علمتُ هنا أن كل حكومات موريتانيا منذ الاستقلال، صرفت أموالًا طائلة في التنقيب عن الماء بهذه المنطقة الآهلة بالسكان، والتي تضم أجزاء كبيرة من لبراكنة ولعصابه وتكانت، وكانت النتائج في كل مرة تؤكد استحالة الحصول على مورد مائي جوفي..
ومع ذلك تأتي حكومة أخرى وتُفند النتائج الأولى، وتتعهد للسكان بالماء، وتصرف أموالاً أخرى وهكذا ..
أنا مثل بعضكم، أمرُ بهذه المنطقة دائماً، ولم أكن أعلم أن أهلها أدمنوا العطش، وتعودوا على خلف الحكومات لوعودها، والأكيد أن منكم من لا يعلم حتى أن منهم من لا يصدق اليوم أن الماء الزلال سيصلهم، وبكميات تتجاوز حاجياتهم وحاجيات مواشيهم..
تشترك حكوماتُ الرئيس ولد الغزواني مع الحكومات السابقة في تعهدها بتوفير الماء للناس هنا، وتعهد الرئيس شخصياً لأغلب سكان قرى آفطوط الشركي بأن يروى ظمأهم، ولكنهم يائسون من الوفاء بالوعد، لِفرط ما أخلفتهم الحكوماتُ ما وعدتهم به.
لم يتحقق الحلم بعد، لكنه قاب قوسين أو أدنى بعد تدشين ولد الغزواني، قبل قليل، لمشروع ضخم، لجلب المياه من نهر السنغال إلى حوالي 165 قرية في الولايات الثلاث (لبراكنه، لعصابه، وتكانت)، وعبر أنابيب من الاسمنت المدعم، وليس أنابيب (كاوتشو) إضافة لتوفير الري لـ3500 هيكتارا..
" وقد عبَّر المواطنون بمختلف فئاتهم عن فرحتهم بزيارة رئيس الجمهورية، واصطفوا على جنبات الطريق بين المطار والمكان المخصص لحفل الإعلان عن وضع حجر الأساس، بمدينة بابابي وهم يلوحون بالأعلام الوطنية، منشدين أهازيج وأغاني فلوكلورية شعبية ترجمتٔ ترحيبهم واحتفائهم بمقدم فخامة رئيس الجمهورية، و تثمينهم للإنجازات التي شهدتها مختلف مناطق البلاد وولاية لبراكنه بصفة خاصة خلال هذه المأمورية".
عفواً، تلك فقرة من الخبر بصياغته الرسمية، التي لم تتغير منذ خطاب الرئيس محمد خونه ولد هيداله، حفظه الله، في الرابع والعشرين إبريل 1983، وبالمناسبة، وإذا كنتم تتذكرون الرابع والعشرين، الفاصل بين تن اسويلم وبوحديده، فهو سميُ ذلك الخطاب وتلك المناسبة.
ربما تعود الصياغة الرتيبة هذه لفترات قبل هذا التاريخ، لكنها الفترة التي بدأتُ فيها أعي نسبياً ما تقوله نشراتُ أخبار إذاعة هياكل تهذيب الجماهير.
يشترك إعلامُ حكوماتُ الرئيس ولد الغزواني مع الحكومات السابقة في التعتيم على مشاكل المواطنين، فمن منكم كان يعلم بعطش 165 قرية في (لبراكنه، لعصابه، وتكانت)، قبل هذا المشروع الذي سيزودها بالماء من النهر عبر أنابيب من الاسمنت المدعم؟ وليس أنابيب (كاوتشو) إضافة لتوفير الري لـ3500 هيكتارا؟ أيكم كان يعلمُ ذلك؟
كان على مشروع، كهذا، أن يُعطى زخماً إعلامياً كبيراً، وخاصة أنه يستهدف منطقة فقيرة، مكتظة بالسكان، وفي وجه الانتخابات الرئاسية..
والأكيد أنه لو كان مجردُ تدشين حنفية في قرية واحدة، محسوبة على وجيه سياسي لتصدعت رؤوسنا من الدعاية لها، ولقيل إنها حلّت جميع مشاكل العطش والجوع وربما العنوسة والمس من الجن..
هبْ أن رئيس البرلمان محمد ولد مكّتْ هو الذي دشن حنفية في إحدى قرى لبراكنة، أو أن مدير ديوان رئيس الجمهورية الوزير المختار ولد اجاي هو الذي فعلها.. هل ستقفُ الدعاية لها على مجرد تغطية إخبارية في الاعلام الرسمي؟ لا طبعاً.. هب أن الشيخ أحمد أبو المعالي افتتح حنفية في صنكرافه.. هل ستقفُ الدعاية لها عند هذا الحد؟ لا طبعاً..
مع ذلك لن أقتنع أن مشاريع الحكومة خالصة لوجه الله.. والصفحة مقرصنة..
عبد الله ولد اتفغ المختار