( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ )
الْحَمْدُ لِلَّهِ دَافِعِ الْبَلَاءِ وَالْوَبَاءِ وَالْغَلَاءِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ مَا أَنْزَلَ دَاءً إِلَّا وَأَنْزَلَ لَهُ الدَّوَاءَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ الْقَائِلُ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ»، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الْأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الْأَخْيَارِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا مَا دَامَتِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ.
أَمَّا بَعْدُ
فَاتَّقَوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاِسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ، وَاسْتَمْسَكُوا بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ؛ )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
إِنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي رَضِيَ بِاللهِ رِبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا لَيُوقِنُ أَنَّهُ مَا يُصِيبُهُ مِنْ تَعَبٍ وَلَا مَرَضٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا غَمٍّ، وَلَا شَيْءٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ إِلَّا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وَلَا يُصَابُ بِشَيْءٍ فَيَصْبِرُ إِلَّا كَانَ تَكْفيرًا لِسَيِّئَاتِهِ أَوْ رَفَعًا لِدَرَجَاتِهِ؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ].
وَهُوَ عَلَى ثِقَةٍ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنَّهُ مَا يَبْتَلِيهِ بِشَيْءٍ إِلَّا يُرِيدُ لَهُ الْخَيْـرَ عَاجِلًا أَوْ آجلًا ؛ فَتَمْتَلِئُ نَفْسُهُ بِالرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ وَالتَّسْلِيمِ لِقَدَرِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى بَلَائِهِ وَالثِّقَةِ بِحِكْمَتِهِ ، فيَجْعَلُ المِحْنَةَ مِنْحَةً، ويُبَدِّلُ اليَأْسَ إِلَى تَفَاؤُلٍ ورجاءٍ، وَالمُصِيبَةَ إِلَى فُرْصَةٍ لِلأَجْرِ وَحُسْنِ الجَزاءِ، وَلِسَانُ حَالِهِ وَقَالِهِ يُرَدِّدُ قَوْلَ الحَقِّ جَلَّ جَلالُهُ: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الرِّزْقَ مَقْسُومٌ وَأَنَّ الْأَجَلَ مَحْتُومٌ، فَيَطْمَئِنُّ إِلَى رِزْقِهِ فَلَنْ يَذْهَبَ إِلَى غَيْرِهِ فِي عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ، وَعَلَى يَقِينٍ قَاطِعٍ بِأَنَّ أَجَلَهُ مَحْتُومٌ فَإِذَا جَاءَ لَا يُقَدَّمُ وَلَا يُؤَخَّرُ بِنَصِّ كِتَابِ اللهِ الْقَائِلِ: ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ: وَالْمُؤْمِنُ مُتَوَكِّلٌ عَلَى اللهِ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ: دِقِّهِ وَجِلِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ وَسِرِّهِ؛ إِذْ يَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ بِيَدِ مَوْلَاهُ ) وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) وإِنَّ التَّوَكُّلَ لَا يَكُونُ تَوَكُّلًا صَحِيحاً إِلَّا إِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَمْرَانِ: أوَّلُهُمَا: تَفْوِيضُ الأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى اللهِ تَعَالَى وَالاعْتِمَادُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ فِيها. وَالثَّانِي: بَذْلُ الأَسْبَابِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ الْمُبَاحَةِ، فَمَنْ أَخَلَّ بِأَحَدِ هَذَينِ الأَمْرَيْنِ فَقَدْ أَخَلَّ بِالتَّوَكُّلِ الصَّحِيحِ، فَمَنِ اعْتَمَدَ الأَسْبَابَ وَانْصَرَفَ قَلْبُهُ عَنْ مُسَبِّبِهَا فَقَدِ اقْتَحَمَ بَاباً مِنْ أَبْوَابِ الشِّرْكِ وَالكُفْرَانِ، وَمَنْ أَخَلَّ بِبَذْلِ الأَسْبَابِ فَقَدْ خَالَفَ الشَّرِيعَةَ الَّتِي أَمَرَتْ بِبَذْلِها بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَا عُدْوَانٍ، وَقَدْ جَاءَ الْجَمْعُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ فِي نُصُوصِ الشَّرِيعَةِ كَثِيرًا، كَمَا فِي الْحَديثِ الشَّرِيفِ: «... احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ...» فَقَولُهُ: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ» أَيْ مِنَ الأَسْبَابِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ الْمُبَاحَةِ، وَقَوْلُهُ: «وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ» تَفْوِيضٌ لِلأَمْرِ إِلَى مُسَبِّبِ الأَسْبابِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وفي الحديث عن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ»
