يخوض بعض السياسيين والإعلاميين حربا لاهوادة فيها، شعارها التخويف من طوفان هجرة جديد وضرب النسيج الإجتماعى للبلد، وباطنها تقويض الحراك الدائر منذ فترة فى أروقة صنع القرار بموريتانيا بغية تخفيف الأعباء الاقتصادية والأمنية التى تتحملها البلاد بمفردها منذ سنين ، بفعل الأجواء الصعبة فى المحيط المجاور (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) واستحالة صد أشقاء الدم والجيرة وبعضهم يواجه المجازر بشكلٍ يومي فى المناطق الحدودية الشرقية والجنوبية، بفعل ما آلت إليه الأمور بالمنطقة منذ انهيار الحكم المركزى بباماكو ، وانفجار الوضع فى ليبيا والسودان.
تحتضن الحوض الشرقي وحدها منذ أكثر من 12 سنة أكثر من 100 ألف لاجئ ، وتضاعف العدد إلى 150 ألف خلال الأشهر الأخيرة، وهنالك أكثر من سبعة آلاف لاجئ يتمركزون قرب عدل بكرو دون مخيم إيواء منذ سنتين أو الاعتراف بهم من طرف مفوضية اللاجئين العليا لأسباب معلومة لأهل الاختصاص.
خلال فترة ماضية زرت عاصمة الشرق الاقتصادية (مقاطعة عدل بكرو) مستفسرا عن أوضاع السكان والمقيمين فى المناطق الحدودية ، وكان لافتا حجم النازحين من الحدود إلى القرى المجاورة؛ وحينما سألت ضابط الدرك الخلوق الذي كان يتحرك على الشريط الحدودى عن آلية ضبط المهاجرين الوافدين إلى المناطق بهذا الحجم الكبير ، خاطبني قائلا "ضبط الأسماء وحركة العناصر وعدم النوم فى النهار أو الليل .. " إنها الخيارات الوحيدة المتاحة فى ظل رفض المنظومة الدولية إقامة مخيم جديد للاجئين خارج فصالة، واستحالة تحويل المهاجرين من المناطق المحاذية "عدل بكرو " و"بوسطيله " إلى مخيم أمبره الحدودى؛ بحكم الصراع الإثنى بين مكونات الدولة المالية، والثأر القائم بين ضحايا "فاغنير " اليوم ؛ حيث كانت الحرب تدور خلال العقود الماضية على أساس عرقى بين الفلان والطوارق والعرب والسونغاي، قبل أن تجمع الظروف القاسية والتهجير القسرى كل مكونات الشعب المالى.
يحق للحكومة الموريتانية بل ويجب عليها أن تطلب مساعدة الأوربيين فى مواجهة الضغط المتزايد للهجرة بحكم مايتطلبه الأمر من تأمين وإعاشة وإيواء، ويستحيل فى حقها غلق الباب فى وجه المهاجرين إليها هربا من الموت القادم من الشرق، أو بسبب سياسات الغرب الخاطئة فى المنطقة ، كما أنها معنية بتعزيز أجهزة الأمن سواء تلك المكلفة بالبحر (خفر السواحل) أو الكتائب العسكرية والأمنية المرابطة على خط النار بين الشريط الرابط بين فيرني غربا وأنبيكت لحواش شرقا، لتأمين مواطنيها ومنع الفارين من الحروب من استغلال مواقع الإيواء لمواجهة الطرف الذى تسبب فى مأساة النزوح ، إننا ببساطة نتحرك وفق معادلة تجمع بين الموقف المسؤول من قضايا الجيران ومعطيات الأمن الملزمة للتحرك بشكل جدى، واستغلال أدوات الضغط المتاحة لمزيد من إجبار الآخرين على التعاون ..
لا أتوقع أن يطلب منا دعاة الوطنية الجدد إعادة تجربة معبر رفح قرب فصاله أنيره، وحفر الخنادق ونصب الأسلاك الشائكة فى وجه "صمب" و"جلو" و"كوناتي" و"سيد أعمر" و"بادي" والبكاي" و"سالم" ، أو تحمل الأعباء الباهظة لمواقف الشرف والنخوة التى أتخذناها دون إشعار الأوربيين وأمريكا بأن عبئا أخلاقيا تسببوا فيه يجب أن يتحركوا لتحمل بعض تكاليفه المالية على الأقل، راجين من الجيران أن ينتبهوا أيضا لحجم الحرج البالغ الذى تسببوا فيه للإنسانية جمعاء ، جراء نزيف الدم المستمر والهروب الجماعى للأطفال والنساء والشيوخ تحت وطأة القتل العشوائى والسياسات الخاطئة التي تدار بها تلك البلدان، والحرب الدائرة من أجل كراسى مفصولة دون أخذ فى عين الاعتبار لما ستؤول إليه الأمور .
لكنها الشعبوية المدفوعة بالجهل للوضع القائم ، وغياب أي رؤية سياسية وفكرية لدى المتصدرين للشأن العام؛ مما يحول الجهود المبذولة من رافعة للتنمية وتأمين جدى لمصالح الدولة الموريتانية إلى قضية خيانة عظمى فى رأي البعض ، وكأنه فعلا عبر إلى الضفة الأخرى وباتت مصالح الأوربييين أهم عنده من مصالح بلده، محاولا عبر الضغط الإعلامي والسياسى خلق عداء بين الشعب وحاكمه، وإجبار صناع الإستراتيجية الموريتانية على البوح بما يضر مصالح البلاد حقا لا تزييفا، لإرضاء فضول البعض فى الإطلاع على ما لايفهمه أو يفيده.
سيد أحمد ولد باب / كاتب صحفي