سؤال: حضرة النقيب هل لنا أن نعرف ما هو موقعكم اليوم من الساحة الوطنية؟
جواب: موقعي في الساحة الوطنية يمكن تحديده من زاويتين.. زاوية سياسية وزاوية حقوقية.. فمن الناحية السياسية أنا أنحدر من المؤسسة العسكرية وأساند كل ما قامت به
المؤسسة العسكرية من عمل على صعيد إدارة شؤون البلاد منذ يوليو 1978.. وخاصة ما تم القيام به منذ تولي الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز مقاليد السلطة، حيث تحقق الكثير من الإنجازات المهمة والمفيدة جدا بالنسبة للبلد. سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا..
على الصعيد الأمني تم تطوير وعصرنة القوات المسلحة وقوات الأمن الوطنية حتى باتت موريتانيا اليوم قوة إقليمية وازنة يحسب لها حسابها في المنطقة، بفضل تكوين الأفراد وتطوير وتحديث المعدات والتجهيزات العسكرية والأمنية.. وعلى الصعيد السياسي تم إرساء الحريات العامة بشكل غير مسبوق سواء حرية الصحافة وحرية الأحزاب السياسية، والمنظمات المدنية والهيئات النقابية.. كما تم اعتماد الشفافية وإطلاق حرب لا هوادة فيها ضد الفساد والرشوة.. وفي المجال الاجتماعي منحت الأولوية للفئات الأكثر فقرا والشرائح التي كانت مهمشة على مدى عقود من الزمن.
في الجانب الحقوقي أود التنويه، بداية، إلى أن خلفيتي العسكرية زرعت في نفسي كأي جندي آخر؛ شعورا بواجب حماية الحقوق الأساسية للمواطنين، وخاصة في مجال الحريات الفردية والجماعية.. هذا الحس الوطني بالواجب تجاه كل المواطنين دون تمييز ولا استثناء، لا يوجد لدى أي كان بالدرجة التي نجدها لدى العسكريين.. أنا أرأس منظمة حقوقية تنشط في مجال المجتمع المدني تدعى "الشبكة الإفريقية للتنمية البشرية المستدامة" ولها حضورها الفاعل في موريتانيا وفي المنطقة.. ولعل أهم ما يميز منظمتنا عن غالبية الهيئات الأخرى في المجتمع المدني في بلادنا، هو أنها لا تركز على التعامل مع المنظمات والهيئات الدولية، كما تفعل المنظمات الأخرى من أجل ملتقيات أو ورشات أو رحلات إلى الخارج، نحن نتجه بالأساس إلى سكان المناطق النائية والأحياء الفقيرة لنقدم لهم الدعم على الصعيد المادي الملموس ومن خلال التعبئة والتحسيس.. نقوم بتأطير ومواكبة الأسر المحتاجة عبر إنشاء خلايا محلية وتعاونيات منتجة.
سؤال: وماذا عن موقفكم بشأن التجاذبات الحالية حول الوحدة الوطنية؟
جواب: موقفي الثابت والدائم حول هذه المسألة يقوم على قناعتي الراسخة بأن كل سكان موريتانيا يجمعهم الدين الإسلامي الحنيف ويجمعهم التاريخ والجغرافيا، كما توحدهم الروابط الأسرية المتشابكة والمصير الواحد.
عندما يلعب الجميع دوره بإخلاص وبروح المواطنة الحقة فلن تكون لدينا أي مشكلة على مستوى الوحدة الوطنية.. يجب أن تلعب الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والمدنية والمثقفون والصحافة والإدارة، أدوارهم كاملة؛ كل حسب موقعه ومجاله.. والدور الأهم والمحوري يلعبه الأئمة والشخصيات المرجعية في البلد..
أنا ليس لي وطن سوى هذا البلد.. بلدي موريتانيا.. وقد دافعت عن هذا الوطن منذ نعومة أظافري من خلال مناهضة العبودية والنضال من أجل العدالة والمساواة بين كافة أفراد الشعب.. وتعزيز اللحمة الوطنية.. ولم يخامرني الشك طيلة معركتي النضالية الطويلة منذ 1957 انني لا أنتمي ، إلى مجتمع البيظان دون أن أشعر بوجود فوارق داخل هذا المجتمع.
