من المنتظر انعقاد قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي في الفترة ما بين:( 4/ 6) من شهر سبتمبر القادم، و هي مناسبة لتعزيز التعاون الإفريقي الصيني و تطوير مجالاته، و فرصة سانحة لبلادنا - في ظل قيادتها للاتحاد الإفريقي- لخلق شراكات مثمرة مع مختلف القطاعات العامة و الخاصة في الصين.
( و في 9 ديسمبر 2022، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ بفخامة الرئيس محمد ولد الغزواني على هامش القمة الصينية العربية الأولى، و تحدث عن العلاقات التاريخية التي تربط بلادنا و جمهورية الصين الشعبية، و التي أثمرت شراكات مختلفة، و ساهمت في تنفيذ العديد من مشاريع التنمية شملت الموانئ و الطرق والجسور والمستشفيات وغيرها من المشاريع الكبرى التي تعود بالنفع على الشعب الموريتاني، مؤكدا أن الصين ستواصل تشجيع الشركات الصينية على المشاركة في بناء الطاقة وصيد الأسماك والتعدين والبنية التحتية وغيرها من المجالات).
و نظرا لهذه العلاقة المتميزة، و في إطار مبادرة الحزام و الطريق التي اعتمدتها الصين في السنوات الأخيرة، و التي تهدف إلى تعزيز علاقة الصين بالعالم من خلال شراكات استراتيجية، تسمح للصين بمزيد من الاندماج و التأثير الدولي، و توسع مجال شراكاتها لتشمل مجالات التكنولوجيا، و الأمن و التأثير الاقتصادي و السياسي، و هو ما يفتح فرصا أمام بلادنا للاستفادة من هذا التوجه لتوسيع مجال التعاون، ليشمل فضلا عن التعاون التقليدي في مجال الاقتصاد و الاستثمار، مجالات أخرى تعتبر حيوية و مهمة لبلادنا خصوصا في مجال التكوين المهني و تدريب الكادر البشري، و هو مجال يوليه فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني أهمية قصوى، خصوصا في مأموريته الثانية؛ مأمورية الشباب، و تعتبره الصين توجها استراتيجيا.
ورش لوبان... الصين تدرب العالم
وفق الاستراتيجية الصينية الأحدث يعتبر التعليم و التكوين المهني، إحدى ركائز الدبلوماسية الصينية، التي تسعى إلى توسيع النشاط الخارجي الصيني، و خلق أجيال ملمة بالثقافة و اللغة الصينية، سبيلا إلى مزيد من الانفتاح و الاندماج و تقريب العملاق الصيني إلى مختلف الدول و الشعوب، و في هذا الإطار فتحت الصين مئات المعاهد التابعة لمعهد "كونفسيوس" 孔子学院” و مولتها و شجعت الشباب على الالتحاق بها، و قلما تخلو دولة من أحد هذه المعاهد، المنتشرة في مختلف الجامعات الغربية و الآسيوية و الإفريقية، و يوجد في جامعة انواكشوط أحد هذه المعاهد، غير أننا لم نستفد منه الاستفادة المطلوبة، فعلى عكس معهد كونفشيوس في الجارة السنغال، الذي يتوفر على مبنى كبير بحجم جامعة، و يسهم في تدريس عشرات الطلاب و يستخدم في التعريف بالثقافة الصينية و تقام فيه الندوات و المحاضرات عن الصين و علاقاتها و فرص تعاونها مع السنغال، ما زالت نسخة موريتانيا من هذا المعهد حبيسة غرف صغيرة في جامعة انواكشوط، و كان الأولى إيلاء اهتمام أكبر بهذا الصرح العلمي و الاستفادة منه بشكل أكبر.
أما النسخة الجديدة و الأهم من الاستثمار الصيني في ميدان التعليم و التكوين، فهي معاهد "لوبان"أو ورش لوبان، كما يطلق عليها.
و هي مبادرة تهدف إلى تعزيز التعليم المهني والفني في الصين وخارجها. تُسمى هذه الورش تيمنًا بـ "لوبان"، الذي يُعتبر من أعظم النجارين والمهندسين في التاريخ الصيني، و تقدم هذه الورش تدريبات عملية في مجموعة متنوعة من المجالات مثل التصنيع، والهندسة، وتكنولوجيا المعلومات، وغيرها.