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ، وَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَسُلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا إِلَى يَوْمِ نَلْقَاهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)
مَعَاشِرَ المسلمين :
إِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِنَا وَمِنْ عَظِيمِ فَضْلِهِ عَلَيْنَا أَنْ أَمَرَنَا بِاِتِّخَاذِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُبَاحَةِ ؛ لِلْوِقَايَةِ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَعِلَاجِهَا بِالْأَدْوِيَةِ الْمَشْرُوعَةِ الْمُتَاحَةِ ؛ فَإِنَّ مِنْ كَمَالِ التَّوَكُّلِ عَلَى الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ: أَنْ يَأْخُذَ الْمُسْلِمُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي شَرَعَهَا رَبُّ الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ؛ فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ –سُبْحَانَهُ- لَمْ يَضَعْ دَاءً، إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً، إِلَّا الْهَرَمَ» وَمِنْ أَسْبَابِ التَّحَصُّنِ مِنَ الأَمْرَاضِ وَالأَوْبِئَةِ وَالأَضْرَارِ: أَنْ يُكْثِرَ الْمُسْلِمُ مِنَ الأَدْعِيَةِ وَالأَذْكَارِ، وَخَاصَّةً أَذْكَارَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَمِنَ الدُّعَاءِ: مَا رَوَاهُ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: »اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ«
وَيَنْبَغِي عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَتَجَنَّبَ التَّسَخُّطُ وَالْجَزَعُ، وَيَبْتَعِدَ عَنِ الْخَوْفِ وَالْهَلَعِ، فَحَالَ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الضَّرَّاءِ وَيَشْكُرَ عَلَى السَّرَّاءِ، وَيَبْتَعِدَ عَنِ التَّهْويلِ وَنَشْرِ الْأَخْبَارِ الْمُغْرِضَةِ وَالْأبَاطِيلِ، وَأَنْ لَّا يَفْتَحَ أُذُنَـيِّهِ لِكُلِّ إِشَاعَةٍ تُنْقَلُ أَوْ تُرَدَّدُ هُنَا أَوْ هُنَاكَ، بَلْ يَأْخُذُ مَعْلُومَاتِهِ مِنْ مَصَادِرِهَا الْأَصْلِيَّةِ الْمَوْثُوقَةِ، وَيُحْسِنُ التَّعَامُلَ مَعَ التَّعْمِيمَاتِ الرَّسْمِيَّةِ وَالنَّصَائِحِ الطِّبِّيَّةِ، وَيَتَعَاوَنُ مَعَ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ فِيمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ؛ فَإِنَّ تِلْكَ الْجِهَاتِ حَرِيصَةٌ عَلَى صِحَّةِ الْجَمِيعِ وَسَلَامَتِهِمْ. وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَكُونَ أدَاةً طَيِّعَةً فِي نَشْرِ الْإشَاعَاتِ الْمَكْذُوبَةِ وَالْمَعْلُومَاتِ الْمَغْلُوطَةِ.
وَمِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الخير والبر ؛ هو اخذ اللقاح، للوقاية من الأمراض المعدية كورونا وغيرها فاسعوا إلى أخذ اللقاح ولا تلتفتوا إلى الإشاعات الكاذبة والتي لا تتفائل الا بالشر، حَمَى اللهُ الْجَمِيعَ إِنَّهُ مُجِيبٌ سَمِيعٌ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الأَرْبَعَةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالأَئِمَّةِ الحُنَفَاءِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ اِرْفَعْ عَنَّا وَعَنْ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاَءَ وَالْوَبَاءَ، وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الأَبْدَانِ، وَالأَمْنَ فِي الأَوْطَانِ، وَالرَّحْمَةَ بِالأَهْلِ وَالإِخْوَانِ، وَالْفَوْزَ بِالنَّعِيمِ وَالرِّضْوَانِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين