يبدو أن المؤلف الشهير لاستراتيجية او على الاصح مغالطة الحصص 2015/2019، ونسختها الجزئية 2020/2024 التي دمرت قطاع الصيد البحري وأدت الي الاستنزاف الشرس للثروة السمكية بمختلف انواعها، قد عاد (من الباب الخلفي) الي مركز القرار. لهذا السبب بادر الوزير الثالث بسرعة إعلانه على شاشة التلفزيون وعلى الهواء مباشرة ومن جانب واحد أنه سيأخذ في الاعتبار المحاور الأربعة الشهيرة لهذا الاستراتيجية كسياسة جديدة للقطاع! ربما لتفادي مصير أسلافه
رغم أن الحكومة صادقت على البيانين المتتاليين اللذين تم تمررهما في مجلس الوزراء في مارس ويوليو والمطالبين بالتغيير الفوري لهذه الاستراتيجية التي أغرقت القطاع في الاستنزاف المفرط للثروة السمكية وأرست دعائم الفساد وسوء التسيير والرشوة والفوضى المزمنة ضد تطبيق القوانين البحرية الوطنية والدولية. غير أن الوزيرين يصران عليها لإخفاء فشلهما.
تم تمرير البيان الأول في مجلس الوزراء والمصادقة عليه يوم 17 مارس 2021 بعد الإنذار الوطني الذي أطلقه السيد والي نواذيبو بشأن ندرة الثروة السمكية في 18 يناير 2021 حيث اظهر هذا البيان الخطوط الرئيسية لأوجه القصور في هذه الاستراتيجية ووضع خطة عمل تتكون من 57 توصية موزعة على المدى القصير والمتوسط والطويل بعد هذا البيان تمت تنحية الوزير للأسف رغم صداقته القديمة بالوزير الحقيقي والذي اشاع وقتها انه من اقترحه.
لم يمر وقت طويل حتى جاء البيان الثاني، بعد مشاورات موسعة، وتم تمريره أيضا والمصادقة عليه في مجلس الوزراء يوم 8 يوليو 2021، حيث يشير بوضوح إلى أنه بالإضافة إلى نطاق عمل هذه الاستراتيجية المحدود وأوجه القصور في مراعاة جميع مكونات القطاع، يتسم نطاقها الاستراتيجي أيضًا بغياب رؤية لتطوير الجوانب المهمة، المرتبطة بشكل خاص بالأنشطة الأخرى للاقتصاد البحري مثل النقل البحري والخدمات البحرية والصيد القاري. قبل إعداد الشروط المرجعية لاستراتيجية إصلاحية، غادر الوزير الثاني أيضا.
لماذا عدم استقرار وزراء الصيد والاقتصاد البحري ولماذا الإصرار على استراتيجية ليست جزئية فحسب، بل كانت نتائجها بشهادة الجميع كارثية على جميع مستويات القطاع، ولا تفيد سوى قلة من الأفراد مقابل المصلحة العامة للبلاد؟ إذا كان السبب هو المحافظة على مصالح هؤلاء الأشخاص مهما كان تقربكم منهم فلتتوقفوا فورا عن مغالطة هذا الشعب الذي هو بأمس الحاجة إلى ثرواته.
ان الإصرار على استراتيجية فاشلة على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، وتنطوي على قدر كبير من المغالطات والاخطاء والتناقض بين الأهداف الاستراتيجية الوطنية لتطوير القطاع وأطرها المرجعية التنفيذية. يتطلب حتما تحديد المسؤوليات.
كما يعتبر رفض تغيير الاستراتيجية المذكورة حتى لا يتم تصحيح الأخطاء القانونية في مدونات البحرية التجارية والصيد، ولا سيما منها تلك التي تبين طريقة تأجير السفن على شكل هيكل مجرد او عاري، وشروط الولوج إلى النظام الوطني وشروط اقتناء دولة العلم الوطنية، وما إلى ذلك نوعا من التستر على المسؤولين عن فساد هذا القطاع وهدر الثروة السمكية الوطنية.
حيث يعتبر هذا الرفض كذالك نقطة الانسداد التي لا تزال تعيق تحقيق الأهداف الاستراتيجية لتنمية القطاع مثل تشكيل أسطول وطني موريتاني بنسبة 100٪ (رأس مال، تجهيز وطاقم وطني)، يد عاملة وطنية مؤهلة، إضافة إلى تصنيع منتجات مصايد الأسماك، وبنية تحتية قوية للاستقبال والتفريغ،
غير ان صلاحية استراتيجية 2020/2024 القانونية بعد البيانين اللذين اعتمدهما مجلس الوزراء قد تصبح لاغية؟ أثناء انتظار الإجابات الصحيحة من خبراء القانون، ألفت انتباه الوزيرين، الواقعي والواجهة، إلى الحاجة المستعجلة للقطاع إلى رسم رؤية إصلاحية جديدة بالتشاور الموسع ومتماسكة قادرة على رفع مستواه التشغيلي بدل اللجوء الي المزيد من المغالطات.
كما زرعت هذه المغالطات المستمرة المزيد من الشكوك لدي المواطنين بشأن صدق الإرادة التي عبر عنها في عدة مناسبات فخامة السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية، الهادفة إلى الإصلاح الهيكلي لجميع القطاعات الاقتصادية للبلد، ولا سيما قطاع الصيد البحري، الذي لم يستطيع بعد الوصول او حتى مقاربة الريع الاقتصادي والاجتماعي والمالي الذي يستفيد منه جيراننا في الشمال والجنوب رغم كبر واهمية مخزوننا السمكي في منطقة شمال وغرب افريقيا كلها.
المهندس والخبير في الشؤون البحرية
سيدي محمد ولد محمد الشيخ