تمر موريتانيا بلد المليون شاعر كما يصفها المؤرخون بتطورات سياسية عاصفة أساسها حوار وصف بالشامل دعا إليه الرئيس محمد ولد عبد العزيز بصورة مفاجئة أواخر السنة الماضية، واستجابت المعارضة له بممهدات وشروط ما تزال تتفاعل في مطابخ السياسة.
ويستهدف هذا الحراك الغامض في خلفياته وأهدافه والذي لم يتبلور بعد في شكله ومضامينه، حل الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ انقلاب آب/أغسطس 2008 التي لم تهدأ منذ انقلاب الجيش قبل سبع وثلاثين سنة، تحت تأثير حرب الصحراء وجفاف السبعينيات، نظام الرئيس الراحل مختار ولد دادة الذي حكم بعد الاستقلال عن فرنسا.
وأمام هذه التطورات المنتظرة، يتوزع المشهد السياسي الموريتاني إلى فسطاطين أحدهما فسطاط الجنرال السابق والرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز وتقف وراءه المؤسسة العسكرية والأمنية بكافة فصائلها، والثاني معارضة تتوزع إلى وسطية تضم أحزابا مقربة من النظام، ومنتدى تنتظم فيه أحزاب كبيرة ونقابات مؤثرة وشخصيات مرجعية وازنة. وبين الجانبين يتفاعل رأي عام متسيس متقلب المزاج في مجتمع تقارب نسبة الشباب فيه السبعين في المئة.
وقد أعدت المعارضة الموريتانية خريطة طريق تضم مجموعة شروط للحوار المرتقب؛ ومن بين هذه الشروط تصريح الرئيس بممتلكاته، وتخفيض الأسعار، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والعدول عن قمع الاحتجاجات السلمية، وتسهيل تقييد المواطنين على سجل الحالة المدنية في الداخل والخارج وفتح وسائل الإعلام العمومية أمام الجميع، ووقوف الرئيس على المسافة نفسها من جميع الفرقاء السياسيين، والتزام الرئيس ببناء نظام قضائي مستقل، وإبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة، والتزام الرئيس بتنظيم انتخابات توافقية، وتعيين حكومة توافقية ذات صلاحيات واسعة لتطبيق مخرجات الحوار، والتزام الطرفين بتطبيق مخرجات الحوار، ووضع جدول زمني للحوار.
المشهد السياسي
في ضوء هذا المشهد السياسي الموريتاني كان لـالراية الحوار التالي مع مرشح الرئاسة الموريتانية المعارض رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية أحمد ولد دادة لدى حضوره إلى الدوحة الأسبوع الماضي حيث تم تسليط الضوء على العديد من المحاور الداخلية والخارجية ذات التأثير المباشر وغير المباشر بهذا المشهد السياسي الموريتاني.. فإلى الحوار:
> تشهد العديد من دول العالم العربي ما يسمى بالربيع العربي وأنتم كمعارضة موريتانية تحاولون ركوب موج هذا الربيع إلا أنكم حتى الآن لم تتمكنوا من ذلك.. كيف تفسرون هذه المسألة وكيف انتقلتم من المطالبة برحيل النظام إلى الحوار معه؟
- المعارضة الموريتانية سبقت الربيع العربي بكثير وأنا أقود أكبر حزب معارض منذ قرابة 23 سنة من أجل التغيير السلمي نحو تحقيق الديمقراطية ضمن أهداف منسقة بشكل تام وبقدر ما نحن مقاطعون للحكم العسكري بقدر ما نحن متمسكون بسلمية التحرك كي لا نقحم البلاد في حرب يدفع المدنيون الأبرياء ثمنها وأود الإشارة هنا إلى أن أسباب سقوط نظام ولد طايع هي الركيزة لإصرارنا على النضال السلمي ونحن دائما مع رحيل النظام العسكري المتحكم في موريتانيا التي شهدت انتخابات غير نزيهة وغير شفافة أما بخصوص الحوار فهناك في موريتانيا منتدى سياسي يطالب بحوار بناء من أجل مصلحة الأمة والبلاد وقدمنا من أجل ذلك ممهدات للحوار كتطبيق القانون ونشر ممتلكات الرئيس الذي هو بمثابة حاكم عسكري.
حكم مدني
> وماهو هدفكم من كل ذلك الحراك؟
- هدفنا واضح للجميع وهو الانتقال من حكم عسكري استبدادي إلى حكم مدني بالتناوب وفقا لقرار الشعب الموريتاني وبما يتلاءم مع مصلحة البلاد العليا.
> الملاحظ أنكم وبعد كل هذه السنوات من التحرك ضد النظام ومعارضته لم تصلوا إلى الحكم.. فهل سبب فشلكم عائد إلى ضعف تأييدكم الشعبي أم غياب الدعم الداخلي والخارجي؟
-المعارضة لديها أغلبية ساحقة في الساحة الموريتانية وهذه الحقيقة ستظهر لو تم إجراء انتخابات حرة نزيهة وشفافة وهو ما لم يحصل حتى الآن وأود التأكيد ثانية هنا أننا لن نرفع البندقية من أجل الوصول للسلطة لأن نضالنا سلمي حضاري ونحن بحاجة للبناء وليس للهدم وتعميق الفتنة وقتل الشعب من أجل السلطة.
