الارتباط بالوطن لا يخلو من جبلية، وقد يكون للتعود في ذلك دخل، لكن العلاقات العائلية تشد إليه وتقوي اللحمة والارتباط به، وتأثير الذكريات الجميلة مع الاحبة والأصدقاء عامل تأثير
لا يقل أهمية كذلك عما تقدم، لكن جروحا عميقة قد يخلفها شوك عرصات الصبى، وطعن كبار الحيّ ولو بالكم الجارح حين لا تستجيب لرغباتهم؛ تجعل التضحية بكل ذلك أمراً مبرراً يصوغه طغيان آلام الجرح على لذة الاستمتاع بوصل مهاد الذكريات ومدفن الدُّما وأشجار الظل حينَ تجمعات أوقات فراغ المدرسةِ وساحة الكرة المسائية وميدان سباق المراكب.
وحين لا يوفر الوطن دفئاً من زمهريرٍ ولا ظلا من حرٍ ولا يبقى مُتّسِعاً لجولاتِ المغامرات الهادفة لسد بعض الخلل؛ يهون التخلى عنه والتضحيَّةُ بلُزومه، بل يُتَطلّبُ ذلكَ في بعضِ الاحوال.
من يشتري جنسيتي ؟
لم يوفر لي وطني مساواةً في دخول الجامعةِ، أحرى أن أحاط بها في الحصولِ على وظيفةٍ، فماذا يكفل لي الانتماء إذن؟
هل كنت لأجدَ حقاً في العلاجِ مجاناً حين لم يكن التعليمُ مجاناً ؟
هل كنت لأحصلَ على راتبٍ دون خدمةٍ ، حين لم أجد خدمة مدفوعةُ الثمنِ، لا أعتقد أن ذلك منطقُ عقلٍ ولا منطقُ عادةٍ.
من يشتري جنسيتى ؟
لقد حُرمت المساواة في الشقاءِ، فلا أرضاً للسكنِ تمنحُ لمثلي، ولا أرضاً زراعيةً بالأخرى، فماذا إذن قد كان يرغِّبُني في البقاء لولا تعودُ السّنين، وعدم المُستقبِلين في ربوعٍ أخرى خبِرتْ بؤسَ الوافدينَ بجوازِ سفرٍ مثل جوازِ السفرِ الذي أحملُ بأوراقه الذابِلة.
من يشتري جنسيتي ؟
أكوامٌ من الذهبِ وأخرى من النحاس والحديد والفسفات، وملايين الأطنان من السمك في محيط على طول مئات الأميال، لم يغن عني ولا عن مثلي من ابناء البسطاء شيئاً، حتى حق شراءه بثمن معقولٍ حرمَنِيهِ ترخيصُ أساطيلٍ ليأجوج ومأجوجَ، تمخر عبابه ماسحةً بلا رأفةٍ.
من يشتري جنسيتي ؟
حق الأحلامِ بغدٍ أفضل صودِرَ مِنّي بسياساتٍ تَتّخِذُ من تجهيلِ الأجيالِ وسيلةً للثراءِ السريع، وتتخذ من أرواح المواطنين بورصة ًللمضاربة، وتتخذ من السّلمِ الاجتماعيِّ معبراً إلى غاياتٍ خصوصية يَتسابقُ إليها من يسوسُ ومن يسعى لأن يَسوسَ.
من يشتري جنسيتي ؟
لا يمكنني الولوج إلى العدالة؛ فمن شروط الولوج إليها صفةٌ لا أمتلِكها، وثقافةُ تآمرٍ تدرسُ في النوادي السّياسية والمصلحيّة لاحظّ لمن يأتي بسيارة الأجرة بها.
لن تُسامَ إلا بخساً، ولكنني أبيعُ بأي سومٍ مهما بَخُسَ، بل أزيدُ من جْيبِيّ ثمنَ (ميقابايتاتٍ) للمشتري، فثمن البيانات علي هذا المتنفسِ تَتَمالؤُ عليه شركاتُ الاتصال وسلطةُ التنظيمِ.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيمِ.