عبد الله ولد اكوهي يكتب /؟ ما بين الذِئاب والنِعاج في زمن الخريف...

اثنين, 08/26/2024 - 12:39

بادئ ذي بدء إذا ما ذهبنا رأسا إلى مسايرة بعض تحليلات المفكر المعروف “عبد الله العروي” في كتابه بعنوان “من ديوان السياسة” - من باب تندب الموافقة في ما لا حرج فيه- فإن الوضع الراهن مُركَّبٌ ومُعقَّدُ ولا يُقاس به، حيث أنه “لا وٌجود لحاكم فاسد دون محكوم فاسد”.. وإذا تجاوزنا تعبيرات التلميح “العروية” هذه – نِسبة إلى عبد الله العروي – فإن فساد الحال والأحوال ليس من مسؤولية الحاكم فحسب، كما يُردد بُسطاء الوعي، بل إن المحكوم هو الآخر يتحمل قِسطا من السببية، إن لم يكن أفدح، فإنه على الأقل، بِقَدر من الأهمية، بما يُمكِّن الحاكم من إحكام قبضته، ويتصرف كما يشاء في أحوال أصحابها، وهو ما عبَّر عنه جمال الدين الأفغاني حينما قال: “لو لم يجدوكم نِعاجا لما كانوا ذِئابا“.

وبري العروي كذلك في من نفس المرجع المذكور أن هناك نوعان من المجتمعات أولها: يدور ويمتد على نفس مِحور السلطة وبالتالي فإنه يُعيد إنتاجها دوما، وأما ثانيهما: فيفضُلُ عنه دوران آخر لا ليس لصيقا ببالسلطة، بل بالمجتمع. ومن المهم جدا الإطلاع على الشروحات التربوية والدينية والسياسية والتاريخية التي ساقها “العروي” لهذه الثنائية النوعية في التنظيم السياسي حيث يُمكن الوقوف على بعض من أهم خصائص اكراهات ومُعوقات التغيير والإصلاح في اي بلد ومن ذلك، حسب تحليلات العروي فنحن مجتمع يُراوح ي مكانه تُريد ذلك، بل لأن المجتمع بدوره “ينسج عبر منظومته التربوية والإجتماعية، ذِهنية وسلوك التخلف الإقتصادي والإجتماعي والتهور القيمي والأخلاقي، وبذلك فإن المجتمع من يمنح لنفسه بنفسه أسباب التخلف والفقر الذي نعيشه .

فلنتسائل: تُرى لماذا لم تُفلح كل أشكال التنظيم التربوي والإجتماعي والسياسي.. إلخ، على علاتها، في خلق تراكمات سريعة نحو الإقلاع الإقتصادي بهذا نحو آفاق واسعة من التقدم والتطور لبلدنا؟

و على أية حال، حصلنا على عشرات المؤسسات في البلد، بمختلف أشكالها، والأحزاب والنقابات والجمعيات.. وغيرها من أشكال التنظيم الإجتماعي، ومع ذلك بقينا، ومنذ الإستقلال كأنما نحن على عتبة البداية ما زالنا تنتظر أن نتخطاها ربما هل ينم ذلك عن كسل او تخاذل النخب حيث لم تقم بأدوارها، فلم تتصدر واجهة وحقول تدبير الشأن العام لفائدة المصلحة العامة والعليا في سبيل تقدم وبناء البلد.

وقد تتشعب الأجوبة على تقييم شامل لمسيرتنا التنموية من خلال تعللنا على عدم مقدور هذا الشعب وتمكنه من مسايرة وتيرة التدبير المُلحة لفي شتى مناحي حياته العامة إنما نشير ضِمنيا فقط ، إلى أن عِلَّة “الضعف” فيه جانب إرادي، بمعنى أن الموصوف بالضعف هو يختار “طواعية” هذا الوضع الدُّوني وهو ما لا يصح معه القول بالضرورة، أن سبب الضعف مصدره من خارج الموصوف، أي المجتمع من نخبه وكل الطبقة السياسية وهم يُمارسون عليه إرادة الغالب اتجاه المغلوب. لذللك أُريد الخلوص إلى أن إرادة الضعف هي كامنة غالبا في الطرف الضعيف وبالتالي رضاه بقدره بهذا الوضع الدوني.

أننا مسؤولون حتى النخاع عن هذا الوضع، فلم يحصل عندنا بعد – حسب تعبير عبد الله العروي – الفُطام الضروري بين الغريزة والعقل، بين الإتباع والإستقلال. لم ننتقل من التوكل إلى الهمَّة، ومن المُبايعة إلى المُواطنة”. إنه حقا وضع أبدي بائس من منظور عِلْمَيْ سياسي وواقعي بحت ، حيث تظل بعض الطبقة السياسية في البلد في وضع “القوة” المكتوبة الخارقة مشفوعة بالمزايا والمناصب والمنافع المادية هم مواطنون من الدرجة الأولى، والمحكومين في وضع من الدونية والرعاية والقطيع فهم مواطنون درجة ثانية، وسيبقى بين هؤلاء واولئك تاريخ طويل من البون الشاسع.
لذا لاشيء ذا بال يمنع الذئب من نشب مخالبه، ثم أنيابه، في لحم النعجة الطري خصوصا أننا في فصل موسم خريف ننعم به هذه الأيام..!!.