لماذا نتحاشى قول الحقيقة* ؟ / سيدي علي بلعمش

خميس, 03/06/2025 - 05:01

مهما قلنا عن النظام الحالي* و مهما حملناه من مسؤوليات و مهما رفضنا من تبريراته (و هذا هو دورنا و واجبنا) ، لا يمكن أن ننكر سقوط كل أخطاء الأنظمة الماضية على رأسه لأسباب مرتبطة بتغير الزمن و التحول الكبير الذي يشهده العالم أجمع : من تداعيات حرب الصحراء و استحالة العدل بين ضرائرها ، إلى إرث معاوية و جريمة محاولة إحراق البولار للبلد ، إلى حمل عصابة افلام السلاح ضدنا ، إلى جرائم عشرية الشؤم و نهب عزيز و عصابته ثروات البلد و تهريبها إلى الخارج و محاولاته مسخ ثقافة و تاريخ الوطن في مشروع إجرامي حاول من خلاله أن يكون هو مؤسسه من خلال تبديل كل رموزه : نشيد عزيز ، علم عزيز ، عملة عزيز (…) و العبث بالانتماءات الأسرية من خلال حذف خصوصية البلد "ولد" و "بنت" من أوراقنا و إلغاء النظام الأسري المُعَرِّف لكل مواطن ، لنكون بلا أصول و لا تاريخ مثله ..

لا شك اليوم أن النظام الحالي أدرك استحالة أي عملية إقلاع من دون إنهاء كل هذه الملفات العالقة ، رغم وضوح براءة البلد منها و سهولة معالجتها ..

# بعد خطأ حرب الصحراء ، ما كان أمام البلد سوى اختيار الحياد و الالتزام به ، رضي من رضي و غضب من غضب ..

# كذبة الإرث الإنساني أصغر بكثير من جريمة أصحابها ، المؤسسة على خلفية "وثيقة الزنجي المضطهد" و حمل مجموعات سنيغالية (افلام) السلاح ضد البلد ، في عملية تصفية حسابات بين موريتانيا و الكيان الصهيوني ، تطوعت كل من السنغال و المغرب و زائير و المنظومة الغربية لإعطائها طابعا موريتانيا ، كنا فيه المتهم و الضحية ..

# كانت هذه هي المقدمات الحقيقية للجريمة التي يسميها البعض محاولة انقلاب البولار و كلها أمور لا يمكن فصلها عن خلفية الأزمة الموريتانية السنيغالية التي كانت بسبب شجار بين مزارع و منمي سينيغاليين ، لا علاقة لموريتانيا بأي منهما !!؟

و معروف أنه منذ عهد سينغور ، تحاول السنيغال التخلص من ورطة الفولان من خلال مساعدتهم بأي وسيلة لتأسيس وطن لهم في موريتانيا . و هذا ما فشلت دبلوماسيتنا في كشفه أمام دوائر الأمم المتحدة ، العارفة به أكثر من الجميع ..

أسماء جل من حملوا السلاح ضد بلدنا من السنغاليين ضمن عصابة افلام ، معروفين في سجلات وزارة الداخلية ، فلماذا لا تتم محاكمتهم و منعهم من دخول البلد !؟

# و لا يأتي مشروع هيمنة عزيز الذي تم إحباطه في آخر لحظة من حكمه ، دون ما سبقه من جرائم سابقة الذكر ، في حق بلدنا المستباح . و ما دام علمه يرفرف فوق رؤوسنا و نشيده يعزف كل صباح أمام أطفالنا ، يعتبر عزيز نفسه باق مهما طال سجنه !!؟

كان على الرئيس غزواني أن يفهم أن أي محاولة إقلاع لا تبدأ بإنهاء هذه الملفات الوهمية و الواهية كلها ، سيظل مصيرها الفشل :
ـ على المغرب و الجزائر أن تفهما أن موريتانيا قررت موقف الحياد ..
ـ على من يتكلم اليوم عن الإرث الإنساني ، أن يعيد ما حصل عليه أصحابه في خمس تسويات لفتحه من جديد ..
ـ على عصابة افلام أن تعود إلى قراها السنيغالية أو تذهب إلى الجحيم ..
ـ على عزيز أن يعيد كل ما نهب من خيرات البلد أو يبقى في السجن ما تبقى من عمره ..
ـ على السلطات أن تسن قانونا ، يُحَرِّم دخول البلاد ، على كل "مواطن" يتعاطى مع أي جهة أجنبية معادية للوطن مثل بيرام و خالي جالو ..

