لكي تدعم الديمقراطيةُ وحدةَ أي بلد و تخدم ثقافته و تحترم تقاليده ، لا بد أن تستجيب لواقعه .
و تصبح الديمقراطية مسخا ثقافيا و حضاريا ، حين تُلزم أي شعب باستنساخ ديمقراطية أي آخر أو اعتبار الديمقراطية وصفة طبية ، محددة الجرعات و المواقيت : في كل بلد ديمقراطي يوجد يمين معتدل و يسار معتدل و يمين متطرف و يسار متطرف .
و الخلافات بين هؤلاء الفرقاء تكون عادة ثقافية و اجتماعية و دينية ..
هذا لمن يعتبرون المجتمع التقليدي في بلدنا عبئا على الديمقراطية و معرقلا لها ، ناسين أن تمسكه (في الغالب) بأي نظام هو الأعمق من بين كل برامج المترشحين ، لأنه يرتبط بدين المجتمع و استقراره و ثقافته ..
من يعطي صوته اليوم لبيرام ، يدرك حتما أنه يعادي دين المجتمع و ثقافته و تقاليده ..
و من حق البعض أن لا يعتبر الدين و الثقافة أولوية سياسية في هذا البلد ، لكن من حق بعض آخر أن يعتبره خطا أحمر قبل كل الأولويات . و هذه هي الديمقراطية و تلك هي أسباب الخلاف فيها في كل بلد..
و يخطئ من يفصل رجال المال و الأعمال (في مواقفهم) ، عن المجتمع ..
و يخطئ أكثر من يعتبر أن لا دين و لا ثقافة لهم غير الدرهم ..
أن تصبح من أثرياء أي بلد ، يعني أنك تتمتع بذكاء كبير و قبول جيد عند الآخرين ؛ فأين العيب في ذلك ؟
و دور رجال الأعمال في أي بلد لا يقل أهمية عن دور الدولة ؛ في التوظيف و الاستثمار و حماية الأسواق و المساهمة في خلق ثورة صناعية ، لا يستطيع أي بلد الإقلاع من دونها ؛ فأين العيب في أن يدعموا من يوفر لهم أهم عوامل الاستقرار !؟
و تتحول الجيوش و الأمن إلى عصابات مسلحة ، إذا لم تخضع للنظام و تأتمر بأوامره ؛ فلماذا يعتبر البعض انضباط جيشنا و أمننا ، معرة و انتكاسة في وجه الديمقراطية !؟
و إذا كان من العيب (احترافيا) ، على جيشنا و أمننا ، أن يرد على حماقات الجاهل بيرام بانقلاب أو بقتله أو سجنه مدى الحياة ، يظل من واجبه المقدس (مثل كل جيوش العالم المتقدم ديمقراطيا ) ، أن يُحكِمَ سد طريق الوصول إلى الكرسي في وجهه بكل الطرق الديمقراطية و عليه (كما يحدث في العالم كله) ، أن لا يخفيها ..
أنا اليوم راض باعتزاز عن الديمقراطية الموريتانية لأنها فهمت كيف تحمي القضايا الكبرى في العمق ، من دون المساس بالشكل ، الضروري أحيانا لإسكات من لا يفهمون من الديمقراطية غير الشكل ..
الديمقراطية في البلدان المرجعية في مجالها ، تدار بخبث لا يفهمه المتشدقون بها في بلدنا ..
أحمد ولد داداه عضو الاشتراكية الدولية و عضو الفرانكوفونية بالانتماء و الوراثة . لم تستطع فرنسا رغم طرد ولد الطائع لها من البلد ، أن تفرضه لا بالديمقراطية و لا بالانقلابات و لا بالحيل ، بعد كبوته المشهورة !؟
على السياسيين في موريتانيا أن يفهموا أن العالم تحكمه الجيوش و أن الديمقراطية مجرد حل وسط بين حكم القوى الناعمة و الخشنة في أي بلد مهما كان ذكاء كذبته ..
من الخطأ اليوم أن تنتهي هذه اللعبة من دون أن يفهم بيرام و كل أمثاله ، أن من يعادي بلدا و يرضى بالعمالة لأعدائه ، لا تتركه الحيوش يترشح إلا لمكر يرد له الصاع بألف صاع ..