لا أحد يشكك في صعوبة الواقع الذى عاشته بعض الأطراف السياسية الداعمة لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني خلال الأشهر الأخيرة، وقد حسم الرجل أمره، وقرر الدفع باتجاه انتخابات رئاسية توافقية وتنافسية، لاتزوير فيها، ولامصادرة لحق راغب في الترشح، ولاترويع فيها لموظف قرر أن ينازل الرئيس أو يصوت ضده، ولامكان فيها للإكراه السياسي أو الإستهداف مهما علت لغة الشارع وتوزع حديث الخصوم بين تفنيد المنجز والمس تارة من صاحب الإنجاز، إنها أول انتخابات رئاسية في البلد منذ بداية المسار الديمقراطي خالية من شراء ذمم الناس بالتعيين أو المال السياسي قبل المسار، أو الالتزام بمكافئة انتهاء الخدمة لترغيب متردد أو حمل غير متحمس على الإدلاء بصوته أو تغيير قناعة معارض قرر أن ينحاز لطرف هنا أو هنالك.
لقد تعطلت بشكل واضح وملموس جلسات مجلس الوزراء الموريتاني، وخلت من الإجراءات الخصوصية في حالة الإنعقاد لحاجة تنموية ملحة، وأقتصر دور الداخلية خلال مسار المرحلة الحالية على الرعاية الكلية للمسار، والتأمين دون تمييز، وشلت أجنحتها في الداخل بفعل النصوص القانونية الناظمة للعملية الانتخابية، وتحول الوالي من موقع المتحكم في اللعبة بكل تفاصيلها إلى متفرج محايد، يصل الرئيس دون إجراء أي لقاء معه ، ويخطب في الناس دون حضوره ، ويختلف الكل ويتفق دون وساطة أو تدخل من أي إداري يحظى بمنصب في الجهة التي يعمل فيها، لقد عاش الناس أسابيع الحملة بكل حرية وإلتزام وحسن تسيير وتأمين ، وفتحت أبواب الاقتراع أمام الكل، في نفس التوقيت، وبحضور الكل وتحت مراقبة الكل ، ليختار الناس بكل حرية من يحكمهم لخمس سنين قادمة.
اليوم وقد أختار الشعب رئيسه بكل حرية ووضوح ، وأعترف الكل بفوزه وسلامة الاقتراع الذى أعاده لسدة الحكم من أجل مأمورية ثانية، وخرجت النتيجة النهائية للاقتراع مشابهة للمعلوم من نتائج الانتخابات التنافسية في العالم الحر ودون أن يتلقى المجلس الدستوري طعنا من أي جهة سياسية ، تبدأ مرحلة جديدة من مراحل التحول السياسي بموريتانيا، قال الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني إنها ستكون مختلفة عما سبق، وإن ملامحها جد واضحة. مأمورية للشباب وبالشباب، فيها للمواطن حق، والفساد فيه غير مقبول، والصرامة عنوانها الأبرز، والجدية أساسها ومصدر التكليف فيها هو الكفاءة والصدق والإخلاص للوطن. مأمورية فيها حلحلة لبعض مشاكلنا العالقة منذ الاستقلال إلى اليوم (المياه والكهرباء والتعليم)، وفيها تسوية لجراحنا النائمة دون إثارة للفتنة ، أو أخذ البريء بجريرة المذنب. مأمورية فيها تصان الوحدة الداخلية وتحمي الحوزة الترابية للبلد، ويعلى فيها من قيم المواطنة، وفيها لإصلاح العدالة نصيب وافر من الاهتمام والجهد والتخطيط، لما يشكله الأمر من أهمية في مسار بناء دولة المواطنة المنشودة، ولكونه الضامن الأبرز لسير الكل وفق خطوط يرسمها القانون ويحمي سالكيها من شطط السلطة، و غلو التفكير وسوء التقدير.
