شخصية دبلوماسية ثقيلة ووازنة وحكيمة وعالمية مثل سيرجي لافروف الذي قرر أن يشد الرحال وطاقمه المرافق الدبلوماسي والسياسي الكبير وسط أزمة وحرب شرسة لبلاده روسيا الاتحادية مع غرب أوكرانيا والغرب وامريكا ممثلا في حلف (الناتو) المعادي يستحق ويستحقون الترحيب، ولافروف لمن لا يعرف من دعاة السلام والحوار ولا يدعو لاستمرار الحرب التي فرضت على بلاده روسيا الاتحادية وجاءت على شكل عملية عسكرية استباقية تحريرية غير احتلالية وقوبلت بشن حرب أوكرانية وغربيه وأمريكية واسعة النطاق وطويلة الأمد وعنيفة وبتمويل وصل إلى أكثر من 30مليار دولار، وهو استنزاف للغرب أولا قبل استنزاف روسيا، وهو الهدف الغربي الدقيق والواضح والمعروف، وتحويل أوكرانيا لحائط مبكى من قبل الغرب بقيادة أمريكا مجرد مسرحية هدفها بعيد المدى ضرورة استمرار الحرب الباردة التي انطلقت نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 بسبب تشكيل القطب الغربي الواحد المسيطر على أركان العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا ولوجستيا، ومهم بالنسبة للغرب السيطرة على سوق السلاح وسباق التسلح، والمعروف هو بأن روسيا الاتحادية حريصة في المقابل على التفوق العسكري التقليدي والنووي كل عشر سنوات وعلى حساب البنية التحتية الروسية التي تعاني مدنها من الدرجة الثالثة من سوء تعبيد طرقها الداخلية.
لن نسأل مبكرا لافروف ماذا يريد من موريتانيا، والضيف مرحب به وفقًا للعادات والتقاليد الموريتانية طلة اقامته ومن دون سؤال، لكننا نعرف ونلاحظ فجوة في الملف السياسي بين بلدينا الصديقين موريتانيا وروسيا الاتحادية العظمى التي تقود عالم الأقطاب المتعددة منذ اندلاع أزمة كورونا عام 2019 أي قبل انطلاق لعملية الحرب على غرب أوكرانيا وعلي روسيا بالوكالة من طرف الغرب الأمريكي عبر الأراضي الغربية الأوكرانية،
لكن تفاصيل الحرب وتفسيراتها من الجانب الروسي مختلفة تمامًا، وهي أي روسيا حركت عمليتها العسكرية إلى شرق وغرب أوكرانيا بعد تفاقم مظلمة وقضية سكان شرق أوكرانيا المحادين جغرافيا لروسيا والمتداخلين ديمغرافيا معها، ويجمعهما تاريخ واحد، وجلهم من الروس ومن الأوكران الناطقين بالروسية، ويحملون جوازات السفر الروسية، وتعدادهم وصل إلى سبعة ملايين إنسان، وإصرار من غرب أوكرانيا منذ انقلاب عام 2014 الدموي وطرد آخر حضور لروسيا في غرب أوكرانيا، وأقصد التخلص من روسيا هناك عبر إنهاء خدمات فيكتور يونوكوفيج آخر رئيس أوكراني موالي لروسيا، والتسبب في مقتل حوالي 14 ألف شخص شرقي أوكراني فقط لأنهم رفضوا الانضمام للنظام السياسي البنديري الغربي في (كييف)، وتعرضت (كييف – زيلينسكي) لضغوطات غربية مبرمجة لاشعال الثورات البرتقالية الملونه، ولرفض الحوار مع شرق اوكرانيا، ولرفض اتفاقية (مينسك 2015) التي كان من الممكن ان تضبط الأمن في أوكرانيا، وتحقق لها السيادة المطلوبة فوق أقاليمها الخمسة (القرم، لوغانسك، دونيتسك – الدونباس، زاباروجا، خيرسون) والتي فقدتها تباعا بإرتكاز موسكو على استفتاءات متتالية تحت رقابة دولية وبنتيجة مرتفعة لصالح روسيا.
وعلاقة موريتانيا بروسيا الاتحادية تاريخية منذ عام 1963 عندما بادر الرئيس المختار ولد دادا بفتح قناة دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي في عهد الرئيس نيكيتا خرتشوف، واستمرت محافظة على استقرارها، وتخرج الكثير من الموريتانيين من الجامعات الروسيه مهندسين واطباء وعسكريين ….. ولولا انقلاب 1978 لكان لروسيا اليوم حضورا كبير في موريتانيا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا …..
ولدينا الكثير لتقديمه للجانب الروسي لاحياء هذه العلاقه وتطويرها (المعادن واولها اليورانيوم الصيد السياحة الدينية تبادل الثقافي الديني مع المجموعات المسلمه في روسيا الاتحاديه والاستثمار ….) ولدى الروس الكثير لتقديمه لنا خصوصا التكنولوجيا والعتاد العسكري والمنح الدراسيه والالات الزراعيه ….روسيا بلد غني بالحضارة والتاريخ ، وموقع موريتانيا الجيوسياسي هام بالنسبة لروسيا بسبب اطلالته على المحيط الاطلسي ونحن البوابه الافريقيه والعربيه ضف الى ذلك حدودنا مع اوروبا كلها عوامل وغيرها تلفت الانتباه الروسي الاحياء العلاقه وتطويرها مع بلدنا
والملاحظ اليوم هو جنوح روسيا الاتحادية اتجاه السلام في الموضوع الأوكراني أكثر من أي وقت مضى، وهو محور قوة وليس ضعف، وهي تعي بأن شعوب روسيا وأوكرانيا إخوة وجيران، والسلام بالنسبة لها هو تثبيت سياسة الأمر الواقع، فما تم ضمه من أقاليم خمسة لن تعود للسيادة الأوكرانية لا بالحرب ولا بالمفاوضات المتأخرة، وشعوب الأقاليم قالت كلمتها عبر صناديق اقتراع نزيهة، وليس تحت البنادق الروسية كما يشاع في غرب أوكرانيا وفي الغرب، وما تريده روسيا هو وقف التهور بمصير أوكرانيا، والتجديف باتجاه الاستنزاف لروسيا وللغرب معا، والتوجه لتصعيد القتال الروسي- الأوكراني الغربي والغربي الأمريكي اتجاه حرب نووية، أي عالمية ثالثة مدمرة لا يحمد عقباها، والتي ستشكل كارثة حقيقية ومرعبة للبشرية جمعاء، والشعوب الروسية والسوفيتية كذلك متمسكة بالسلام وتقدمه على الحرب، ولهم من الحرب العالمية الثانية ونتائجها البشرية المرعبة خير مثال رغم النصر الكاسح على النازية الألمانية بقيادة أودولف هتلر عام 1945، ومقولة الروس والسوفييت "سلام ضعيف خير من حرب مدمرة" شعار شعبي يجول في بيوتهم.
ختاما لاتوجد سفارة موريتانيه في اكرانيا ولا اي نوع من المعاملات والعلاقات ولا سفير لاكرانيا في موريتان ولم يسبق لاي رئيس لبلدنا ان زار اكرانيا وفي المقابل الزيارات بين موريتانيا وروسيا استمرت دون انقطاع ، ولم توقفها الا ظرف كورونا والحرب الأوكرانية،
د.محمدعالي الهاشمي