في سنة 1981 تم إصدار مرسوم يقضي بإلغاء الرق في موريتانيا أصدره الرئيس آنذاك محمد خونه ولد هيداله، وأتساءل حاليا عن لماذا يتم التجاهل والقفز على هذا القانون المحوري.. إن البعض الذي يتحدث اليوم عن قانون تجريم العبودية الصادر سنة 2008، لا يدركون أن المرسوم رقم 234 / 81 نص على إلغاء العبودية؛ والإلغاء أقوى من التجريم.. ثم جاء الإجراء الأهم على الإطلاق في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز عبر تضمين الدستور بندا ينص على أن العبودية تصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية، كما تم إنشاء وكالة التضامن التي أرى أن عليها استيعاب دورها أكثر؛ باعتباره يتمثل في تعميم المؤسسات التعليمية والمنشآت الصحية، وخلق المشاريع المدرة للدخل، وفك العزلة..
كذلك وفر الرئيس ولد عبد العزيز مزيدا من الفرص لصالح العائلات الفقيرة والفئات الأكثر حرمانا، عبر فتح حوانيت أمل، وإقامة الكثير من البنى التحتية، من طرق ومنشآت صحية وتعليمية، وحتى استحداث مدن جديدة لتقريب الخدمات العمومية الأساسية من سكان المناطق النائية والتي عانت ردحا طويلا من التهميش والإقصاء.. كما قامت الدولة، بتعليمات من الرئيس، بتوفير الأسماك لسكان جميع الولايات عبر تخصيص نسبة 2% من الكميات المصطادة في مياهنا الإقليمية للمواطنين في كل مكان..
عندما يقول بعض الأشخاص اليوم إن العبودية ما تزال موجودة في موريتانيا، قد يكون في كلامهم شيء من الحقيقة.. لكن إذا لم يقولوا إنها تراجعت كثيرا واختفت أسوأ مظاهرها، فإنهم بذلك يجانبون الحقيقة..
علينا أن نتساءل جميعا: ما هي ممارسات العبودية وآثارها التي نرى أنها مازالت موجودة اليوم في بلدنا؟ هذا هو السؤال الجوهري؛ واعتقد أننا حين نطرحه بصدق وتجرد، سندرك أن تلك الممارسات وتلك الآثار باتت في حكم المتلاشية..
أود التأكيد هنا على أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز ليس مسؤولا عن وجود العبودية في موريتانيا.. وهي ليست في ثقافته ولا بيئته ولا في ذهنيته..
واغتنم هذه الفرصة السانحة التي أتحتموها لي لأدعوه إلى الإعلان رسميا في أول خطاب مقبل له أن مأموريته الحالية ستشهد القضاء نهائيا وبشكل كامل على كافة مظاهر العبودية ومخلفاتها.. فهو بطل محاربة الرق وحامل لواء ومشعل القضاء عليه..
سؤال: خلال وجودكم على رأس هياكل تهذيب الجماهير أنشأتم فرقة من المراهقين أطلقتم عليها تسمية "فتية الجماهير"، ويقال إن تلك الفرقة كانت مكونة من أبناء شريحة لحراطين فقط، وكان أفرادها يرتدون زيا موحدا يشبه الزي العسكري ويعزفون موسيقى عسكرية.. ما صحة ذلك؟
جواب: من بين فتية الجماهير الذين تتحدثون عنهم العديد من الفتيان من كل شرائح المجتمع.. من بينهم الإعلامي البارز اليوم، الحسين ولد محنض مدير صحيفة "الأمل الجديد" ؛ وكان من أفضل العازفين.. كما كان من بينهم، أحمد ولد معاوية ولد الطايع، الذي ألح على ذويه من أجل الانضمام إلى فتية الجماهير.. وكثيرون آخرون يضيق المقام عن ذكرهم جميعا..
كانت الفكرة التي أنشأت على أساسها فرقة "فتية الجماهير" هي امتصاص ظاهرة أطفال الشارع خاصة من يسمون "دينكات" لإنقاذهم من الانحراف ولما تم تجسيد تلك الفكرة أقبل علينا الكثير من المراهقين من أجل الانضمام إلى هذا التنظيم..
وما يحز في نفسي أن عدم متابعة هذه الفكرة جعلنا نعود لحالة الصفر، حيث كثر الانحراف وظاهرة "الدينكي" إن صح التعبير.
