للجد مباشرة في قبائل متعددة.
وتميز أولاد انتشايت بجميع صنوف المجد الذي كان ينتظر منهم مثله من ظهور علماء أجلاء وأقطاب عظماء وقضاة مشهورين، وأدباء كبار، وزعماء بارزين، وقادة اجتماعيين معروفين وأبطال حرب متميزين، وكرماء معدودين، قادوا في السلم وقادوا في الحرب وكانوا للناس وأمنا يلجأ إليه المعتفون ويأمن عنده الخائفون.
ولما ظهر العصر الحديث كانوا السباقين إلى ريادة المجتمع وتأسيس الدولة وبناء الأمة وترسيخ قيمها ومفاهيمها فبني بسواعدهم ومهج أفكارهم هذا البلد وقام على أكتاف اطرهم هذا الوطن، دون أن يطلبوا لذلك ثمنا او ياخذوا له مقابلا فتميز عهدهم بالاستقامة والنزاهة والإيثار والتعفف، ولهم في هذا المضمار أمجاد وقصص وبطولات معروفة ومشهورة، فهم حملة مجد هذه البلاد على مر القرون وأسوة أهلها في كل مضمار. كما قال فيهم جدنا المختار بن حامدن:
((لوان المجد يسأل من أبوه
ونسبته لقال أنا انتشائي
أبي وأبو أبي وأبو أبيه
جميعهم انتشائي الانتشاء
ويعلم من أتى حلبات شأوي
بأن الإنتشائي في شاء
مباري الإنتشائي في يهوي
هوي الدلو تسلم بالرشاء))
وكنت أنا قد قلت فيهم من مرثية لأحد أعيانهم:
((هم الأكارم أبناء الأكارم من
فاقوا معاصرهم في كل أعصار
سر تسلسل فيهم من أوائلهم
من كل مختار عصر بعد مختار
هم سادة القطر عزا أينما وجدوا
عز اللحاق بهم في كل مضمار
هم الذين إذا ليل الخطوب دجا
كانوا النجوم التي يسري بها الساري
داموا ودامت مدى الأزمان رتبتهم
قعساء تحظى بإعزاز وإكبار))
وقلت فيهم الليلة في هذه الدار:
((يا دار زارك أهل العز والشمم
الحاملون لواء السيف والقلم
من كل شهم أبي مخبت نبه
إلى الهداة الأباةالمخبتين نمي
وكل ندب كمي في الوغى بطل
للماجدين نماه ماجد وكمي
أو عالم عامل أو قانت ورع
أو عاقل سائس أو حاذق فهم
أو حافظ لتواريخ البلاد وما
من الحوادث فيها كان والأمم
أو قارئ فاضل أو سيد نبه
أو حاكم عادل في الحكم ذو حكم
“لو تعلم الدار من قد جاءها فرحت
واستبشرت ثم حيت موضع القدم
وأنشدت بلسان الحال قائلة
أهلا وسهلا بأهل الجود والكرم”
أهلا وسهلا بأبناء انتشايت من
سادوا سواهم بما أوتوهً من شيم
من مجدهم في الورى نار على علم
وعلمهم في الورى نور على علم
هم أشجع الناس يوم الحرب دون ونى
وأكرم الناس يوم الأمن والسلم
قوم متى ما دعوا لبوا وإن سئلوا
أعطوا عطا حاتم في الجود أو هرِم
إذا بدوا عرضا هيبوا وإن نطقوا
في مجلس أعربوا عن صادق الكلم
من زارهم ناولوه ما ابتغى كرما
ومن بهم حل لم يظلم ولم يضم
وكل ذي رحم مثلي بهم وصلت
يتيه فخرا بها في العرب والعجم
طبتم وطابت بكم أرجاؤنا ولكم
منا وداد صريح غير منفصم
لا ينقضي الدهر ما دامت أواصره
مشدودة بعرى الإسلام والرحم))
الحسين بن محنض.