نهاية أسبوع دامية عاشتها العاصمة الصومالية مقديشو، إثر هجوم بسيارتين مفخختين تلاه هجوم بإطلاق نار استهدف وزارة التعليم الصومالية، تبنته حركة “الشباب”، وفاقت حصيلته 100 قتيل و300 جريح.
وقد وقع الهجوم الجديد في نفس المكان الذي فجرت فيه حركة “الشباب” شاحنة عام 2017، وخلفت مقتل 500 شخص، واعتبر الأشد دموية في تاريخ البلاد، وهو ما يعني عجز السلطات على مدى 5 سنوات عن تأمين العاصمة، حيث المراكز الحيوية للبلاد البالغ عدد سكانها أزيد من 16 مليون نسمة.
والواقع أن كل الجهود المبذولة من طرف الجيش الصومالي، والاتحاد الإفريقي، والولايات المتحدة الأمريكية، ظلت جميعها عاجزة عن إحلال السلام في البلاد، منذ نشأة حركة “الشباب” عام 2004، وتكثيف نشاطها بشكل أساسي سنة 2007.
وتسيطر الحركة التي يتراوح عدد مقاتليها بين 3 آلاف و7 آلاف عنصر تقريبا، على أجزاء كبيرة من جنوب ووسط الصومال، وقد تمكنت من توسيع نفوذها إلى مناطق تسيطر عليها الحكومة المتمركزة في العاصمة مقديشو.
ورغم أن الولايات المتحدة قتلت في ضربات جوية عدة، عددا من قادة وعناصر هذه الحركة المصنفة من طرف الخارجية الأمريكية عام 2008 كجماعة إرهابية.
كما تم طرد مقاتليها من مقديشو عام 2011 على يد قوة تابعة للاتحاد الإفريقي، وانحسر نشاطها بشكل كبير لبعض الوقت في العاصمة.
ولكن كل ذلك لم يمنعها من تنفيذ هجمات كانت حصيلتها قاسية وكبيرة في الصومال وفي بعض دول الجوار، من ذلك مثلا تفجير وقع بمقديشو في مارس 2015 أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 70 شخصا على الأقل، بينهم وزير ونائبان في البرلمان.
وفي غضون أقل من شهر على وقوع ذلك الهجوم الدامي، اقتحم عناصر من “الشباب” جامعة في مدينة “غاريسا” بالشمال الشرقي لكينيا، وقتلوا أكثر من 140 شخصا، فضلا عن جرح العشرات.
واليوم وقد طوت الحركة أكثر من 15 عاما من قتل المدنيين والعسكريين، وتدمير البنى التحتية، وتقويض مسار التنمية في هذا البلد الفقير، فإنها تبدو عصية على الهزيمة، لتغلغلها في المجتمع، وانتشارها الواسع في عدد من المناطق الصومالية.
تغلغل تعتمده هذه الحركة، من أجل إحكام تنفيذ هجماتها ضد النقاط الاستراتيجية التي تستهدفها، ولكن أيضا من أجل جمع الإيرادات المالية من الشركات والمؤسسات، وبعض رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين، الذين يجدون أنفسهم مرغمين على الدفع خوفا من القتل.
ونفس الأمر ينطبق على المناطق الريفية، حيث يعمد عناصر “الشباب” إلى فرض الضرائب على الثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية.
وسبق أن قدر معهد “هيرال” وهو مؤسسة بحثية تهتم بالقضايا الأمنية ومقره مقديشو، حجم الأموال السنوية التي تجمعها هذه الحركة ب15 مليون دولار، نصفها يتم الحصول عليه من العاصمة مقديشو.
ويشكل التصدي لهذا البعد، أحد مرتكزات خطة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الذي نصب مايو الماضي رئيسا جديدا، وكان قد حكم البلاد قبل ذلك عام 2012.
وتقوم الخطة على “تجفيف منابع تمويل” حركة “الشباب” من خلال إنشاء وكالات حكومية تراقب التدفق المالي، وتضبط حركة الأموال في البلاد.
كما تشمل الخطة التي كشف حسن شيخ محمود في وقت سابق بعض أهم معالمها، تعزيز التعاون الحكومي مع العشائر والقبائل التي تشكل مصدر نفوذ داخلي “للشباب”، وكذا تحسين العلاقات بين الحكومة الفيدرالية وحكام الولايات الصومالية، والتي تأزمت بشكل لافت خلال حكم الرئيس السابق محمد فرماجو.
أما على الصعيد الخارجي، فإن الخطة تقوم على إنهاء الأزمة مع بعثة الاتحاد الإفريقي لإعادة الاستقرار في الصومال ومكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون مع دول الجوار التي تواجه ذات التهديد.
ويعول حسن شيخ محمود على خطته في تحقيق الاستقرار في البلاد، رغم أن الواقع يقول بتكثيف حركة “الشباب” نشاطها بشكل لافت في مقديشو، منذ عودة الرجل مجددا إلى سدة الحكم.