
ليلة البارحة، احتاج وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي لـ"لقاء خاص" مع قناة الموريتانية، كان محوره الأهم التعليق على خطة وزارته التي نشرتها الأخبار، والتي بلغ سقفها المالي قرابة نصف مليار أوقية قديمة، وسبق للوزارة أن أرسلت ردا عليها ونشرته الأخبار بنفس المواصفات التي نشرت به الموضوع الأصلي.
فضل الوزير الحديث في العموميات حول الموضوع، فكان حديثه في المضمون مقتصرا على حيثيتين:
أولاهما: التدليس في الرقم من خلال ذكره بالأوقية الجديدة دون التنبيه على ذلك (44 مليون)، وكررها مرات في حين أن 44 مليون هي نفسها 447 مليون أوقية قديمة، أي قرابة نصف المليار الذي نشرته الأخبار (...).
ثانيهما: القول إن الأخبار قالت إن المبلغ تم تصرفه، والموضوع ما زال – وسيظل – بين يدي القراء الكرام، وبإمكانهم العودة إليه للتأكد من أن الأخبار لم تقل إلا ما كرره الوزير عدة مرات من أنها بنود لتمويل حملة، تم تقديمها بناء على طلب من وزارة الاقتصاد والصناعة.
كان الوزير في غالبية حديثه متغافلا أو "ضحية" تضليل، تسبب له في تقديم معلومات غير دقيقة، مع أنه حاول نسبتها أو نسبة بعضها لقائليها، ربما شكا منه في صحتها، وإحالة للمسؤولة عنها، ومن هذه المعلومات:
أن الأخبار قالت لأي كان (أمينا أو غير أمين في النقل) إن لديها التزاما بنشر الموضوع فالأمر لا يحتاج التزاما لأن نشرها بعد التأكد من صحتها باعتراف الوزارة أصبح حقا للقراء والمتابعين، وهو حق اعتادت الأخبار أن لا تغمطه.
2. الحديث عن توضيح "هفوات" في الوثيقة، وهي – إن وجدت - مسؤولية من أعدها، ومن وقعها، بل ومسؤولية معاليه الذي تسلمها وأحالها برسالة رسمية دون تصحيح ما يرى أنه هفوات.
3. قال الوزير إن كل القطاعات الوزارية أعدت خططا لتقديمها للمولين الدوليين، وكأن هذا يكفي لتبرير طلب هذا المبلغ المبالغ في تقديراته لصرفه على هذه البنود العائمة.. ربما بمنطق "إذا عمت هانت".
4. أكد الوزير أكثر من مرة أن الوزارة لم تصرف أوقية واحدة، في حين قال الأمين في رده الموقع (والذي نشرته الأخبار) إن الوزارة أنفقت زهاء 20 مليون أوقية، وأشرف الوزير شخصيا على إطلاق حملات تتقاطع في مجملها مع البنود ذاتها الواردة في الخطة التي نجت من "فئران الوزارة" فهل معاليه أطلق الخطة قبل المصادقة عليها أم أنه أنفق على تلك البنود من جيبه الخاص، وتورع عن ذكر ذلك عبر الإعلام!
كان "لافتا" تركيز معالي الوزير على التحريات "الأخلاقية" على الطريقة التي علم بها بالوثيقة، والصفة التي صورت بها، و"إيفاد" الأمين العام للحصول على معطيات أكثر. ويبدو أن حصيلة المهمة كانت "نقل" معلومة غير دقيقة بالحديث عن التزام الأخبار لجهة ما بنشرها. علما أن مصير أي وثيقة تم التأكد من صحتها – والوزير كان يعمل صحتها – هو النشر للجمهور.
ولم يشرح الوزير للرأي العام الذي كان يتحدث له، وينوه بأهميته لديه ولدى فخامة الرئيس سبب عدم نشر الوثيقة على موقع الوزارة، وعلى صفحتها ما دمت طبيعية، ولا تحمل أي اختلالات.
خصص الوزير جل حديثه في كل المحاور عن استقامته شخصيا، وبعده عن الفساد، بل وحاول أن يبعد القطاع معه، وأكد استعداده للدفاع عنه، وللاستقالة إذا كشف أي انزلاق، وهو مؤشر إيجابي، سيكون – إن حصل – سابقة في تاريخ الوزراء خلال العقود الأخيرة.
وعموما، فمسار تزكية المسؤولين لأنفسهم، ولقطاعاتهم وتأكيدهم بعدهم عن الفساد وشبهاته، ليس جديدا، والبلاد بحاجة لأنموذج يصدق قوله فعله.
غلبت صفة القاضي الذي يحاكم ويصدر أحكاما غيابية، صفة الوزير الذي يحاجج ويحضر الوثائق والأدلة بدل الكلام المرسل، فيما خرقت شروط المحاكمة العادلة بغياب المحامي، وحتى "المحاكَم"، فلاالصحفي قام بدوره المهني والبدهي في تمثيل الطرف الغائب، ولم يسمح للأخبار بالحضور لتكتمل وتتضح الصورة للرأي العام.
بدى الوزير في المقابلة مستبدا عاجزا، فحديثه عن نفسه، وعن "المصلح الوحيد" "والمنقذ" في القطاع، وربما في الحكومة حديث معهود على ألسنة المستبدين، وقد ينتمي لمنطق "ما أريكم إلا ما أرى"، وأربأ بمعاليه عن تبني هذا المنطق، وكنت وما زلت أعقد أنه أقرب للتأسي بـ{قل هو من عند أنفسكم}، بدل رميه مسؤولية قطاعه وأخطائه على الآخرين.
وهو عاجز، لأنه اعترف بوجود لوبيات وأطراف فساد في القطاع دون أن يوقفها، أحرى أن يقيلها أو يحيلهم للسجن.. المكان الطبيعي للوبيات الفساد بدل المكاتب والمنابر، وهو ما ينتظر من المصلحين فعله لا قوله.
وإذا لم يكن من الموت بد
فمن العار أن تموت جبانا
المرفقات:
- خطة الوزارة بطلب 447 مليون أوقية.
- رد الأمين العام (وهو الثاني له بعد تعليق توضيحي نشر مع الموضوع الأول)، ويوضح الرد أن الوزارة أنفقت قرابة 20 مليون أوقية قديمة.
- صور من صفحة الوزارة توثيق انطلاق تنفيذ أنشطة وردت ضمن عناوين الخطة، كحملة توزيع المصاحف المرتلة على آلاف المساجد، وكذا حملة تعقيم المساجد، فضلا عن حملة توزيع سلات غذائية على الأئمة والمؤذنين.
-