تهدف ورش لوبان إلى:
1. تحسين المهارات العملية، و توفير تعليم وتدريب عملي للطلاب لتمكينهم من اكتساب مهارات مهنية متقدمة.
2. تعزيز الابتكار، و تشجيع الإبداع والتطوير التقني من خلال المشاريع العملية.
3. التعاون الدولي، و نشر الخبرات الصينية في التعليم المهني إلى دول أخرى وتعزيز التعاون التعليمي والتقني بين الصين وهذه الدول.
هذه الورش تعتبر جزءًا من الجهود الأوسع التي تبذلها الصين لتعزيز التعليم المهني وتحسين جودة القوى العاملة.
و تحاول الصين من خلال فتح ورش متطورة في جميع أنحاء العالم إلى توفر اليد العاملة الفنية، و القادرة على سد حاجة الشركات الصينية العاملة في الخارج، كما تساهم من خلال تكوين الكادر البشري في تعزيز علاقاتها بالدول المستهدفة بورش لوبان.
كانت جنوب إفريقيا و مصر سباقتين إفريقيا، في الاستفادة من ورش لوبان؛ و حظي الشباب في هاتين الدولتين بتكوين مميز، من خلال ورش لوبان التي تجلب مختلف المعدات التكنولوجية و الميكانيكية لتوفير ظروف ملائمة للتكوين، كما يشرف خبراء من الصين على التكوين و التأهيل.
ستكون فرصة ثمينة لو استطعنا جلب أحد هذه المعاهد لتوفير التكوين المهني في مجالات مهمة مثل المهن البحرية، و المعادن، و المنشئات و جميع الحرف التي تعرف شحا كبيرا في مجال اليد الحرفية العاملة.
و قبيل سفر فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الصين للمشاركة في منتدى التعاون الإفريقي الصيني، يجب أن تعكف لجنة متخصصة، لتحديد أوجه التعاون المطلوبة و سبل الاستفادة من الفرص التي تنمحها الصين للشركاء الدوليين، و يجب أن تمنح الأولوية لمجال التكوين و التدريب، و تقديم طلب رسمي لفتح معهد من معاهد "لوبان" في موريتانيا، إضافة إلى مجالات أخرى مهمة تدخل ضمن التعاون الموريتاني الصيني، و قد دخل بعضها بالفعل طور النقاش و البحث، مثل:
مشروع بناء ميناء المياه العميقة في انواذيبو، الذي وصل مراحل متقدمة من البحث، لكنه توقف لأسباب متعلقة بالتمويل و ضبابية في القدرة على تحمل تكاليفه الضخمة، و بعد ظهور مؤشرات على تحسن الأداء الاقتصاري، و قرب إنتاج الغاز، حري بنا إعادة التفكير في هذا المشروع الكبير.
إنشاء سكة حديدية تربط أحد المواني الموريتانية الكبيرة بجمهورية مالي، و هو مشروع سيعود بالنفع الجليل على بلادنا، من خلال احتكار أحد أهم الأسواق الإفريقية، و ضمان تموينه عبر موريتانيا سواء عن طريق البحر، أو عبر المعابر الحدودية المفتوحة على الجزائر و المغرب، إنه مشروع فريد و فرصة دفع اقتصادي واضحة الجدوائية، و قابلة للتحقق لو امتلكنا رؤية استراتيجية، وقدمنا دراسة مستوفية الشروط لشريك اقتصادي يولي عناية كبيرة لمثل هذه المشاريع التي تسمح له بتسويق منتجاته و تدعم شركاته.
أتمنى أن تسهم هذه الإضاءات في لفت انتباه المسؤولين إلى الفرص التي تحدثنا عنها، و أن تكون زيارة صاحب الفخامة محمد ولد الشيخ الغزواني لجمهورية الصين الشعبية، و قيادته للجانب الإفريقي في القمة، فرصة لاستفادة بلادنا إمكانات و رغبة الصين في تعزيز علاقاتها في القارة السمراء.
د.سيد محمد ابهادي / كاتب موريتاني