إن محاكمة أصحاب عشرية الرئيس السابق عزيز قد مثلت عدولا صريحا عن الحكمة المتضمنة لما عرف عند الموريتانيين ب "عفي الله عما سلف" ومهدت لاحتمال محاسبة أي نظام جديد من طرف خلفه.
وعلى هذا الأساس يتوجب على من يعتبرهم الشعب مسؤولين عن عشرية غزواني أن يفكروا اليوم قبل غد في خطة تمنعهم من الأعداء المتربصين بهم تأسيا باللجنة البرلمانية التي أعدها بحق أو غير حق نظام غزواني وحاول بموجب نتائجها محاسبة أكثر من 300 شخص تعتبرهم غالبية الشعب مفسدين ومجرمين اقتصاديين وسياسيين، بعبارة أوضح: على غزواني أن يعمل على فرضية أنه سيحاسب بعد 10 سنوات على تسييره في رئاسة الجمهورية بالإضافة إلى المناصب السامية التي تقلدها في السابق مثل إدارة الأمن العام وقيادة الأركان ووزارة الدفاع وعلى أن نفس المصير سيلقاه من تعتبرهم العامة والخاصة أداة لحكم غزواني طيلة عشريته (2019ـ2024) ومن بين هؤلاء عسكريون وأمنيون وإداريون ومدنيون تنفذوا باسم المنصب والقرابة والقبيلة والمصاهرة والعلاقة الروحية مع الأسرة الغزوانية.. إلخ.
وبخصوص الخطة المطلوب اتباعها لمواجهة كل الاحتمالات قبل فوات الأوان تبدأ بالعمل الجاد على إنجاح غزواني وعلى احتواء الوضع ابتداء من يوم الاقتراع إلى ما بعد إعلان النتائج الأولية والنهائية وتحقيق بعض الضروريات ومنها الأمثلة التالية:
1. مراجعة الهيكلة التنظيمية للحكومة وتشكيلة حكومية تغييب عنها الأوجه الوسخة التي تم استخدام أصحابها من طرف نظام غزواني والأنظمة التي سبقته (رميها بعيدا عن الأنظار في قمامة الداخل أو في الخارج) واختيار من يبعث تعيينهم أمل التغيير في نفوس المواطنين ويهيئهم للتعامل مع النظام الجديد طيلة الفترة 2024ـ2029 وما بعدها؛
2. الإعلان عن برنامج واضح المعالم والأهداف يتم تنفيذه فعليا في الفترة المتبقية من السنة الحالية 2024 ويجب أن تشمل أولويات ذلك البرنامج تخفيض أسعار المحروقات والمواد الغذائية والطبية ومواد البناء وأدوات الزراعة ومدخلاتها ومراقبة أسعار التجارة على أن تكون أرباح التجار تتناسب مع الأسعار في المنشأ وتكاليف النقل الدولي وفي الداخل والجمركة ثم ضمان السلامة الصحية لكل واردات البلد من مواد غذائية ودوائية وغيرها؛
3. مراجعة البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورين ليتناغم مع طموحات الشعب وليس طموحات من صاغوا ذلك البرنامج آملين أن يكون لهم نصيب في تطبيقه من حيث الاستفادة الشخصية (تقليص البرنامج إلى محاور محدودة ذات الأولوية مصاغة بأسلوب "ما قل ودل" على ألا يشكل نصه أكثر من 40 صفحة تقريبا؛
4. ترجمة نتائج تلك المراجعة في برنامج مفصل للحكومة وفي استراتيجيات إصلاحية للقطاعات الوزارية تمتد من 2025 إلى 2029 وتكون فيهما الأولوية لما يلي:
• إطار مؤسساتي وقانوني يهيئ لدولة المؤسسات وسيادة القانون: هيكلة التنظيمية (organigramme de l'Etat) وترسانة قانونية يترجمان الإصلاحات المنشودة ويضمنان تطبيقها ميدانيا ونذكر هنا ب:
• إعطاء الأسبقية في التعيينات للموظفين من أصحاب الخبرة والتجربة بدلا من الوضع الذي عشناه فترة عزيز وطيلة مأمورية غزواني الأولى والذي تميز أساسا بإبعاد الموظفين (fonctionnaires) وإحلال الوكلاء محلهم، من جهة وبعدم احترام القوانين والأعراف الإدارية، من جهة أخرى.
• مراجعة أجهزة الرقابة المالية: إلغاء المفتشيات الداخلية في الوزارات عموما وفي وزارة المالية خاصة وكذلك المفتشية العامة للدولة وتعزيز دور محكمة الحسابات بما يضمن توقف سرقة المال العام وتطبيق مبدا المكافأة والعقوبة والمحاسبة؛
• زيادة المخصصات المالية الموجهة لمشاريع الاستثمار لصالح خريجي الجامعات والمؤسسات المهنية واستحداث إعانة البطالة لمن لم يحصل على مشروع وبالمناسبة قد يكون القضاء على مؤسسة التآزر وما شابهها وتوجيه تمويلاتها لهذا الغرض جزءا من الحل لهذه القضية
باقتصار يجب على الرئيس غزواني أن يعمل على نيل ثقة المواطنين بعد فشله الذريع طيلة مأموريته الأولى ليتسنى له اختيار خلفه بطريقة سلسة وضامنة لإنجاحه سواء كان ذلك الخلف من بين العسكريين أو المدنيين، وهنا مربط الفرس بمعنى أن لا بد من اتخاذ قرار حاسم وبسرعة بشأن الاستمرار في سياسة تعاقب الضباط الكبار على كرسي الرئاسة أم سنتحضر ونحضر لنقل منصب رئيس الجمهورية إلى مدني يكون محل ثقة من يخافون ما تخبئه الأيام ومضمون الولاء لغزواني وأصحاب عشريته.
ولا جدال في ان لكل من الخيارين متطلباته خاصة به لكن يبقى تغيير نمط الحكامة والإنجازات الحقيقية أساس تقبل الأجيال الصاعدة لعسكري يلبس مدنيا أو ذئبا مدنيا في جلد خروف.
عفوا أقبل وأتقبل من القارئ أن يذكرني بان 2024ـ2029 فترة كافية لتحصل فيها مفاجئات تعجل وقوع ما نخافه ويتمناه الأعداء أو تبعد كليا شبح ما يخافه المواطنون الشرفاء ويحذرونه
د. سيدي المختار الطالب هامه