أتعجب دائما عند سماع الكلام على مقاومة الاستعمار الفرنسي من إغفال الدور الكبير الذي لعبه فيها الأمير محمد لحبيب، إذ من المعروف أنه أول من واجه الفرنسيين حيث أذاقهما الأمرين في الدفاع عن مناطق نفوذه بمنطقة "والو" جنوب النهر، وردع أطماعهم في التغلل شمالا.
وقد قارع الأمير محمد لحبيب الاستعمار الفرنسي عسكريا حيث خاض حربا ضروسا ضده (1854-1858) كاد أن يسيطر خلالها على عاصمة المستعمرة بالسنغال، وقد كتب عن تلك الحرب بإسهاب الوالي الفرنسي بمدينة سينلوي: "لويس فيدرب" (Louis Faidherbe) في كراسه: La guerre des Trarzas، كما فرض الأمير عليهم حصارا اقتصاديا بمنعه بيع مادة الصمغ العربي (العلك) للتجار الفرنسيين ، كما أعمل الحيلة السياسية بتزوجه من أميرة والو "دمبت امبدج" (Ndieumbeutt Mbodj) والدة ابنه الأمير اعل، ذلك الزواج الذي وصفه الفرنسيون في كتاباتهم بأنه قد ينسف المستعمرة الفرنسية في السنغال من أصلها.
إذا كان مثقفونا ومؤرخونا قد أغفلوا هذا الجانب من المقاومة، فقد نوه به شاعر موريتانيا الكبير العلامة القاضي امحمد ول الطلبه اليعقوبي في شعر يخاطب فيه الأمير المقاوم :
ألا أبلغ محمدنا الحبيبا ** سلاما مثل نفح الطيب طِيبا
تحيةَ ناصحٍ لكَ ذي ودادٍ ** يرى ما قد عناكَ لهُ مُصيبا
فلا تدعِ السلاحَ فإن فيهِ ** لأهل الدينِ عندكمُ نصيبا
بذبكمُ الغوائلَ عن ذويهِ ** إذا عدِمُوا لنائبةٍ مُجيبا
فلا عدمتْ بنو دامانَ يومًا ** ولا تاشُمْشَ منظرَكَ النَّجيبَا