كل هذه الأمور تحسمها قرارات واضحة تعلن انتهاء زمن الاستباحة.

يجب إعلان قرار عودة كل الفولان السينغاليين إلى السنيغال و عودة كل الفولان الماليين إلى مالي من دون أي إساءة إلى الفولان الموريتانيين الذين نحترمهم و نعتز بهم و نعتبرهم فوق كل اتهام .
و اعتبارا للروابط الأسرية التي نحترمها جدا ، يتم وضع إجراءات مُنظِّمة للتواصل ، لا نضيق فيها على أحد ، لكن على شرط أن تتم عملية فك الأرتباط أولا و عودة كل مواطن إلى بلده ..

أما بقية القوميات من السنيغال و مالي على وجه الخصوص ، فلا نطالبهم بسوى تصحيح وضعياتهم ، بلا تقتير و لا تعنيف و تَفّهُّم ظروف بلدنا في هذه المرحلة الصعبة بكل ما تتطلبه من إجراءات صارمة ، لم نعد نسمح لأنفسنا بالتراخي في شأنها .

و هناك ملف آثار العبودية الذي حُمِّلَ بكل أباطيل الحقوقيين المزورين ، المتاجرين بكل قضايا الوطن : و معروف أن جفاف السبعينات حَوَّل جل الموريتانيين إلى فقراء معدمين ، منهم من نزح إلى المُدن الكبرى و منهم من ما زال يعاند قدره في جفاء مسقط رأسه .
لقد طغت آثار الجفاف على كل حالات التفاوت الاجتماعي ، ليصبح الجميع يكابد نفس الظروف المعيشية الصعبة . و من يفرق اليوم بين ظروف رقيق سابق و سيده إما أن يكون جاهلا بالوضع و غير معني بالحقيقة و إما أن يكون متكلما بمنطق انتقام ضد من لم يعد من بيننا من يمثلون ضحاياه و لا أبطاله..

من يحب هذا الوطن و يريد له الخير و العدل و المساواة ، يجب أن يناضل و يعمل اليوم من أجل مساعدة كل من يعانون من انعكاسات جفاف السبعينات المستمرة ، لا من آثار بعضها دون البعض ..

كل مأساة يذوب فيها كل ما دونها من آلام ، لكن جهل "المناضلين" في بلدنا ، جزء من مأساة جفاف السبعينات أو وجه آخر من أوجهه و أخطر مآسي الكون يظل الجهل بلا منازع !!
فما الضير في توسيع البحث عن مأساة آثار الجفاف لتشمل كل المحرومين ؟
أم أن علينا أن نسميها آثار العبودية ليعيش بيرام على ريعها ؟

من يقوم اليوم بدراسة منصفة و عادلة سيكتشف حتما أن أكثر قومية فقرا و أقلها دخلا و أكثرها معاناة من البطالة هي قومية "البيظان" (بالتعريف الخاطئ لقاموس بيرام المصر على فصل الحراطين عن المور" !؟

لقد جرمت موريتانيا العبودية و أنشأت لها محاكم خاصة ، متجاوزة في هذا الشأن كل دول الجوار و المنطقة ، التي أصبحت المنظمات الحقوقية فيها تطالب بتقفي التجربة الموريتانية . و ما تبقى من العبودية في البلد مرتبط حصريا بالأوساط الزنجية نتيجة امتداده في أبعادهم المجاورة التي ما زالت العبودية فيها ممارسة قائمة لا يُعاقَب عليها فاعل و لا مدافع عنه . و من يتكلمون اليوم عن العبودية في موريتانيا هم أكثر من يمارسونها بطرقها الجديدة ؛ أي استغلال الإنسان للإنسان ، مثل حراس موكب بيرام الخرافي الذي تتجلى فيه أبشع أنواع الاستغلالية و استفزاز مشاعر المجتمع من خلال هذه الممارسة المشينة ، *المقلدة* لممارسات العصور الفرعونية ..