أسست موريتانيا مبكرا هيئات وإدارات عامة شبه مستقلة مكلفة بالأمن الغذائي .
لكن مسيرة تلك المؤسسات ظلت في دائرة الأداء المتوسط والضعيف والعبثي أغلب تاريخها ؛ فلا هي خلقت أمنا غذائيا بزيادة الإنتاج ولا بحسن إدارة مواردها ؛ ولاهي قضت على الجوع والفقر ؛ ولا مكنت الطبقات الفقيرة والهشة من الوصول إلى المواد الأساسية بسعر مدعوم مناسب حتى تدمجها في دورة الإنتاج
فالأمن الغذائي الذي لايركز على خطة للاكتفاء الذاتي يظل بلا جدوى ؛ فبقاء نسبة عالية من شعبنا في مستوى الهشاشة الاقتصادية وخلق آليات دعم محدود له يفرغ الأمن الغذائي من محتواه ومقاصده
العناوين التي كلفت بأمننا الغذائي
الأمن الغذائي
سونمكس
صونادير
التآزر
مؤسسة الأمن الغذائي ترهلت رغم رفع ميزانياتها وارتفاع نسبة الدعم من الجهات الدولية التي درجت على تقديم دعم عبرها للطبقات الهشة في بلادنا.
وملف تلك المؤسسة طويل وعريض إلى اليوم رغم إسنادها بوكالة التآزر التي جمحت هي الأخرى خارج السرب وتحولت إلى مندوبية تستهلك أغلب ميزانيتها في المصاريف التشغيلية .
وكان بالإمكان اختزال تلك المصاريف بتبسيط اجراءات الدعم وفتح كل مواطن مشمول في البرامج لحساب في بنك أو حساب من حسابات التطبيقات المالية معتمدة
وكذلك الأسر التي تتلقى دعما شهريا أو فصليا وكذلك حزم الدعم الأخرى.
وذلك بعد إنجاز قاعدة بيانات اجتماعية دقيقة وبرمجة الولوج لبرامج التآزر سنويا بالدور.
وكان يتوقع أن يتعزز الأمن الغذائي بشراكته مع التآزر ؛ والعكس هو ماحدث ؛ فلم تعد محلات أمل تزود بانتظام بالمواد الأساسية المدعومة وشهد عمال أمل كثيرا من الخيبة وارتباك سداد رواتبهم وارتباك آليات محاسبتهم المجحفة
فخلقت التآزر والأمن الغذائي أزمة اجتماعية وعمالية وصلت حد الظاهرة.
أما سيئة الذكر سونمكس فبصامتها في إفساد قطاعها وقطاع الزراعة والواردات الغذائية فهو أوضح لدى كافة الرأي الوطني.
مما دفع الحكومة لإنشاء مؤسسة استيراد جديدة برأس مال ملياري لتأمين سوق المواد الغذائية بنسبة معقولة ؛ لكن ظل أثر تلك المؤسسة شبه معدوم!
صونادير بشكلها القديم ظل أثرها محدودا لكن تمت إعادة هيكلتها لتؤدي دورها الاستراتيجي المنوط بها.
وقد بدأت بصمتها تبرز في مشاريع حيوية كبرى .
بصمة تجلت بوضوح في مشاريعها على كافة التراب الوطني ؛ خاصة في مشروع استصلاح اركيز الضخم .
وبدت استجابة صونادير هي الأكثر جدية ومصداقية لتوجيهات الرئيس ولد الغزواني ؛ فمنذ أعلن انطلاق تنفيذ مشروع استصلاح حوض اركيز الشرقي كأول مشروع زراعي كبير تشهده موريتانيا ؛ بادرت إدارة صونادير إلى تنفيذ ذلك رغم العقبات البارزة في الطريق.
مشروع تحت التجربة ومزارعون قلقون من نقطة البداية وثقافة زراعية هشه وتحديات تقنية مركبة
ولأن الزاراعة مرتبطة بالقلق المزمن لدى المزارعين عالميا ؛ واجهت صونادير حملة تشكيك وتشويه من بعض المزارعين وصلت حد إرسالهم رسالة للوزير الأول أنهم يعيشون نكبة بسبب صونادير ؛ وأطلقوا مئات الشائعات السلبية عن المشروع ؛ لكن إدارة صونادير أبدعت في امتصاص موجة التشاؤم لدى المزارعين بلقاءات متكررة مع رؤساء الاتحادات الزراعية وبالمزارعين أنفسهم لبناء وعي زراعي لديهم وتبديد مخاوفهم.
ولقد كنت طرفا مباشرا في حلحلة هذا الملف عبر لقاءات ميدانية بالمزارعين وتغطية مباشرة لقناة المياه الرئيسية والقنوات الفرعية والتقنيات المستخدمة في الري والتوزيع ؛ مما مكنني من اكتشاف نقاط الخلل المؤقت وتنبيه وزارة الزراعة لها وكذلك إدارة صونادير ؛ فكان الرد سريعا عبر معالجة مكامن الخلل.
