يجمع الموريتانيون على أن الأوان قد حان لمحاربة ظاهرة التبوّل في الشوارع العامة، بعد غضّ الطرف عنها لسنوات على أمل أن يساهم تحضّر المجتمع الذي انتقل من البداوة إلى الحداثة في خلال سنوات قليلة، في تخلي الناس عن هذه العادة المشينة. لكنها ازدادت انتشاراً حتى في أوساط الشباب.
حامد ولد ميموني مالك محل تجاري صغير في وسط العاصمة نواكشوط، يحاول منع الناس من التبوّل بالقرب من دكانه للحفاظ على المكان نظيفاً وحث الناس على التخلص من هذه العادة. بالنسبة إليه "يلجأ بعض الموريتانيين خصوصاً الرجال منهم إلى التبوّل على الأرصفة في مظهر غير حضاري"، ويقول إنه "وعلى الرغم من التأثيرات السيئة للظاهرة، إلا أن السلطات تتجاهلها. وهو ما يدفعنا إلى التساؤل إلى متى ستظل هذه العادة السيئة منتشرة في الشوارع ومن سيحاربها".
ويخبر أنه "منذ شرائي الدكان، أصبحت أنهر الجميع عن ذلك وكتبت عبارات تحذّر من ذلك وآيات قرآنية تحث على النظافة وعدم إيذاء الآخرين. كذلك طليت المكان وغرست النباتات. وعلى الرغم من كل هذا، ما زال ثمّة من يغافلني ويتبوّل هنا".
هل تكفي محاولات ولد ميموني وأمثاله لمحاربة هذه الظاهرة في بلد ألِف شيوخه ونساؤه مثل هذه المشاهد؟ يُذكر أن في البلاد مواطنون لا يملكون مراحيض في منازلهم، ما يضطرهم إلى قضاء حاجتهم في العراء.
يقول الباحث الاجتماعي محمد محمود ولد المختار إن "لا أحد في موريتانيا يمتنع عن التبوّل في الشوارع العامة. هذا من الأمور الشائعة والعادية، وبعضهم يتحجج بعدم وجود مراحيض عامة". يضيف أن الموريتانيين "لم يتمكنوا من التخلص من ظاهرة التبوّل في الشارع أو في العراء بسبب الثقافة الشعبية التي لا تعدّ هذا الفعل مشيناً، كما في مجتمعات أخرى. مثلاً، يمكن للشخص أن يفصح عن رغبته في التبوّل علناً من دون الشعور بالحرج".
ويشير ولد المختار إلى أن "ثمة خصوصية موريتانية في ممارسة هذه الظاهرة. هي تمارس من قبل الجنسَين وليست محصورة بالرجال. وعلى الرغم من أنهم أغلبية، إلا أن طبيعة ملابس المرأة تسمح لها أيضاً بقضاء حاجتها في العراء. إلى ذلك، كثرة شرب حليب النوق والمناخ الصحراوي والبناء الأفقي المتباعد، عوامل تساهم في انتشار الظاهرة، بالإضافة إلى أن بعض سكان الأحياء العشوائية لا يملكون مراحيض ويلجأون إلى الشارع لقضاء حاجتهم".
ويطالب بتوعية المجتمع وإطلاق حملات في المدارس والمساجد ووسائل الإعلام، وتوفير مراحيض نظيفة للجميع في كل حي، بالإضافة إلى تزيين الأماكن الأكثر تعرضاً لذلك مع لوحات تحذيرية وفرض غرامة على كل مخالف.
تطرح مشكلة قلة المراحيض العامة في البلاد إشكالية كبيرة للباحثين عن حلول لهذه الظاهرة. في العاصمة نواكشوط مثلاً، لا تتوفّر مراحيض عامة إلا في الأسواق والمساجد وهي ليست مجهزة ونظيفة بما يكفي لإقناع الناس بالإقلاع عن عادة التبوّل في الشارع.
يحيى ولد محمدو موظف في بلدية نواكشوط، يرى أن قلة المراحيض ليست السبب على الرغم من أنها من العوامل المساعدة. ويقول "بالقرب من المساجد التي تتوفر فيها حمامات، تجد مواطنين يتبوّلون حول البنايات. وهذا يعني أنه سلوك متفشّ لا علاقة له بالمراحيض".
ويشير ولد محمدو إلى أن التبوّل في الشارع من العادات السيئة العصيّة على الحل في موريتانيا، على الرغم مما تقوم به البلديات لمواجهة هذه الظاهرة. يضيف "الثقافة المحلية والعادات القديمة هي السبب في تفشي هذه الظاهرة واتساع رقعتها بشكل لافت. وهي طاولت واجهة المرافق العمومية والمؤسسات التعليمية والمساجد، ما ساهم في تلويث الشوارع وانتشار الروائح الكريهة". ويرى أن أخطر ما في هذه الظاهرة هو التبوّل بالقرب من المدارس وتوريث هذا السلوك المشين للأجيال المقبلة.
ويقرّ ولد محمدو أن جهود البلدية لمواجهة هذه الظاهرة ليست كافية لتغطية الظاهرة المنتشرة. ويشير إلى أن "البلدية كانت قد عمدت إلى كتابة تحذيرات ونصائح على الجدران تحث على الامتناع عن التبوّل. كذلك نظمت حملات توعية ونشرت الرأي الفقهي والصحي للظاهرة".
ولا يخفي سكان العاصمة نواكشوط امتعاضهم من ذلك، وقد عمد بعضهم إلى كتابة شعارات تطالب بتحريم الظاهرة وإنشاء حمامات عمومية. بالنسبة إلى عثمان ولد مربيه "التبوّل في الشارع مخالف للقانون ويخلّ بالحياء والمروءة ويكشف العورة". لذا هو يلجأ إلى المساجد والمقاهي ويمتنع عن التبوّل في الشارع مهما كان الظرف. لكنه يتفهّم كبار السن والمرضى خصوصاً مرضى السكري". -
وكالات