منخدع من اعتقد مرة أن عيشه كانت والدة أبناء مالكيف ولد الحسن!.. فالحقيقة أنها كانت الوالدة الرحيمة لكل المرضى والمنكوبين، كل الزائرين والماكثين والواقفين والقاعدين، كل من التقتهم في حفل أو في مأتم أو في شارع. لا أتذكر هذه السيدة الفاضلة إلا وهي مبتسمة تتهلل بِشرا يملأ قلب المتلقي سعادة مهما كانت مكنوناته النفسية..
الصورة التي ترسمها الفقيدة عيشه في وجدان الناس تبدو فيها، على الدوام، باشة مبتسمة، لا لسبب إلا لأنها خلقت مجبولة على إسعاد الناس بالكلمة الطيبة والمزاح الذي يفيض خلقا ومحبة، فهي من طينة أولئك الذين يَألَفون ويُؤلفون.
وحدهم الموطّأة أكنافُهم يفهمون كم كانت عيشة عظيمة، رزينة، خلوقة، هادئة، مسالمة، سالمة من عيوب دهرها الموبوء.
إنها تعبير صادق عن جيل يغادر، شيئا فشيئا، تاركا وراءه فراغا من المسلكيات يستحيل سده، وخواءً من المُثل يستحيل ملؤه، ومغارة من القيّم يستحيل ردمها.
كم من مريض كان محط اهتمامها المفرط لمّا فرّ منه الأخ وابن العم والجار!.. كم من فقير معدم أعانته وعلمت أبناءها إعانته وهْنا من الليل دون أن تطلب منه موقفا أو مساندة، ودون أن تجعل من ذلك أغلالَ ديْن في عنق المسكين إلى الأبد.. إنها سيرة خاصة تشكل جزءا لا يتجزأ من فلسفة وقيّم وسلوك أهل مالكيف: أباً وأما وأبناءً وبنات.. هكذا عرفناهم، وهكذا سنظل نعرفهم، وهكذا نحفظ لهم من العهد والوداد ما تعودوا على حفظه للناس دون تمييز.
رحم الله الوالدة الفاضلة، وأنعم الله على الخلف بالعمر الطويل المبارك الميمون.