كنت واثقا أن المشروع سينجح بإذن الله ؛ وذلك ماحدث بالفعل وكانت فرحة وفرة الحصاد قد مسحت رونق الكآبة والقلق عن المزارعين لله الحمد عندما زرتهم 20يوليو من هذا العام
ولقد واجهت إدارة صونادير عقبات أصعب عندما انتشرت مزارع من كل نوع على طول خط القناة النهرية البالغ 64 كيلومتر ؛ فكان لابد من مراعاة البعد الاجتماعي والاقتصادي للمزارعين الذين يستغلون مساحات شاسعة خارج المخطط الأصلي للاستصلاح حوض اركيز وكان سحبهم للمياه من القناة له تأثير على منسوب تدفقها نحو الحقول المبرمجة ؛ خاصة تلك التي تروى بالمضخات ؛ فاضطرت صونادير لرفع مستوى الضخ من النهر مراعاة للوضع.
إن مشروعا هيكليا لنقل مياه النهر مثل هذا لابد أن تتخلله نقاط ضعف سببها الرئيسي بشري ؛ لأن تقنيات التحكم فيها ماهو يدوي يحتاج لقوة يشرية مؤهلة ومنها مايبرمج مؤقتا وهناك تقنية شفط المياه من حقول الأرز بتوقيت محدد .
وقد يحتاج ري الحقول لتناوب ورقابة دائبة لمستويات المياه في القناة الرئيسة والفروع .
وقد انتبهت إدارة صونادير ذلك فباشرت تعاونا تأطيريا مع المزارعين.
ولقد كانت إدارة صونادير للعلاقة مع المزارعين بها حس وطني وقدرة على امتصاص موجات التذمر وتكتيك ذكي لدفعهم لاستغلال أراضيهم في موسم تجريبي محفوف بالمخاطر ؛ ولولا استجابة المزارعين لذلك لما وصلنا لنقطة الحصاد البارزة هذه.
بلغة الأرقام هناك ماهو جديد حقا وباعث على الاعتزاز بالمزارعين وبصونادير ؛ وما يحول الأمل إلى طموح والطموح إلى إنجاز يستحق التعزيز والتطوير.
هناك 30مليون طن تقرييا من الأرز
وآلاف الأطنان من منتجات زراعية غذائية مهمة وآلاف الأطنان من الأعلاف البديلة تم إنتاجها في 120يوما.
وهناك 1000 شاحنة خرجت من اركيز بحمولات حقيقية من المحاصيل الأساسية
وهناك 15ألف وظيفة لمدة 4أشهر تم تأمينها
وهناك أكثر من 22ألف أسرة أي ما يعادل 100ألف مواطن استفادوا مباشرة من الموسم ؛ وهناك أكثر من 10آلاف رأس من الماشية أمنت أعلافها البديلة وهناك فائض من الأعلاف بقي في الحقول
نسبة أرباح المزارعين كانت 120% في الغالب.
وكان معدل إنتاج الهكتار في متوسطه مابين 7و8 طن ؛ والبعض وصل ل9طن و10
ولم تتدنى نسبة أرباح إلا المترددين في القرار الذين تغلب عليهم القلق فحاولوا تصديره للمزارعين ولصونادير .
لقد أصبح مشروع استصلاح اركيز حقيقة ماثلة لا لبس فيها رغم المخاطر التي واكبت انطلاقه ودفق الشائعات السلبية وقلة خبرة المزارعين والمستثمرين.
ولقد برهنت إدارة صونادير أنها ركن وطني حقيقي للأمن الغذائي.
فليس كل معين في منصب قيادي يمتلك القدرة على إدارة قلق المواطنين حتى يحوله إلى فرح وسرور ؛ خاصة في بلد شعبه مهوس بالشائعات السلبية واليأس وسوء الظن بالحكومة والإدارة
ولتكون المواسم القادمة أعمق نجاحا وأكبر تأثيرا لابد من تطوير كل القطاعات الخدمية المرتبطة بالمشروع والاستمرار في تمكين المزارعين خارج إطار المشروع من مواصلة إنتاجهم ؛ ودمجهم في إطار المشروع فهم مصدر إنتاج مهم ويستحقون الدعم.
بارك الله لكل مزارعينا حصادهم وبارك أسبابهم.
وبارك الله جهود وزارة الزراعة وإدارة صونادير فقد أثمرت خير عميما لله الحمد.
والشكر موصول لرئيس المجمهورية الذي خطط لثورة زراعية وفر كل أسبابها ؛ مسنودة بثورة طاقوية أساسية لتحقيق ذلك.
ونأسف كموريتانيين لفشل قطاعات عديدة في تنفيذ توجيهات الرئيس وإصرارها على النمط القديم الفاسد في إدارة قطاعاتها؛ وأرجو أن يتخذوا من صونادير قدوة في الإصرار على النجاح مهما كانت التحديات
الخبير الاستراتيجي عبد الله ولدبونا
21يوليو2024