موريتانيا: من التعددية السياسية إلى سياسة الإجماع

اثنين, 01/20/2025 - 14:13

بعد ثلاثين عامًا من إقرار التعددية السياسية، أصبح من الضروري إعادة النظر في القانون المنظم للأحزاب السياسية، خاصة في ظل مشهد عالمي يعصف به الثورات والانقلابات والفوضى. وينبغي أن تهدف هذه المراجعة إلى تمكين القوى السياسية من المشاركة الفعالة في المشهد الوطني، لتعزيز الجبهة الداخلية وتحقيق حصانة ديمقراطية تحمي البلاد من الاستبداد وقوانينه الجائرة.

لكن، هل سيُلبي هذا القانون الجديد هذه المتطلبات؟ أم سيقتصر على فرض قيود إدارية تُضيّق مساحة الحرية السياسية وتكرّس نزعة الاستبداد؟

لا تبدو المؤشرات الحالية في ظل نهج "الإجماع" واعدة فيما يتعلق بقبول التنوع السياسي؛ إذ إن الإجماع بطبيعته يتعارض مع التعددية التي تشكل جوهر النظام الديمقراطي. وتجلى ذلك في ممارسات وزارة الداخلية، التي لم تلتزم باتفاقاتها مع الأحزاب السياسية، وسعت إلى تدجين المعارضة، مع تدخلات واضحة في الشأن الحزبي، مما يعكس استمرار نهج التهدئة على حساب التعددية.

وفي هذا السياق، غابت مطالب الأحزاب السياسية المتعلقة بتطوير إطار قانوني ينسجم مع سقف عالٍ من الديمقراطية يستجيب لتطلعات المواطنين. وبدلاً من ذلك، اقتصرت النقاشات على الآليات الفنية لتنظيم الانتخابات، التي لم تُنفذ بشكل كامل، وتطبيق القوانين المتاحة. جاءت التعديلات الأخيرة لتعزز من صلاحيات وزارة الداخلية، بما يشمل الترخيص، والإنذار، والإغلاق، وحتى الحل، بمصادقة مجلس الوزراء. أما الطعن في القرارات، فقد تُرك لمن يرغب في التقدم به أمام المحكمة العليا.

ومن بين التعديلات التي تثير الجدل تلك التي تمنح وزارة الداخلية سلطة تعطيل البتّ في قضايا الأحزاب بحجة التحقيقات التي قد تستمر إلى أجل غير مسمى. كما تضمنت تعديلات تُجرّم بعض الممارسات الحزبية وتفرض قيودًا على التأسيس والتمويل. مثال ذلك منع مؤسسي الأحزاب المحلولة من تأسيس أحزاب جديدة لمدة خمس سنوات، ورفع النسبة المطلوبة للإبقاء على الحزب إلى 2% من الناخبين.

أما الشروط المعقدة لتأسيس الأحزاب، مثل ضرورة الحصول على 5000 منتسب، على أن يكون 10% منهم من كل ولاية، ووجود أربعة أعضاء مقيمين دائمين يمثلون التنوع الجغرافي، بالإضافة إلى إلزامية تأجير مقرات في نصف ولايات البلاد، ستؤدي إلى عرقلة تأسيس الأحزاب. و بدلاً من التركيز على الأفكار والمشاريع، أصبحت الأحزاب تُقيَّم بناءً على مواردها المادية، مما يُقصي الشباب والنساء والفئات المهمشة من المشهد السياسي.

إن الهدف الأساسي من تنظيم النشاط السياسي ينبغي أن يكون ضمان مشاركة المواطنين بحرية وفعالية، وتعزيز أداء الأحزاب وفق قوانين تلتزم بمبادئ الدستور، بما في ذلك مبدأ الفصل بين السلطات والابتعاد عن الإدارة البوليسية للحياة السياسية.

في ظل هذا الواقع، يبدو المشهد السياسي في موريتانيا في حاجة ملحّة إلى إصلاح جذري، يشمل تحرير الأحزاب من تدخل وزارة الداخلية، وتمكين القوى السياسية من ممارسة نشاطها بحرية. كما يتطلب هذا الإصلاح نقل مسؤولية الرقابة على الأحزاب إلى لجنة مستقلة، ومنح المحكمة العليا صلاحيات تنظيمية واسعة، مع حصر دور وزارة الداخلية في التنسيق بين الأحزاب والحكومة، بما يضمن استقرار النظام الديمقراطي.

الشيخ سيد أحمد حيده