تجمع ساكنة لعصابة في ساحة الولاية بمدينة كيفة وهم على موعد مع استقبال ابنهم المرشح الرآسي محمد ولد الشيخ الغزواني فكان منهم من يريد الترفيه عن نفسه ومنهم من اخرجته شدة الحر ومنهم من جره الفضول ومنهم ...ومنهم من هو في أقصى حالات الألم والوجع والضيق من العطش بعد طول الانتظار، ومنهم من تحز في نفسه وعورة الطريق ،والعزلة في العودة إلى منزله ،وخيمته وعريشه...
لكنهم لم يتسرب الكره يوما لقلوبهم اتجاه اخوتهم، ابناء مدينتهم الحبيبة (كيفه)،مهما كانو وكيف كانو
مدينتهم التي أحبوها بصدق حب الأمهات العفيفات القديمات.
و قد غصت ساحة المدينة بالشبان والشابات الذين وجدوا أنفسهم أبناء لأباء يعشقون الحضورمعهم، وكأنهم جميعا بعمر العشرين ،وفي كل مرة ينادى عليهم لحملة فيحضورون ويحشرون ، لأنهم لا يعرفوا غير لغة الحضور، بدون حوار ولا نقاش .
كما وجدوا أمهاتم هنا بنفس الساحة وهن يعانين في حضورهن بنهم، فهن مجبرات على الحضور ،و القيام بأعباء الزغاريد، والحشد للحفل نهاراً .
فلما تأخر الوقت وقرب الليل ،مع تأخر موكب المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني ،وجد الجميع شهوة في الانصراف، بسبب طول الانتظار، لكن أزواجا واخوة بقوا ينادون عليهم أن اصبروا وصابروا ...وهي نداءات لم تعرف بعد إلى اسماعينهن سبيلا، ولعل بعض الأبناء وجد الطريق لنسف أوامر الانتظار ونداءات الانتظار المتتاليةممن هناك على منصة الشرف وكأنهم بندائهم في خرف ...
كيف لا يستجبوا !! وهل فعلا كانو يحبون مدينتهم بصدق وحنو؟ انه الحنق ،واللعب بالنار لا هوالحب والفرح ...فالمنصة ستفتقد حماس ووهج حضن الشباب والنساء... وعذرهم في ذلك انهم اهلكهم العطش وأضناهم الانتظار وسيذهبون باكراً للحقول العقيمة أو لأعمالهم اليدوية مع آخرين جشعين ،بعضهم فوق المنصة منبهر ،لأنه ينادي ولكن لا حياة لمن ينادي.
ليس هذا الانسحاب كرها في البقاء من أجل الانتظار، لكنهم غير قادرة على ذلك للياقتهم وضعفهم.ولكن الاستغناء عنهم في لحظات الحشد هذه ،أمر يصعب في هذه الساعة على كل الابناء الأثرياء.
اذا لم لم يكن صفو الوداد سجية::فلا خير في ود يجيئ تكلفا
لقد يستغني الفايز عن حضن أمه حين ينبت ويقوى لكنه لن يقوى على الاستغناء عنه حين تضعف قواه ويخور ...
إن الأشواك الكثيرة التي لم تدع مكاناً لهذه الرؤس الموجوعة لتستند إلي ابنائها، قدخلقت ذلك الكره الآني لمن يناديهم للبقاء بالساحة، وهو في اقصى النادامة على تركهم له بعدما خانهم وغدر بهم بعد طول خمس اوكثر في هيام ...
إن الحنين للوطن هو وحده أكثر من جمع كل هذه الجماهر بالساحة لاستقبال ابنهم وسيجمعهم مرات ومرات، حنينهم لابتسامات أمهات واخوة وأخوات ..حنينهم لرائحة امهم الأولى مخلوطة بزيارة مضارب الأهل والأحبة...
وحبب أوطان الرجال إليهم:مآرب قضاها الشياب هنالك
من يعرف مدينة كيفة جيدا مثلي يحبها أبداً ويعطي من أجل الجياد واكرام بنات العم...
وقد تعشق الأرض التي لاهوا بها ::ولا ماؤها عذب ولكنها وطن
يحيى بيّان