كان يجلس مع صديقه عمر الشريف، يحتسيان القهوة قبل تصوير مشهدهما القادم من فيلم "أيوب"، لم يكن فريق العمل الحاضر وقتها يتخيل أن تكون هذه الجلسة هي الأخيرة لامبراطور الشر ويلاقي المليجي ربه وهو يمثل مشهد موته بالفعل.
يقول المخرج هاني لاشين في وصف لحظة وفاة "مارلون براندو العرب": "كنا نجلس لنحضر للمشهد، جهزوا الماكياج وطلب عمر الشريف ومحمود المليجي قهوة، هنا يبدأ الفصل الأخير في حياة المليجي في اللحظة دي، فجأة وبلا مقدمات، هو ابتدى يقول لعمر الشريف، يا أخى الحياة دي غريبة جدًا الواحد ينام ويصحى وينام ويصحى ويشخر، وأومأ برأسه للأسفل وابتدى يصدر صوت شخير بالفعل، فابتدت الناس اللي قاعدة بما فيهم احنا نشوف هذا التمثيل الرائع اللي بيمثله المليجي كده بدون مقدمات، وابتدينا نضحك وبعدين عمر بيقوله إيه يا محمود خلاص، اتضح أن محمود كان خلص اتضح أن محمود مات وكأنه على خشبة مسرح، مات وهو يؤدي مشهد الموت".
هاني لاشين وممدوح الليثي يحكيان أسرار اللحظات الأخيرة لمحمود المليجي
السيناريست الراحل ممدوح الليثي يكمل ما بدأه لاشين بقوله: "حين اكتشفت وفاة محمود المليجي حملته على كتفي واتجهنا إلى منزله في الزمالك، وصعدت بيه خمس أدوار إلى شقة زوجته الفنانة علوية جميل، وقلتلهم هو بس تعبان شوية، ودخلنا حطيناه على السرير وهي لا تعلم أنه فارق الحياة".
في مثل ذلك اليوم منذ 32 عامًا كان المليجي يرقد بسلام على سريره في شقته الكائنة بالعقار رقم 17 شارع البرازيل في حي الزمالك.
من يعرف المليجي جيدًا من السهل أن يتوقع وفاته في كواليس أحد أعماله الفنية، فامبراطور الشر الذي ولد في 22 ديسمبر عام 1910، كان يكره البطالة جدًا، وأكد في حوار سابق مع الإعلامي الشهير طارق حبيب أنه يحب عمله ولا يجد حرجًا في أداء أدوار صغيرة طالما لن يبقى عاطلا.
شاهد لقاء نادر للفنان محمود المليجي مع الإعلامي طارق حبيب
للمليجي رصيد ضخم من الأعمال الفنية تعدى الألف ببضع عشرات إذ قدم 750 فيلمًا و320 مسرحية وعشرات المسلسلات الإذاعية والتليفزيونية، بدأ المليجي مسيرته الاحترافية بعشرة قروش ككومبارس في فرقة رمسيس.
[Image_3]
وحينما أعلنت الفنانة "عزيزة أمير" عام 1927 حاجتها لوجوه جديدة للمشاركة في أول فيلم روائي من إنتاجها ويحمل اسم "ليلى"، وقابلت مجموعة منهم هي وزوجها "مصطفى الشريعي" ووعدتهم بأنها سوف تتصل بهم فيما بعد، تقدم المليجي الذي كان وقتها يحاول أن يكون ملاكمًا لكنه هجر الملاكمة وهرول للحصول على هذه الفرصة.
وقتها كان المليجي يدرس في المدرسة الخديوية والتي أسس ناظرها فرقة لهواة التمثيل انضم لها المليجي وقدم العديد من المسرحيات.
وفي أحد عروض فرقـة المدرسـة المسرحية، كـان من بين الحاضرين الفنانة "فاطمة رشدي"، والتي أرسلت تهنيء المليجي بعد انتهاء العرض على أدائه الجيد لدور "ميكلوبين" في مسرحية "الذهب"، ودعته لزيارتها في مسرحها حيث عرضت عليه العـمل في فرقتها بمرتب قدره أربعة جنيهات شهريا، عندها ترك المليجي المدرسة لأنه لم يستطع التوفيق بينها وبين عمله في المسرح، فقدم مع "فاطمة رشدي" مسرحية "667 زيتون"، كما مثل دور "زياد" في مسرحية" مجنون ليلى"، وكان أول ظهور له في السينما في فيلم "الزواج 1932"، الذي أنتجته وأخرجته فاطمة رشدي، وقام هو بدور البطل أمامها.
[Image_2]
وبعد أن تم حل فرقة فاطمة رشدي، عمل المليجي كملقن في فرقة "يوسف وهبي" المسرحية. ثم اختاره المخرج "إبراهيم لاما" لأداء دور "ورد" غريم "قيس" في فيلم سينمائي من إخراجه عام 1939، كما أنه وقف عام 1936 أمام "أم كلثوم" في فيلمها الأول "وداد"، إلا أن دوره في فيلم "قيس وليلى" كان بداية انطلاقه في أدوار الشر، استمرت في السينما قـرابة الثـلاثين عاما، إذ شكل مع فريد شوقي ثنائيًا فنيًا ناجحا كانت حصيلته أربعمائة فيلم.
نقطة التحول في حياة محمود المليجي الفنية كانت عندما اختاره يوسف شاهين للقيام بدور محمد أبو سويلم في فيلم الأرض عام 1970، وعمل بعد ذلك في جميع أفلام يوسف شاهين "الاختيار، العصفور، عودة الابن الضال، إسكندرية ليه، حدوته مصرية".
في أفلام يوسف شاهين كان المليجي يقدم أدوارًا مختلفة تمامًا عن أدواره المعهودة، فتمكن يوسف شاهين من إخراج الجوانب الحقيقية في شخصية المليجي، وجعله يعود لأصله الطيب والأب الحنون، إذ كان كل المحيطين بالمليجي يؤكدون دائمًا أنه كان شخص ودود وطيب عكس ما كان يظهر عليه تمامًا على الشاشة الفضية.
مكتوب