حوارات فاشلة
> ألا ترون أن الحوار المفترض بين المعارضة والنظام هو مضيعة للوقت وفقا لما تشيرون إليه من وقائع على الأرض خاصة أنكم دخلتم في أكثر من حوار ولم تحصلوا على أية نتائج.. فما رأيكم؟
- لقد حاورنا بالفعل النظام مرارا ولكن للأسف لم يستمع إلينا وأقول هنا إنه يتوجب أخذ ممهدات حتى تتوفر هناك ثقة متبادلة والتي هي حتى الآن معدومة ونحن مصرون على الحوار من أجل إخراج البلاد سلما دون إراقة دماء من هذه الأزمة الخانقة والعمل على الارتقاء بالشعب لأن غياب العدالة وانتشار الفوضى تؤديان إلى انتشار الأمراض السياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل المجتمع الموريتاني ونحن كمعارضة نسعى جاهدين لتحييد هذا المجتمع الآمن من هذه الأمراض الفتاكة عبر تحقيق الحكم الديمقراطي والاقتراع الشعبي النزيه والحر وعبر الأخذ بمبدأ الشورى (وأمرهم شورى بينهم).
> أمام هذه الوقائع التي تحيط بالمشهد الموريتاني هل أنتم في المعارضة متفائلون إزاء مستقبل البلاد والعباد؟
- نعم نحن لم نفقد الأمل يوما ما والأمل لدينا معقود بالإصرار على تحرير الإنسان الموريتاني من الظلم والاستبداد والإقصاء والتهميش والتجويع ونستعين هنا برحمة الله سبحانه وتعالى والمهم لدينا في هذا الموقف تحقيق رفاه وتحرر الشعب الموريتاني والارتقاء به كي يتمكن من التحكم في خيرات بلاده الجمة والتي يتحكم بها الآن الغرباء ممن يرتبطون بالنظام العسكري الحاكم.
موريتانيا والجزائر
> أنتم في المعارضة ما موقفكم من الأزمة الدبلوماسية الموريتانية الجزائرية؟
-نحن نتطلع إلى الشعوب العربية على أنها أمة واحدة من المحيط إلى الخليج تترابط وفق علاقات قوامها الأخوة والروابط التاريخية والتراثية والدينية ومثل هذه الأزمات يجب ألا تتعمق وأن تحصر في نطاق أخوي وأن تبذل الجهود الصادقة والفعالة لحلها جذريا قبل أن تستفحل كما أود القول هنا إننا وكافة الأحزاب المعارضة نتطلع إلى حل هذه الأزمة على نحو عاجل وبصورة أخوية ودية دونما أية مشاكل تذكر.
> كيف تنظرون كمعارضة إلى العلاقات الرسمية الموريتانية مع مختلف دول الجوار والعالم؟
- ليس لدينا في المعارضة أي اعتراض على علاقات الدول مع الحكومة لأنها علاقات رسمية اعتيادية وهي لن تؤثر على مصير ومستقبل الشعوب وتطلعاتها ونحن في المعارضة نحترم علاقات دول الجوار والعالم مع موريتانيا ولا تشكل لنا أي حساسية.
الحركة العنصرية
> يلاحظ أنكم شاركتم في مسيرة -الخراطين- هل يفهم من ذلك أنكم تدعمون ولد اعبيدي والحركة العنصرية؟
- نحن لا نعرف للعنصرية طريقا ولم ولن ندعم أية حركة عنصرية ولو كانت ضد الحكم وأؤكد هنا أننا لم ندعم ولد اعبيدي ولا علاقات لنا معه كما أننا في الوقت ذاته لم ندخل في اعتراض أو صدام مع أي حركة موريتانية فنحن مع كل الموريتانيين الذين يجمعهم الوطن والدين والأهداف كما لابد لي هنا التوضيح بأننا رغم وقوفنا ضد ولد اعبيدي إلا أننا نقف ضد اعتقاله من قبل السلطة الحاكمة رغم تناقضه مع أهدافنا ومبادئنا وخططنا كما أننا نطالب بتحقيق العدالة معه وإن كان لديه جانب عنصري وأنه أجج جوانب الفتنة ومع ذلك كونه إنسانا وموريتانيا نحن ضد اعتقاله ظلما فاعتقاله ظلم من منظورنا ونتمنى عليه الابتعاد عن الفتنة والعمل على الإصلاح والبناء من أجل الموريتانيين وأن يكون عنصرا فاعلا وإصلاحيا في كل الميادين.
واجهة العالم
> ماهي رؤيتكم السياسية المستقبلية بشأن بلادكم؟
- أقول هنا إن موريتانيا هي واجهة العالم العربي في القارة الأفريقية ونتطلع أن تلعب بلادنا دورا فعالا في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل أفريقيا فموريتانيا من منظورنا بحاجة لالتقاط أنفاسها والنهوض من تحت الحكم العسكري كي تتمكن من بناء علاقات بناءة ومثمرة مع العالم من أجل مصلحة الشعب وليس من أجل مصلحة فئة أو زمرة معينة.
> ماهي الصورة التي ترونها في موريتانيا إذا تغير الحكم؟
- لو حققت موريتانيا حكما ديمقراطيا ستعود أدراجها إلى عهد التآلف والغنى بمصادرها الطبيعية والتقدم بعقول أبنائها المهمشين.
> كلمة أخيرة في حوارنا ماذا تقولون للنظام الحالي؟
- نقول إن النظام هو الذي ضرب نفسه بالبندقية وأفسد الحرث والنسل ونحن كمعارضة لا نحاسب أحدا قبل محاسبة أنفسنا.