د.محمدعالي الهاشمي يكتب /؟جشع الأطباء وفوضوية القطاع الصحي

اثنين, 03/03/2025 - 10:08

في زمن أصبح فيه الطب مهنةً تجارية بدلًا من أن يكون رسالة إنسانية، يعاني المواطن البسيط في بلداننا من استغلال بشع يمارسه بعض الأطباء والعيادات الخاصة، في ظل غياب الرقابة الحقيقية وضعف النظام الصحي العام. لم يعد الطبيب يُعرف بإنسانيته وكفاءته، بل بقدرته على استنزاف جيب المريض، مستغلًا حاجته للعلاج وضعفه أمام الألم، حتى بات المريض أشبه بسلعة يتلاعب بها تجار الصحة، بدلًا من أن يكون إنسانًا يحتاج إلى رعاية ورأفة.

الطبيب بين أخلاقيات المهنة وجشع المال

من المفترض أن يكون الطبيب ملاك رحمة، يحمل على عاتقه مسؤولية إنقاذ الأرواح، لكن ما نراه اليوم هو تحول بعضهم إلى وحوش تجارية، لا يهتمون إلا بكم سيدفع المريض. في كثير من الحالات، لا يهتم الطبيب بتشخيص دقيق للمرض بقدر ما يهتم بوصف قائمة طويلة من الفحوصات والتحاليل التي تدرّ أرباحًا على العيادة والمختبرات المتعاقدة معها.

يذهب المريض إلى العيادة وهو يعاني من مرض بسيط، لكن بدلًا من تقديم علاج مباشر، يطلب منه الطبيب إجراء سلسلة من الفحوصات، بعضها غير ضروري، فقط من أجل تضخيم الفاتورة. ثم تأتي مرحلة صرف الأدوية، حيث تُفرض على المريض أدوية باهظة الثمن، وغالبًا ما يكون الطبيب متفقًا مع صيدلية معينة او مهربي أدويه مزوره، ليحصل على نسبة من الأرباح مقابل كل وصفة طبية يكتبها.

المستشفيات العامة: بوابة الإهمال نحو العيادات الخاصة

أما في المستشفيات العامة التابعة للدولة، فالوضع أكثر كارثية، حيث تتحول هذه المؤسسات إلى ساحات للإهمال واللامبالاة، وكأنها مصممة لدفع المريض إلى الفرار نحو العيادات الخاصة.

عند دخول المريض إلى المستشفى الحكومي، يواجه طوابير طويلة، وممرضين غائبين، وأطباء لا يعيرون اهتمامًا للمريض إلا إذا كان يعرفهم شخصيًا أو جاء بوساطة. أما المعدات الطبية، فهي إما معطلة أو غير متوفرة، مما يجعل رحلة العلاج في المستشفى الحكومي مضيعة للوقت وزيادة للمعاناة.

ما يزيد الطين بلة هو أن بعض الأطباء العاملين في هذه المستشفيات يتعمدون إهمال المرضى، بل وأحيانًا تشخيصهم بشكل خاطئ، حتى يضطر المريض إلى اللجوء إلى عياداتهم الخاصة، حيث يجد الطبيب نفسه فجأة أكثر اهتمامًا ورحابة صدر، لكن هذه الرحابة لها ثمن، وغالبًا ما يكون الثمن باهظًا جدًا على المواطن البسيط.

العيادات الخاصة والمصحات: مصيدة المرضى واستنزاف الجيوب

المريض الذي يفرّ من المستشفى الحكومي، بحثًا عن خدمة أفضل في العيادات الخاصة، يجد نفسه في مصيدة أكبر. فهذه العيادات، بدلًا من أن تكون بديلاً محترمًا للرعاية الصحية، تحولت إلى شركات استثمارية هدفها الأول تحقيق الأرباح على حساب صحة المواطن.

في كثير من الأحيان، يواجه المرضى إجراءات طبية غير ضرورية، مثل إجراء عمليات جراحية لم تكن تحتاج سوى علاج دوائي، أو الإبقاء على المرضى في المصحات لأيام إضافية لزيادة الفاتورة، أو استخدام معدات وتحاليل مكلفة رغم توفر بدائل أرخص وأكثر دقة.

حتى العلاج في العيادات الخاصة أصبح مسألة طبقية، حيث يتم التعامل مع المريض بناءً على قدرته على الدفع. فالذي يدفع أكثر يحصل على اهتمام أكبر، ومن لا يستطيع الدفع، يترك لمصيره، حتى لو كان يعاني من مرض خطير.

أزمة الثقة تدفع المرضى إلى دول الجوار

نتيجة لهذا الوضع الكارثي، فقد المواطن ثقته تمامًا في الأطباء المحليين، وأصبح يبحث عن العلاج في دول الجوار مثل الجزائر، تونس، المغرب، والسنغال. في هذه الدول، رغم أن العلاج ليس مجانيًا، إلا أن المريض على الأقل يحصل على خدمة تليق بما يدفعه، دون أن يشعر بأنه مجرد ضحية يتم استغلالها.

ما يدفع المرضى للسفر ليس فقط الكفاءة الطبية، بل الشعور بأن هناك من يهتم بهم بصدق، بعيدًا عن استغلال الأطباء الجشعين والمتاجرة بمعاناتهم.

كيف يمكن إصلاح هذا الوضع؟

لحل هذه الأزمة، لا بد من:
1. فرض رقابة صارمة على الأطباء والعيادات الخاصة، ومعاقبة من يثبت استغلاله للمرضى.
2. تحسين أوضاع المستشفيات العامة، وضمان توفر المعدات والخدمات الأساسية.
3. تقديم رواتب عادلة للأطباء الحكوميين، لمنعهم من التلاعب بالمرضى ودفعهم نحو العيادات الخاصة.
4. تشديد الرقابة على أسعار الفحوصات والتحاليل والأدوية، ومنع الأطباء من التربح من الوصفات الطبية.
5. تعزيز ثقة المواطن بالنظام الصحي من خلال تحسين جودة الخدمات، ليشعر المريض بأنه يتلقى رعاية محترمة دون الحاجة للسفر إلى الخارج.

خاتمة

إن القطاع الصحي هو أحد أعمدة الاستقرار في أي دولة، وعندما يتحول إلى تجارة بلا ضمير، يدفع المواطن الثمن من صحته وماله وحياته. ما نشهده اليوم من جشع واستغلال وإهمال هو جريمة أخلاقية بحق المواطن، لا تقل خطورة عن أي أزمة أخرى.

فهل يستمر الأطباء في هذا الطريق، أم أن هناك بصيص أمل لإعادة مهنة الطب إلى مسارها الإنساني؟

د.محمدعالي الهاشمي