يمثل الاهتمام بالمستقبل اليوم أحد مجالات المعرفة, فالتنبؤ به لم يعد ضرباً من الادّعاءات ولكنه عملية بناء تعتمد على تحليل الحاضر قبل القفز للمستقبل.
فالاهتمام بالمستقبل أضحى يشكّل أحد مجالات المعرفة العلمية, بمبادئها وأساليبها. يفسره تقدم هذه المعرفة, وتنامى الوعي الحاد بالواقع, وما يحوطه من مشكلات اقتصاديه واجتماعيه وسياسيه وجغرافيه وديموغرافيه والصراعات ............
وهذا يفرض على اصحاب القرار التريث في اتخاذ القرارات التي تتعلق بالمسبقل وتصوّر الأوضاع المحتملة, من منطلق أنها ليست مجرد ادّعاءات تعتمد على أحلام ملهمة أو رؤى ظنّية, بل عملية بناء بدائل نابعة من تحليل الحاضر واتجاهات تطورّه.
بالاعتماد على مستشارين يستطعون تحليل السيناريوهات علميا, للوصول الى تنبؤ مستقبلي ابداعي, ويتطلب هذا التحليل معرفة علمية دقيقة لحصاد واتجاهات تغير الظاهرة المبحوثة, كما يتطلب خيالا علميا منضبطا, توضحه وتثريه الرؤية النظرية المنفتحة على الجدليات المحتملة, وهو ما يتضح بالأخص في مجال الدراسات السياسية والاجتماعية.
ان اي نظام سياسي مهما كان رشيدا ولائقا وكاملاً فلا بد ان يصاب عاجلاً او اجلاً بحالة من الضعف والقصور نتيجة للتطور والتغير الذي يحصل في البيئتين الخارجية والداخلية للدولة الذي يحكمها هذا النظام، وفي الوقت نفسه ان النظام السياسي لأي دولة وان كان قد بُني وفق نظريات ورؤى علمية وفكرية رصينة وثابته فإنه طالما كان من صنع البشر وينظم شؤون البشر فلا بد ان يشوبه بعض اوجه القصور والخلل وتزحف اليه بعض التحديات لتحدث فيه بعض الثغرات .
لذلك فإن اي نظام سياسي بحاجة مستمرة الى التقييم والمتابعة من اجل تشخيص مواطن الزلل والخطأ فيه سواء كانت موجوده سلفاً او اصابته نتيجة لتغيير الاحوال والشؤون التي يحكمها، واذا كانت اهم عناصر النظام السياسي المتفق عليها تتمثل في اولاً: الاجهزة والمؤسسات الحكومية، ثانياً: الاحزاب السياسية، ثالثاً: جماعات الضغط والمصالح، رابعاً: وسائل الاعلام، خامساً: انماط الاتصال السياسي، سادساً: الثقافة السياسية، سابعاً: التنشئة السياسية
فإذا كانت هذه العناصر تمثل عناصر النظام السياسي، فان النظام الموريتاني الحالي بقيادة محمد ولد الشيخ الغزواني قام بتشكيل هذه العناصر و تنظيمها بطريقة تضمن نجاحها في اداء وظائفها على اكمل وجه، على الرغم من انها كانت تعاني من الضعف والفساد الاداري وغياب الخطط وعدم تفعيلها بالشكل المطلوب
اتسمت الأحزاب السياسية التي حكمت موريتانيا منذ بداية الديموقراطيه بالخيبات المتتالية، وفشلت في تحقيق ما وعدت به ناخبيها، ما عمّق الهوّة بينها وبين الموريتانيين الذين اختزلوا أداء الأحزاب السياسية في الصراعات على المكاسب والمصالح الشخصيه.
اليوم عبارة حزب أصبحت نوعاً من الوصم السياسي والاجتماعي لدى المواطنين، وعندما تقول حزباً سياسياً فكأنك تتحدث عن عصابة، لأن بعض الأحزاب جعلت واجهتهارجال أعمال وموظفين فاسدين ومتهربين من الضرائب .
والسؤال اللذي يطرح نفسه ماهو مستقبل الاحزاب السياسيه؟وهل يمكن الاستغناء عنها في المستقبل؟
يعتبر هذا السؤال وارد بعد التحولات التي شهدتها الاحزاب السياسيه من اندثار بعض الاحزاب وتراجع دور البعض الاخر وتغيير اسماء البعض وبيع احزاب وتوريث اخرى دون ان ننسى صمود احزاب اخرى كل ذلك في ظل هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي وطغيان الفردية وأفول بريق الأفكار الكبرى، ما خلق قطيعة واضحة بين الحقل السياسي، وما يفترض أنه الرأي العام.
لا شك ان العشرية الماضية تركت أثراً كبيرا في الأحزاب، إلا أن ذلك لا يعني الاستغناء عنها لأن الديمقراطية تتطلب الأحزاب السياسية والتجارب الديمقراطية طوّرت من أدائها السياسي وأضافت آليات جديدة للممارسه السياسيه، ولكن على الاحزاب أن تلعب دورها وتتفاعل بشكل جيد مع الأحداث وتوثق صلتها بالناخب
صحيح ان ازمة تراجع الاحزاب تعيشها الكثير من البلدان العالميه فهناك احزاب كبرى عديده في العالم تعيش نوعاً من الهشاشة، وتواجه غضب الشعوب حتى في الدول العريقة في التجربة الديمقراطية،
وفي الاخير ان المرحلة المقبلة ستشهد ميلاد أحزاب جديدة، قادرة على إعادة بناء جسور الثقة مع الشارع بسبب وعيها وفهمها للواقع فهما صحيحا وثبات موقفها،
واعتقد أن العلاقة المباشرة بين رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني والشارع، مريحة جدا لكنها تحتاج إلى مزيد من التأطير لتفادي الهزات الاجتماعية.
ولعلّ الإصلاحات الاقتصادية الكبيره التي تستهدف القطاعات الحيويه وتفعيل برنامج داري مع دور تازر الكبير في مؤازرة الطبقات الهشه وزيادة رواتب الموظفين والانتعاش الاقتصادي الملحوظ كل هده الانجازات وغيرها ساعدت في تهدئة الساحه السياسيه والاجتماعيه وزيادة مخزون الاغلبيه الانتخابي
د.محمدعالي الهاشمي