الحقيقة / نواكشوط / يواجه حزب الإنصاف الحاكم بموريتانيا منافسة قوية ببعض الدوائر الداخلية، في أكبر تحدى يواجهه الحزب منذ انتخابات 2013، وسط مخاوف من فقدان الحزب الأغلبية داخل البرلمان، لضعف بعض خياراته في اللوائح الوطنية، والجدل الذى صاحبها، وخروج أطراف وازنة من الحزب والترشح من خارجه.
وتشكل دائرة بير أم أقرين في ولاية تيرس زمور أبرز هذه الدوائر، حيث تميل كفة الترجيحات في الوقت الراهن لصالح مرشح حزب الإصلاح محمد سالم ولد أنويقظ، الذى أختار الحزب الحاكم ابعاده لصالح أحد أبناء المنطقة، ضمن ترتيبات تمت خلال الأشهر الماضية مع المحامى تقي الله أيده أيده (المحامى السابق للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز)، وهو ما يعني بحسب الكثير من المتابعين خروج الحزب الحاكم لأول مرة من منطقة بير أم أغرين الحدودية، مالم تتدخل قوة قاهرة بحسب العارفين بكواليس المنظومة السياسية في الشمال.
وفى مقاطعة كرو بولاية لعصابه تشتد المنافسة بشكل غير مسبوق بين الحزب الحاكم، والتحالف الذى يقوده "تواصل/ الفضيلة"، وسط مخاوف داخل الحزب من ركون بعض المجموعات القبلية للائحة المنافسة، دعما لأبنائها، أو انتقاما من بعض رموز الأغلبية الفاعلين في الساحة المحلية في الوقت الراهن.
وتبدو تجربة 2013 حاضرة في الأذهان، بعدما أستفاد حزب تواصل ساعتها من صراع الأقران داخل الأغلبية، وهو صراع يجد أحد أطرافه الآن الفرصة سانحة للإنتقام من الطرف الآخر، الذى كان سببا في خسارته للمنافسة بحسب العديد من الدوائر الرسمية، ناهيك عن شعبية المرشحين الذين أختارهم التحالف، والقوة المالية المحتملة للحملة المشتركة.
ولاتبدو الطينطان في الحوض الغربى بأقل أريحية بالنسبة للحزب الحاكم، بعدما قرر حزب الإصلاح الدخول على خط الأزمة الداخلية، مانحا ثقته لوزير الداخلية الأسبق محمد غالي ولد أشريف أحمد، ورجل الأعمال آده ولد عثمان ولد الباز.
ورغم عزوف النائب السابق محمد المختار ولد الطالب النافع عن الترشح للانتخابات التشريعية، فلاتزال الأزمة جد كبيرة، خصوصا بعدما دفع حزب تواصل بلائحة جديدة يعتقد أنها ستدفع بالإنصاف والإصلاح إلى الشوط الثاني، في مقاطعة تعيش على الصراع بين رموز المال والسلطة منذ 2006، ويعتبر رجل الأعمال سيدي محمد ولد السييدي أبرز الفاعلين فيها خلال العقدين الأخيرين.
وفى مقاطعة كوبنى لا يتوقع أن يحصد الحزب أكثر من مقعد واحد من مقاعد المقاطعة الثلاثة، في ظل الحضور الكبير للنائب فاطمة بنت أعل محمود، والتنافس الحاد بين حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية (تواصل) ونداء الوطن من أجل الفوز بالمقعد الثالث عن المقاطعة.
وفى مقاطعة "أطويل" بالحوض الغربى أختار حلف الوفاق بقيادة الإطار ورجل الأعمال محمد الشيخ سيديا ولد الطلبة الخروج من الحزب الحاكم والترشح من بوابة "نداء الوطن"، دافعا بالمقاطعة الجديدة إلى صراع بالغ التعقيد، بحكم شعبيته الكبيرة داخل المقاطعة والتحالفات التي تمكن من إبرامها خلال الفترة الأخيرة، ناهيك عن ترشح الشيخ السابق للمقاطعة شيبة خياتي من خارج الحزب الحاكم ، بعدما قرر الحزب الحاكم ترشيح العمدة السابق لبلدية أطويل أبلالي ولد معطلل.
أما مقاطعة تمبدغة في الحوض الشرقى، فقد أنقسم جمهور الحزب الحاكم بين طرفي الصراع الدائر في الوقت الراهن، بعدما قرر الحزب الحاكم قلب الطاولة على رؤوس النخبة السياسية التقليدية بالمقاطعة، والدفع برجل الأعمال الشاب سيد الأمين ولد أميمه كنائب عن المقاطعة، والمحافظة للنائب دونه ولد المختار على مقعده، والخروج عن التوازنات القبلية المعمول بها منذ عقود داخل البلدية المركزية، وذلك بترشيح الحزب الحاكم للمدير الجهوي بنواكشوط الغربية بمبله ولد جلفون كعمدة للبلدية المركزية، وهو ما أشعل غضب مجموعات قبلية وسياسية وازنة.
ويرى أنصار المرشح سيد الأمين ولد أميمه أن الحزب قادر على العبور بالتشكلة الجديدة (النواب والعمد)، رغم التجييش الذى مارسته بعض الأطراف ضده، بل إن الحلف – بحسب بعض المصادر- رفض الضغط على رموز العملية السياسية بالمقاطعة من أجل تأكيد جدارته بالترشح، وضمان الفوز من دون كل الأطر والوجهاء المناوئين للحزب أو المعترضين على خياراته السياسية.
