الحقيقة / نواكشوط / أثارت التصريحات التي أدلى بها رئيس البرلمان الموريتاني الشيخ ولد بايه لصحيفة جون آفريك جدلاً في الساحة السياسية و الإعلامية، حيث أن الرجل الذي اشتهر سابقاً بتحفظه خرج عن صمته ليثير النقع في وجه نظامٍ سياسي يعتبر من أساطينه.
لقد خرجت من قراءتي السريعة للمقابلة ببعض الملاحظات:
- حين يجري رئيس برلمان و فاعل سياسي ما مقابلة صحفية، في ظرف له طابعه السياسي الدقيق، فالمتوقع أن يخرج فيها بمواقف يتبنّاها و يدافع عنها، و ليس عليه أن يكتفي بالتحليل و استنطاق الأحداث.. و المطالع للمقابلة يلاحظ أن الشيخ ولد بايه أقرب في آرائه التي استعرضها للمحلل السياسي، منه للفاعل السياسي.. فهو يحاول أن يقرأ أسباب و دوافع فعل سياسي لنظام هو جزء منه لا أن يأخذ منه موقفا ما بالسلب أو بالإيجاب..
- جواب ولد بايه لسائله "هل سيحتاج ولد الغزواني لمأمورية ثانية" بطلبه إياه توجيه السؤال لولد الغزواني نفسه، يدل دلالة ضمنية على أن ولد بايه لا يرى ضرورية لهذه المأمورية، حيث أنه في العرف الديمقراطي تكون المأمورية الثانية لأي رئيس منتخب أمراً تلقائياً، حتى و لو كان هذا الرئيس دونالد ترامب، إلا أن تحولَ دون ذلك اعتباراتٌ خارجية (بتعبير علماء المنطق)، مثلما حصل مع هولاند في فرنسا، أو نيكسون في أمريكا.
- في معرض "اتهام ولد عبد العزيز لبعض النواب أعضاء لجنة التحقيق في فساد العشرية بالفساد" اقتصر رد ولد بايه على أنه "على المتضررين من هذه الادعاءات فقط التعامل مع هذه المشكلة"، مضيفاً "أنا لا أتهم أحداً.. و لست متهماً من طرف أحد.. كما أنني لست عضواً في اللجنة".. وفي اعتقادي أن عدم دفاع ولد بايه و هو رئيس البرلمان عن نوابه لم يكن أمراً مستساغاً البتة.. فتخليه عنهم، و تنصله مما يتهمون به، مقتصراً على براءته الشخصية، هو فردانية تقتل روح الفريق، و تقضي على اتحاده الذي هو سر القوة و المتانة .. و لا يعبر ذلك في رأيي عن حنكة سياسية.
- أعتقد أن أم الدواهي في مقابلة ولد بايه هي اعتباره أن "الخلاف بين عزيز و غزواني خلاف سياسي" فهو طعن في استقلالية القضاء و مصداقية لجنة التحقيق التي ضمت نواباً موالين و معارضين، و هو ما قد يكون له تأثيره على عملية استرداد أموال الموريتانيين التي تم تهريبها للخارج، خلال العشرية الماضية.. فليس كلاماً ملقىً على عواهنه أن يصف رئيس البرلمان ملفاً قضائياً، كانت بدايته بتقرير للجنة تحقيق من برلمانييه، ثم عمقت التحقيقَ فيه شرطةٌ لمكافحة الجرائم الاقتصادية قبل أن تتم إحالته للنيابة..
لقد ضرب هذا التصريح في صميمه أهم عمل قام به نظام ولد الغزواني، و هو محاسبة رئيس فاسد أتى على أخضر المال العمومي و يابسه، غير أن الرجوع لماضي علاقة ولد عبد العزيز و ولد بايه، في جميع تفاصيلها، من صداقة شخصية و شراكة سياسية وتبادل منافع غير مستحقة، قد يجسد طعناً في مصداقية هذا التصريح، الذي طبّل له أنصار الرئيس السابق و اعتبروه انتصاراً سياسياً.
يبقى السؤال الذي يفرض نفسه، هو: لماذا يقلب ولد بايه المِجنّ لنظام هو إحدى دعائمه السياسية..؟.. و هل لذلك علاقة بانتداب رئيس من "الشمال" (الجهة التي ينتمي لها ولد بايه) لرئاسة الحزب الحاكم؟.. هل يرى ولد بايه مثلاً أن وجود رئيس للحزب الحاكم من الشمال يقتضي بالضرورة السياسية أن لايكون رئيس البرلمان المقبل شمالياً أيضاً.؟
و لكن هل يستخلص نظام ولد الغزواني العبرة من المخاطر التي تحيق به دائما جراءَ عدم تغيير البيادق في رقعة شطرنج لاعبٍ آخر، أصبح منافساً على "وضعية" combinaison هو من نصّب قطعها و أرسى دعائم استراتيجياتها.؟!