سؤال: يوجد من بين من أعتبر فترة وجودكم قائدا للمنطقة العسكرية السادسة وأحد أقرب المقربين من الرئيس ولد هيداله أيام حكمه من يتحدثون عن عمليات تعذيب بإشرافكم المباشر بحق عدد من السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي.. ويذكر هؤلاء على سبيل المثال قيادات في التيار البعثي والناصري وكذا شخصيات من حجم الرئيس الراحل المصطفى ولد محمد السالك.. ما حقيقة ذلك؟
جواب: الذين ذكرتم ممن تم إرسالهم إلي لم يتعرضوا للتعذيب أثناء وجودهم ضمن مسؤوليتي، أي في المنطقة العسكرية السادسة.. البعثيون تم إرسالهم إلينا خاصة محمد يحظيه ولد ابريد الليل وممد ولد أحمد ودفالي ولد الشين.. وهؤلاء مازالوا أحياء والحمد لله، وأتمنى لهم طول العمر، ويمكنكم أن تسألوهم ما الذي فعله لهم النقيب بريكه ولد امبارك؟ ولهم أن يجيبوكم.. لقد وجدت عوائلهم وخاصة نسائهم يطرقن أبواب وزير الداخلية بحثا عن أخبارهم وسعيا إلى التواصل معهم، ولم يستقبلهن أحد من الوزراء.. أنا الذي قمت باستقبالهن وتقديم ما يلزمهن من المساعدة، رغم أن ذلك لم يكن أمرا مقبولا تماما لدى قيادة الدولة حينها..
أما الناصريون فقد بدأت حملة اعتقالاتهم يوم 4 مارس 1984، أي بعد يوم واحد على إقالتي من قيادة المنطقة العسكرية السادسة بنواكشوط.. وقبل ذلك دعمتهم في انتخابات اتحاد العمال الموريتانيين، حيث انتخب الكوري ولد احميتي؛ وهو أحد قادة التيار الناصري البارزين، أمينا عاما للاتحاد النقابي وانتخب بيجل ولد هميد نائبا له..
تحدثتم في سؤالكم عن الرئيس المرحوم المصطفى ولد محمد السالك.. أولا هو كان قائدي العسكري خلال الحرب، حين كان قائدا عاما لأركان الجيش، وهو رئيسي في السلم العسكري كضابط سامي؛ وفوق ذلك هو رئيس سابق للدولة، ولا يمكن أن يصدر مني اتجاهه سوى الاحترام التام والتقدير الكامل.. خلال فترة اعتقاله كنت شخصيا أتسلم مراسلاته الواردة من أسرته مع ما ترسله له الأسرة من مستلزمات وحاجيات؛ وأوصل له كل ذلك.. كنت أتسلم تلك الأمور من شخص محمد ولد ابدبه في شركة سومارم بمقاطعة لكصر..
كذلك كنت أتسلم رسائل وأمتعة بحام ولد محمد لغظف من زوجته عيشه بنت الميداح، عن طريق وسيط هو سيدي عبد الله ولد محمود، من قادة حركة الحر، ثم أوصل كل ذلك إلى بحام.. شهود هذه المرحلة مازال أغلبهم أحياء والحمد لله.. أسألوهم..
سؤال: بفعل موقعكم كقائد للمنطقة العسكرية السادسة وعضو في اللجنة العسكرية للخلاص الوطني، كنتم المسؤول الأول لنظام هياكل تهذيب الجماهير، وهو نظام يقال إن الحكام العسكريين للبلد، بمن فيهم شخصكم، أنشأوه خصيصا لتكريس القبضة البوليسية لحكم الرئيس ولد هيداله وإقصاء أي نوع من أنواع التعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير.. ما طبيعة تلك الهياكل على وجه الدقة؟
جواب: أولا تنظيم هياكل تهذيب الجماهير شكل أول مبادرة من اللجنة العسكرية الحاكمة، آنذاك من أجل خلق إطار جامع، لتأطير الشعب وتوعيته.. لقد أشرفت على تأسيس ذلك التنظيم لجنة ضمت العديد من الأطر المدنيين، ولما أوكلت لي قيادة المنطقة العسكرية السادسة توليت قيادته على مستوى العاصمة نواكشوط، حيث كان قادة المناطق العسكرية يتولون إدارة هياكل تهذيب الجماهير على مستوى ولاياتهم.. وقد بدأت في العمل على تفعيل الهياكل والدفع بها إلى لعب دورها بشكل حيوي في نواكشوط التي تشكل المركز المحوري بالنسبة لباقي مناطق البلاد الداخلية..
وهكذا بذلت قصارى جهدي لإقناع الأطر المدنيين بالتعاون معنا في هذا الإطار، وقد كانوا يأبون التعامل مع العسكر، فأعددنا برنامجا شاملا تمت طباعته ونشره على شكل كتاب..