غير أن الطرف الآخر لا يزال يرى في العملية الحالية انقلابا على النخبة السياسية بالمقاطعة، ويحشد أنصاره من أطويل شمالا إلى بوسطيله جنوبا من أجل المعركة الحالية، وتبدو بلدية تمبدغة أحد أبرز أوجه التوتر والصراع بين النخبة المنضوية تحت لواء الإنصاف والكتل السياسية المناوئة للحزب أو المتضررة من قراراته، والتى اختارت حزب الإتحاد من أجل العدالة والديمقراطية من أجل خوض غمار المنافسة في المجالس المحلية والنواب والجهة.
وفى مقاطعة "أمرج" بولاية الحوض الشرقى أختار أبرز نواب المقاطعة رفض قرار حزب الإنصاف الحاكم، والترشح من حزب الإصلاح، والعمل من أجل إسقاط الحزب، للتأكيد على خطورة التعامل مع القوى الفاعلة على الأرض بمنطق استفزازي، كما يقول العديد من أنصار النائب محمد ولد التراد، وزميله النائب سيدي محمد ولد الطالب أعل، والذين كانا إلى وقت قريب ضمن الحلف الأكبر بالمقاطعة بقيادة الوزير الأول الأسبق الشيخ العافية ولد محمد خونه، قبل أن يقرر الحزب الحاكم تهميش الحلف في المقاطعة، مكتفيا بمنحه مقعد المجلس البلدي، وهو المقعد الذى قرر أصحاب الحظوة لدى الحزب الدخول على خط الصراع الدائر عليه، عبر لائحة قوية مدعومة من نواب المقاطعة أو المرشحين عن حزب الإنصاف حاليا.
ويعتمد تحالف النواب على قاعدة شعبية حاضرة بقوة، ناهيك عن كتل متحركة تحرك رمال الحوضين، ولديها القدرة على الحسم لأي طرف من الأطراف أستطاع استغلالها وتوجيهها عبر وسائل الإقناع أو الضغط للوقوف معه في الصراع الدائر على تمثيل المقاطعة المركزية بالحياة السياسية في المنطقة، أو ضخ المال من أجل تجيير مواقف البعض الآخر.
وفى مقاطعة جكني دخل حزب الاتحاد والتغيير الموريتانى (حاتم) معركة النيابيات بالمقاطعة بقوة، وذلك عبر ترشيحه لرجل الأعمال اسلكو ولد حيده، والعمدة السابق لمركز اعوينات أزبل الإداري محمد ولد أمد. وهو تحالف يخوض حربا مفتوحة مع شركاء الأمس ( المدير الحسن ولد عوان) الذى كان أبرز حليف لهؤلاء، قبل أن يدفع به الحزب للمقعد المحسوب على مجموعته القبلية، بينما سلم المقعد الآخر للحلف الذى يقوده الوزير الأول الأسبق يحي ولد حدمين، ضمن معادلة تم بموجبها تغييب حلف "أهل خطري" من لائحة النواب ، وأكتفى الحزب بمنح تحالف "أهل عبدى ولد الجيد" منصب عمدة البلدية المركزية، وغاب بعض رموز المقاطعة المحسوبين على وزير العدل محمد محمود ولد بيه، ولم يقدر أصحاب القرار فيه مخاطر تجاهل القوة الشبابية الصاعدة بقيادة رئيس حلف الأمل رجل الأعمال اسلكو ولد حيده، وهو ما يشى بصيف ساخنة داخل كل المجالس المحلية بالمقاطعة، ومواجهة غير مسبوقة على تمثيل المقاطعة بالبرلمان.
وفى مقاطعة وادان شمال البلاد يواجه الحزب الحاكم أزمة داخلية، بعدما قررت كتل قبلية وازنة الخروج منه، وطرح لائحة بديلة للمنافسة على مقعد النائب، وهو ما دفع برموز الحزب في المقاطعة – وفى مقدمتهم رئيس البرلمان السابق الشيخ ولد بايه- إلى الدعوة لعقد اجتماع مبكر، وتوفير الأموال اللازمة للحملة، من أجل إنقاذ مقعد الحزب الحاكم بالمقاطعة.
وفى مقاطعة روصو يتحرك النائب السابق سيدي جارا بثقة، وهو يخطط لإستعادة دوره بالمقاطعة، بينما تحاول حركة إيرا أو واجهتها السياسية (الصواب) التأكيد على جدارتها بتمثيل المقاطعة، بعد النتائج غير المسبوقة لزعيم الحركة بالمقاطعة في انتخابات يونيو 2019، وهو حراك يجعل إمكانية الذهاب إلى جولة الإعادة مسألة وقت، ويترك الباب مفتوحا على كل الإحتمالات.
أما مقاطعة كيفه بنوابها الثلاثة ونواذيبو بنوابها الأربعة وكيهيدي بنوابها الثلاثة وسيلبابي، فتلك دوائر فيها لكل طرف فاعل نصيب، والصراع الآن على من يتصدر المشهد فيها، وسط معطيات لاتميل لصالح الحزب الحاكم على الأقل في كيفه ونواذيبو، وحضور مقبول للإسلاميين وإيرا، وثقل لايمكن أن تم تجاهله لبعض القبائل التى أعتاد بعض رموزها كسر إرادة الحزب، كلما أراد تهميش مجموعته أو حملها على اختيار ما لا تريد، كما حصل 2013 و2018 في كيفه، ويمكن أن يعاد الآن بسهولة في ظل التحالف القوى الذى يقوده النائب السابق لمرابط ولد الطالب ألمين وصحبه.