إنّ النقطة المضيئة إلى الآن في موريتانيا التي تنزع عنها ثوب التجاذب السياسي ، هي الانتخابات التي شهد المراقبون في الداخل والخارج بنزاهتها،ومصداقيتها وقدمت من خلالها بلادنا درس في الديموقراطيه للعالم .
إنّ نجاح هذا الاستحقاق وهذا المكسب لا يجب أن يتحوّل إلى عصا غليظة بيد الخاسرين لاستفزاز السلطه وشحن الشارع كما انه ليس لضرب كلّ مَنْ يُبدي ملاحظات شكلية على ما جرى، أو بذكر بعض الوقائع التي جرت يوم الاقتراع ... ومع ذلك فإنّ قراءة موضوعية للانتخابات تكشف لمن يفهم لغة الصندوق
أنّ هذا الشعب وسطيّ يرفض التطرف يمينا أو يسارا، ولا يمكن لأيديولوجيات وافدة من هنا أو هناك، ان تخترقه او تغيّر في عمقه او انسجامه ووحدته
إذا أين غاب المترشحون اصحاب الحكمة والأحزاب السياسيه التي انخرطت في الحملة الانتخابيّة وتركو الساحه لمرشح واحد يأمر وينهي ويهدد ويرفع صوته على الجميع لماذا غاب اصحاب الحكمه هل يدعمون الفوضى وأين المعارضه الحقيقيه
اتسمت اجواء الحمله بالانسيابية والمهرجانات والحفلات وعرض البرامج وفي مجملها تعد الجوعى بالطعام والعاطلين بالعمل وبالجنّة، دون أن تكون على بيّنة من حقيقة الثروات والإمكانات الموجودة؟
لا شكّ في أنّ هذه الحالة المرضية من الفوضى المقصودة والإسهال السياسيّ، تتدفّق بعنف من نبع االشعبويه، ومن صحراء السياسة التي رسم كثبانها، و زيّن تفاصيلها بيرام الداه أعبيد. إلّا أنّ ما أدّى إلى هذا الوضع هو تقاعس الأحزاب السياسيه العتيقه والفاعلين السياسيين عن الساحه السياحه وتركوها لبيرام يلعب ويمرح كيف يشاء علي اصحاب الأحزاب السياسيه ان يخرجو ويخاطبون الشارع بحكمه وعقلانيه وان يحولو هذا الغضب إلى سلم وسلام
وما لم يتفطن بعض القاده السياسيين أنّ السياسيّ الناجح هو الذي لا يشتري رضا الناس بالتغافل عن الحقيقة المرّة فإنّ المرض سيتحوّل إلى ورم لا يرجى منه شفاء... لقد انتهى زمن البحث عن الشعبيّة.. الآن تحدّدت الخيارات... وجلس مَنْ أفرزه الصندوق على الكرسيّ وما عليه إلّا العمل وإبراز القدرات لأنّ ألهوه شاسعه بين الكلام المرسل المليء بالمجازات والإسهال الخطابي، وبين العمل على الأرض لحلّ الأزمات وفضّها؟...
لقد تمّ انتخاب فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني والتنافس محتدم بين طاقم وأعضاء حملته للمشاركه في الحكومه بإسماء وصفات وهذه حرب خفيه يدركها الجميع بين اللوبيات والتكتلات والأحلاف والقبائل والجهات وقد بدأت من يوم إعلان نجاح فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ومازالت تضرب حتى اليوم
لقد تحوّلت الساحة السياسية في الاغلبيه الداعمه لفخامة الرئيس إلى حلبة ملاكمة كلّ واحد ينتظر غفلة من خصمه أو خطأ كي يسدد له الضربة القاضية وفات هؤلاء السياسيين برتبة ملاكمين، أن سهام الفرقة والشقاق تخطئ أهدافها لتصيب الوطن في مقتل... هذا الوطن الذي يتألّم ويصيح ويستغيث انكسر النصال على النصال" من كثرة الطعنات المكشوفة والمخفيّة للوطن .
إنّ البلاد تئن تحت وقع تجاذبات سياسية مزمنة لا تنفع معها مضادات حيويّة مستورده من عناق كاذب أوتصفيق أرعن هستيري من هذا الطرف وذاك لربح مكسب سياسي... لقد تأبّط بعض تجاّر الوهم من السياسيين آمال الناس وآلامهم وهم الآن يتاجرون على المنابر بكلام جميل منمّق انتقوه في الصالونات المكيّفة.. والمواطن المسكين لا يهمّه أن يتبيّن صلاحيات رئيس الجمهورية من صلاحيات رئيس الحكومة ولا يعنيه من يعيّن السفراء أو الوزراء... هو يريد فقط أن يعيش ويعمل ويأمل في حياة جديده ليضمن قوته وقوت عياله الذي اصبح مهددا .
د.محمدعالي الهاشمي