كان من بين أولئك الأطر البروفسور الشيخ سعد بوه كمارا، والمرحوم سيدو كان، والوزير اسلم ولد محمد، ومحمد ولد بابته، والوزير محمد ولد الحيمر، والمرحوم حاجي ولد سيدينا، وكذلك الأستاذ محمد الأمين ولد سعد بله، وكمارا بكاري، والوزيرة ديي با وأحمد الطائع شقيق الرئيس معاوية ..
هياكل تهذيب الجماهير لم تكن جهازا بوليسيا ولا إطارا لتكريس الشمولية والديكتاتورية.. الدولة لديها أجهزتها الأمنية ومخابراتها، ولا تحتاج للهياكل ولا غير الهياكل في هذا المجال.. ثم إن كل هذه الشخصيات التي ذكرت أسماءها للتو، معروفة بحرصها على الديمقراطية ولا يمكن وصف أي منها بأنه يدعم الشمولية أو الدكتاتورية.. حقيقة الأمر أن هياكل تهذيب الجماهير، كما تدل على ذلك تسميتها، عبارة عن إطار لبناء المواطنة الحقة وتنمية الروح المدنية لدى جميع الموريتانيين..
وقد نجحنا، من خلال هذا النظام، في إزالة الفوارق الاجتماعية وإرساء أسس المواطنة من خلال القضاء على عقليات الانتماء الضيق مثل القبلية والجهوية والإثنية.. الخ..
هذا النظام كان أساسا متينا للديمقراطية، وهذا ما تبين لاحقا عندما قررت اللجنة العسكرية؛ في عهد الرئيس السابق معاوية ولد سيدى أحمد الطايع؛ إقامة التعددية السياسية عبر دستور 20 يوليو 1991؛ حيث تم ذلك التحول، بشكل سلسل، بفضل وجود تنظيم هياكل تهذيب الجماهير الذي تم تجديده بالكامل من الخلية إلى اللجان الجهوية، مرورا بالأحياء والمناطق ولجان المقاطعات..
سؤال: شهد عهد الرئيس محمد خونه ولد هيداله، والذي كنتم من أبرز معاونيه العديد من عمليات تصفية الحسابات كان ضحيتها بعض كبار الضباط في القوات المسلحة.. ذلك ما يرويه بعض من عايشوا تلك الفترة عن قرب.. ما ردكم؟
جواب: حين كان الرئيس محمد خونه ولد هيداله على رأس اللجنة العسكرية للخلاص الوطني، كانت القرارات تتخذ بإجماع أعضاء اللجنة، وهذا في حد ذاته يؤكد أن فكرة التصفية التي تحدثتم عنها غير واردة أصلا..
أحيانا يتم تحويل قائد من منطقة عسكرية إلى أخرى، ومن موقع لآخر، وهو إجراء روتيني عادي يتم في كل الدول، لكن ربما لا يستسيغ البعض ذلك من زاوية مصلحته الشخصية.. ولا أنفي أنه قد تتم إقالة ضابط ما على أساس تقارير تصدر عن القيادة التي يعمل بها؛ وأنا شخصيا تمت إقالتي من قيادة المنطقة العسكرية السادسة في مارس 1984 ولم اعتبر ذلك تصفية حساب ضدي..
كل الأمور التي كانت تتم خلال فترة حكم محمد خونه ولد هيداله نحن مسؤولون عنها جميعا، كأعضاء في اللجنة العسكرية للخلاص الوطني؛ الرئيس ولد هيداله، ومعاوية ولد الطايع، واعل ولد محمد فال، ومحمد ولد لكحل.. وبقية أعضاء اللجنة.. وأؤكد من منبركم هذا أنني أتحمل كامل المسؤولية عن فترة قيادتي للمنطقة العسكرية السادسة ووجودي ضمن اللجنة العسكرية للخلاص الوطني..
