والسيد المدير لا يُديرو *** إلا الذي في بطنه يَديرو
وبطنه الفسيح لا يتيح *** له الكفاف بطنه الفسيح
محفوظات كثيرة، ومقاطع ظريفة بليغة، بلغة سهلة ممتنعة، وأسلوب قريب، تصل رسالته الجميع، أذكر منها معلقة انقلاب الثامن يونيو 2003
(وسكتت تلفزة بن عبدم *** وفوتت يومين لم تكلم)، أو قصيدة "بوته"، "قفا نبكي من ذكرى نعاج تولت"، أو واقع التعليم "إن المعلم في ذا اليوم لم جاء *** وليس يحضر للإيكول مراء..".
أو القصيدة الرائعة لمبيق، والتي تجاوزت كل الشعراء في سعة خيالها، وحسن تصويرها، والشجاعة في اجتراح الصيغ، ودقة توصيفها للواقع، والبلاد تعلل بوعود حالمة بالخروج من الفقر والأمية بحلول العام 2000، قال مبيق:
عن حكاياتنا وسحر الهواء *** وعن الحب في أريج السماء
سولتني.. وكان بين يديها *** جيرة لونها كلون الحذاء
قلت كانت أمورنا.. وانجذبنا *** في حديث يجيبنا للفضاء
خرصتني وكنت أنظر سليا *** عندما طاح بعضها في الإناء
ذكرتني الغداء لا شيء فيه *** حيث لم كنت يادما للغداء
وتداعت ذكرى الصباح لنفسي *** عندما كنت بائتا في الخلاء
قلت خظيه جيدا.. واجعليها *** إن تشائي غليظة كالنشاء
خوظتها وكان لم يبق إلا *** جيبها بعض سكر بالشراء
ثم مرت تجيبه من بوتيك *** ساحل بلهم سحول السماء
فإذا ديك جارهم جاء يجري *** جاعلا رجله على الهيشاء
تاركا دافق الزريق بحارا *** جاعلا كل مأمل في الهباء
فتلاشت نفسي وماجت دموعي *** وتفازيت في سماء البكاء
وتخممت أن أموت لأني *** كنت بالقطع فاصلا في النشاء
هذه بعض المقاطع التي بقيت في الذهن، من هذا الديوان الزاخر الذي ملأت به "اشطاري" وطاقمها المميز فضاء التفاعل العام، وأوصلت فيه رسالة النقد الحاد بيسر وعبر البسمة والضحكة المنتزعة رغم الواقع الصعب، أيام حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.
أتذكر أني اطلعت أول مرة على اشطاري نهاية التسعينات، حين كنت طالبا في جامعة نواكشوط، ضمن صنف من الطلاب مهتم بقراءة الصحف، ولا يملك ثمن شرائها، وكنا نذهب ضحى – مشيا على الأقدام طبعا - من الجامعة إلى رصيف شارع جمال عبد الناصر، لنلجأ لتقنية نسميها حينها كراء الجريدة، حيث تدفع مبلغا زهيدا للبائع، يختلف حسب نوعية ملف الجريدة، ليسمح لنا بقراءتها دون أن نغادر بها المكان.
لفت انتباهي ذات يوم تلك الجريدة ذات اللون الأخضر، والتي كان الإقبال عليها لافتا، سواء من المشترين، أو من "زملائي المؤجرين"، وذلك مؤشر للأهمية، وجدت في البداية صعوبة في تهجي بعض عناوينها التي تخلط بين الفصيح والعامي، تجاوزت هذه الصعوبة لاحقا، وأصبحت قارئا وفيا لافتتاحيات "بوحنوك" وتقاريره، ومواظبا على حفظ نصوص مبيق.
عشت معها فترة مهمة من فترات النضال، وشكلت جزءا من خطاب سياسي ناقد بأسلوب ساخر، ويوائم – بتمكن ملفت – بين العمق والبساطة.
كانت تجربة رائدة غيرت الكثير من العقليات وحاربت الفساد.
من خلال الألقاب التي اختارتها لتوقيع مواضيها نجحت اشطاري في إيجاز جعل القراء والمتابعين يرتبطون بالمضمون ويتفاعلون معه، وليس بالأشخاص والأسماء.
بعد ذلك بسنوات، سأتشرف بالتعرف على الكوكبة المبدعة التي كانت وراء "اشطاري"، كالعميد عبد الباقي والتاه ولد أحمد، وحبيب الله ولد أحمد، وعبد الله اتفاغ المختار، فتعلمت منهم من جديد، بعد أن تتلمذت عليهم عبر أسمائهم المستعارة لسنوات.
شطاري كانت كشعارها تماما "بسمة في بحر الدموع"، وصحيفة جادة وقوية في ثوب سخرية شفاف
هنيئا لكل القائمين عليها وللقراء، وهي تكمل ربع قرن من الزمن.