صدقة محمد قلي...
كنا كلما تأخر المطر يقيم كبار الحي وليمة معروفةيتصدقون بها نسميها في الشرق الموريتاني بصدقة محمد قلي
وهي عبارة عن غداء ، غالبا مايكون كسكسا ،أو أرزا بالمرق، أو هما معا، مع لحم كثير، يقوم أهل الحي بإعداد هذه الصدقة بعد مرور مدة من انتظار المطر أو تأخره عن موعده عادة في4 او14او24من يوليو من كل عام.
قد تحمل صدقة محمد قلي إلى المساجد، أو المحاظر القرآنية المتواجدة في الجوار، وهناك من يكتفي باستدعاء ابناء الحي لها أوما يجواره من محاظر وجيران ...
كبرنا داخل هذا العرف القبلي، فكانت عوائلنا تحمل الأرز وحبوب القمح باستمرار لمسجد الحي أو للفقيه الإمام المشرف العام على إعداد هذه الصدقة الفصلية المباركة وكان الطلبة والتلاميذ يجمعون على الساكنة الحبوب والخراف في كل موسم لإعداد هذه الصدقة المباركة ...
كان الجميع يترحم بهذه الصدقة على كل أموات أسرته، واموات المسلمين ،لأن الصدقة تجلب الرحمة وتذهب الذنوب وتنزل السلم مكان الغضب ،وتصلح ذات البين ،وتطيل العمر وتحفظ المسافر ،وتعيد الغائب..
فقد قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (إن البر والصلة ليطيلان الأعمار، ويعمران الديار، ويكثران الأموال، ولو كان القوم فجارا، وإن البر والصلة ليخففان سوء الحساب يوم القيامة) .
هكذا كنا حتى وقت قريب ننادي بها في الطرقات وعلى منابر المساجد وفي عرصات المنازل و(المرحان) ...
اذكر أنه ذات صيف طال انتظارنا للمطر فتم النداء عاليا من كل فج ب :الصدكا صدكت محمد قلي؛ وجمع من ذلك موائد انضجت وأعدت وكان من نصيب قدحي مع رفقتي من أبناء شيخ الحي وآخرين عربونا حلوا أكلناه بنهم كصلاطة تزهوا برائحة شاي 845 (الوركة الحلوة بعد رابع الكؤوس).
لكن بقي يحز في نفسي أن أحد اقراني رفع يده بمجرد أن صب لنا كريم الحي تلك الصلاطة على قدحنا ،اكراما لنا،وهو لايعلم أن زميلي لا يأكل الوركة ولا يحب ريحها أمام أعين الناس ...
اكلنا الوركة مخلوطة بالكسكس والمرق في أسرع من لمح البصر
فكان ماكان مما لست أذكره ::فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
وماهي إلا ساعات لبدت السماء بالغيوم وانهمر المطر مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : (إن أسرع صدقة إلى السماء أن يصنع الرجل طعاما جيدا ثم يدعو إليه ناسا من إخوانه) .
رحم الله سلفنا وبارك في خلفنا وجعلنا ممن يصنع المعروف إلى من هو أهله ،وإلى غير أهله،فإن أصبنا أهله،أصبنا أهله،وإن لم نصب أهله،كنا أهله.
فقد أخرج الحاكم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا، هم أهل المعروف في الآخرة، وإن أهل المنكر في الدنيا، هم أهل المنكر في الآخرة) .
يحيى ولد بيّان