سؤال: يقال إنكم استخدمتم نفوذكم للضغط على الرئيس ولد هيداله من أجل الإفراج عن مجموعة من أطر حركة الحر الذين قد اعتقلوا في مدينة ازويرات.. هل كان ذلك بدافع تعاطفكم مع تلك الحركة أم لمجرد وجود شقيقكم ضمن الموقوفين؟
جواب: للسببين معا.. لكن لم يكن هناك أي ضغط ولا نفوذ على الرئيس محمد خونه ولد هيداله، خاصة وأنه لم يكن ممن يرضخ للضغط أو الإملاءات.. الواقع أن علاقتي بالرئيس ولد هيداله علاقة ثقة واحترام عميق؛ حيث أن تاريخنا معا طويل، إذ يعود إلى سنة 1972 حين جئت إلى النعمه محولا من روصو.. لقد كتب البعض في قيادة الأركان تقارير مؤداها أنني يجب أن لا أكون من القادة العسكريين لأنني من الحراطين؛ لكن الرجل لم يأبه بذلك مطلقا.. فقد ذهب ذات مرة في مهمة، فاغتنمت غيابه لأطلع على المراسلات السرية في مكتبه حتى أعرف إن كان ما يشاع عنه في بعض الأوساط من أنه إقطاعي يقوم على أساس من الصحة أم لا.. يومها اكتشفت مدى نزاهته ووطنيته وعدالته.. ومنذ ذلك التاريخ توطدت صداقتنا..
وبخصوص الواقعة التي تحدثتم عنها، أقول لكم إنه بعد أن أصبح محمد خونا ولد هيداله نائبا لرئيس اللجنة العسكرية ورئيسا للوزراء تم تحويلي من انواذيبو إلى قيادة المدرعات في ازويرات، وبما أنني سبق أن تعرفت على ولد هيداله عن قرب ونشأت بيني وبينه علاقة صداقة وثقة، وعرفت نزاهته وتمسكه بالعدالة، فقد جئت إليه وطلبت منه إنهاء قضية هؤلاء المعتقلين فأمر بتسريع محاكمتهم حيث قضت العدالة بإخلاء سبيلهم، بعد أن ثبتت براءتهم.. هذا كل ما في الأمر..
قلت إنني فعلت ذلك أولا لأن أخي الذي أشرتم إليه تعرض للظلم من قبل بسبب مشاكل ميفرما سنة 1966؛ وثانيا لأنني كنت متعاطفا مع كل مناهضي العبودية حيث بدأت النضال ضدها في سن مبكرة كما أسلفت، انطلاقا من انتمائي لمجتمع البيظان، وهو انتماء لا منة لأحد علي به؛ مثلما لايمكن لأي كان حملي على أن أكون غير ذلك.. هذا قدري وواقعي وأنا افتخر به واعتز به أيما اعتزاز.. لكن أخي مالك لم يكن الوحيد المعتقل في انواذيبو، بل كان معه أحمد ولد الحيمر، ويرب ولد امبيريك، واحمتو ولد ابياه، ولولاد ولد مسعود، وبمب ولد أخويرو، ومحمد ولد عيسى.. وهذه هي القيادة التي تأسست في الشمال في الستينات.
وعلى ذكر نضالات حركة الحر، اسمحوا لي بالتنويه إلى أن مجموعة من قادة هذه الحركة التاريخيين أعلنوا عن ميثاق واضح انخرط فيه لحراطين والبيظان معا، وهو ميثاق الحقوق المدنية الذي التف حوله الجميع.. تم إعلان هذا الميثاق ليكلل نضالات دامت 40 سنة في سبيل تحقيق الاندماج الكامل لمجتمع البيظان بمن فيهم لحراطين.. الرجال الذين وضعوا هذا الميثاق وطنيون شرفاء؛ من واجب الدولة تكريمهم وتثمين نضالهم التاريخي، يرأسهم إعلامي والدبلوماسي المخضرم من حجم السيد محمد سعيد ولد همدي، أول رئيس للجنة الوطنية لحقوق الإنسان بموريتانيا..
وأنتهز هذه الفرصة لأكد أن ميثاق من أجل الحقوق السياسية والاقتصلدية للحراطين، ليس سياسيا ولا يعمل لأية جهة سياسية، وإنما هو هيئة تناضل من أجل وحدة موريتانيا واستقرارها.
ولا يفوتني، في هذا المقام، إلا أن أشيد بالأخ محمد سالم ولد الهيبه، رئيس مؤسسة أتلانتيك ميديا، الذي كان لي الشرف أنني ممن أشرف على تكوينه في أوسرد بتيرس الغربية، وحرصه على أن يكون أول من يتناول الكلام خلال الندوة التي تم تنظيمها مؤخرا في فندق وصال، هو هذه الشخصية الوطنية المرموقة المتمثلة في السفير والعميد محمد سعيد ولد همدي رئيس الميثاق..
عن أتلانتيك ميديا