لايمكن للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يقوم بالمهمة وحده، فما هو إلا ربان سفينة أجمع جل السكان على أنه الأفضل في الوقت الراهن لبلد تحفه المخاطر من كل جهة، وتتقاذفه مطبات، أضعفها الفقر وأصعبها إرث السنين الغابرة. إنه بالفعل الرئيس الأقدر على مواجهة التحديات الكبرى، والأكثر معرفة بكواليس اللعبة السياسية، وأكثر الناس فهما لما يجرى من أحداث وأقدرهم على اتخاذ القرارات السليمة بكل هدوء وروية ودون خضوع للابتزاز.
يحتاج الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني – وهو يضع بتوفيق من الله عزل وجل أول قدم في المأمورية الجديدة- إلى بطانة ناصحة، ونخبة سياسية ناضجة، وتشكلة حكومية واعية وقادرة على رفع التحدي، بعيدا عن منطق المحاصصة العرقية والفئوية والجهوية التي لم تنفع البلد في بناء مستقبله ولا تأمين الخدمة العمومية لمحتاجيها، ولم ترض أصحاب القلوب المريضة، مع التركيز على تحديث المؤسسة العسكرية والأمنية لتسيير المرحلة الحرجة من تاريخ منطقتنا الملتهبة بأقل الخسائر، والسماح لورش التنمية بالانطلاق في جو يطبعه الأمن، ويحكمه القانون، ويساس فيه الناس بالحوار والسكينة ، بعيدا عن أجواء الشد والجذب وتصفية الحسابات التي أنهكت جسم الدولة، وأضاعت العديد من فرص التنمية والازدهار.
وسيكون المناسب -بشهادة المخالف قبل الموافق- الدفع وبدون تأخير بأبرز معاوني الرئيس في الوقت الراهن ، الوزير مدير الديوان المختار ولد أجاي إلى قيادة التولفة الوزارية مطلع أغشت 2024، فهو الرجل الذى يجمع بين فهم الاقتصاد ومتطلباته، والسياسية وإكراهاتها، وحيوية الشباب وعمق التجربة (الضرائب/ المالية/ المالية والإقتصاد/ أسنيم/ مدير ديوان الرئيس) ، مع القدرة على الإنجاز وبأقل خسارة في الوقت والمال، وفهم متطلبات برنامج صيغت أبرز ملامحه بحضوره داخل القصر، بحكم قربه من صاحب القرار خلال الأشهر الأخيرة.
وسيكون من الوارد بل من الواجب أن يدفع الرئيس بكوكبة من الشباب لواجهة الفعل الحكومى، فذلك مقتضى وعده "للشباب وبالشباب" ، وخصوصا بعض القطاعات الوزارية الحيوية ( التشغيل والشباب والرياضية/ التجارة/ الاقتصاد والتنمية/ البيئة / الطاقة/ التكوين المهني/ العدالة/ الخارجية). مع تسريع وتيرة العمل في المندوبية الجديدة (تمكين) ومنحها الصلاحيات اللازمة والأموال المطلوبة للقيام بعمل ملموس، تكون نتائجه معلومة قبل انقضاء السنة الأولى من مأمورية الرئيس.
وقد يكون من المناسب حل البرلمان والمجالس الجهوية والبلدية مع بداية المأمورية ، وإجراء انتخابات جديدة (نوفمبر 2024)، لمنح المعارضة فرصة للشراكة في ظل تحسن أداء اللجنة المستقلة للانتخابات، واستيعاب الأغلبية للوافدين الجدد، والتخلص من بعض العنوانين المستفيدة من ضعف التوازن داخل الأغلبية خلال الترشيحات الماضية (أحزاب المغاضبين)، والسماح لبعض التشكيلات غير المرخصة بخوض الانتخابات من عناوينها التي أختارت بعد الترخيص لها، أخذا بعين الاعتبار ما أعلن من تحديث لقانون الأحزاب في احدى ورشات الميثاق الجمهوري الأخيرة. وهو إجراء قد يمنح النظام فرصة للدفع بكوادر تلائم المرحلة الجديدة، كوادر قادرة على الدفاع عن مشروع الرجل والإقناع به، وتعويض النقص الملاحظ في المأمورية الأولي في مجالي السياسة والإعلام، وتعكس أغلبية الرئيس بنسختها الجديدة، بدل تركها تذبل على الهامش أو تنزوي في انتظار برلمان 2028.