خَذَ الراحلُ: محمد فال ولد عمير -رحمة الله عليه- حظا وافرا من القَبول والمحبة ورضى الناس، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء،
وكان هذا الإعلامي المخضرم على كفاءته العالية موطأ الأكناف، يألف ويؤلف. يجذبك في شخصيته تواضعه وأريحيتُه، وقد اختطفه الإعلام من التعليم.
عرفتُ الراحل أيام كنتُ طالبا بمحظرة العون للتعاليم الإسلامية، وفي سنة 1993، بالضبط، حينها كان لا يكلفنى ولوج مقر جريدة القلم سوى بضع دقائق لقِصَر المسافة بين مسجد الشرفاء وسط العاصمة ومقر الجريدة غرب عمارة ولد المامي، كنتُ أرمق رواد الصحافة وجيل التأسيس فيها بعد دستور 20 يوليو 1991.
وقتها ساهمتُ بمقالات متواضعة، لا تخفى لغتها القاموسية، وضحالة محتواها من السياسية والوعي الثقافي بَيِّنُُ، ومع ذلك استقبلَ هؤلاء محاولاتى وكانوا يغضون الطرف عن المستوى العادي، ربما تشجيعا.
كان الإعلامي المخضرم: محمد فال ولد عمير وَسَطُُ بين تلك النخبة الصحافية: حبيب ولد محفوظ، هندو عينينا، محمد فال ولد سيدي ميله، الحسين ولد محنض، وأتمشى إلي هذا الأخير في مقر جريدته شرق دار العلامة اب ولد ان، القديمة، العمارة الشاهقة الآن على مفترق طرق إدارة الضرائب والتي بها بعض مكاتب قطاع الصحة.
التقيتُ الفقيد العميد -رحمة الله عليه- في مناسبات سياسية عديدة، كما فى روصو عند استقبالنا لبعض ضحايا الإرث الإنساني 2007، أو 2008، لا أذكُرُ تحديدا، وأثناء تولى الرئيس طيبِ الذكر: سيدي ولد الشيخ عبد الله قيادة البلد، وكان: ولد عمير، يحلل ويعلق لاهتمامه البالغ بالتجربة، وقناعته بضرورة التعايش وترميم الوحدة الوطنية، وتسوية مخلفات القضية اجتماعيا وقانونيا وسياسيا.
وأعجبنى في الرجل حينها رغم موقعه المرموق، أنه يحرص على مهمة التقصي والمعاينة بنفسه، وكتابة التقارير وانتزاع التصريحات من السياسيين والحقوقيين، بدل أن يوفد أحد طاقم جريدته، وكنتُ حينها في وفد قيادي من المعارضة صحبة أستاذي الرئيس: محمد جميل منصور، وسعادة السفير الدكتور: المختار ولد محمد موسى، والدكتورة زينب بنت الدده، وسيدتي الرئيسة: افو بنت الميداح، وصديقي الأستاذ المدير: أحمدو ولد الوديعة.
كنتُ أتحسر لكونى لا أقرأ تحليلات الفقيد في جريدة: (لاتريبين)، ولا أستفيد من مقالاته الصحافية، ولا تغطياته الواعية المهنية، فهو الافرنكوفوني المرموق، والعبد الفقير لا يُحسِن لغة موليير، لكن لم أُفَوِّت على نفسى يوما الاستقادة من عقله وحِلمه وتجربته الإعلامية الراقية.
حصل ذلك فى زياراتى له ببيته العامر لطفا وسيادة، فيعطينا من وقته، ويُجِلُّنا رحمة الله عليه،
وفي المكتب مديرا عاما للوكالة الموريتانية للأنباء، وكان يحرص على الجلوس حذوى في بهو المكتب العادي تاركا مقعده الرسمي، كرما منه وتواضعا، ناهيك عن اللقاءات العابرة بمناسبة وبغير مناسبة.
حُدّثتُ من الثقاة أنه كان رحيما بالفقراء والمساكين، ومجتهدا بعناية في تربية بناته وتطوير معارفهن، ونَقَلَ لى الثقاة أيضا أنه قَرّظَ نَعْيَ حبيب ولد محفوظ للدكتور الأديب جمال ولد الحسن، معلقا، على زميله ورفيق دربه: حبيب، رغم أنني الأقرب للراحل والألصق به، يقول: ولد عمير، فلن أزيد على ما تفضلتم به، وقد لا أتمكن، وهذا لإنصافه وتقديره وعبقريته.
تَحَلّقَت حول جنازته أمس بمسجد الرابع والعشرين جموع من كبار قادة الرأي، سياسيون وأساتذة تعليم عالِِ، وإعلاميون، وحقوقيون، ورجال دولة، وشباب ونساء غَصّ بهم المسجد، فجمع بين مكونات المجتمع حيا، في مختلف مساره المهني، وعكس ذلك تشييع جثمانه ومراسيم الغسل والصلاة والدفن، من مركز أمراض القلب بتفرغ زينه، إلى مسجد الرابع العشرين بالأحياء الشعبية، انتهاءََ بمقبرة لكصر، حيث وُورِي الثَّرى.
في الفقيد أعزي موريتانيا التي خسرت إعلاميا مخضرما وخبرة علمية راكمها الرجل، خلال مسار مُشَرِّف، ونعزي الأسرة الإعلامية بشقيها الرسمي والمستقل، وأهل بيته خاصة أرملته الكريمة المتواضعة البشوشة: ليلى، وكريمتَه: فايزه، والسيدة: عيشة وفاطمة بنات السيد ولد بوبكر، وباقي أفراد عائلته ومحبيه، إنا لله وإنا إليه راجعون، وإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلنصبر جميعا، ولنحتسب.
ولا حول ولاقوة إلا بالله، ولكل أجل كتاب.
عبد المالك ان ولد حنى، كاتب.