الوطن ليس مجرد بقعة جغرافية، ولا حدود مرسومة على خرائط السياسة، بل هو هوية، وانتماء، وولاء لا يقبل التفاوض أو المساومة. غير أن بلادنا اليوم تعاني من أزمة عميقة في الانتماء، حيث امتلأت الساحة بجواسيس الداخل والطوابير الخامسة التي باتت تشكل أخطر تهديد للسيادة الوطنية.
إن من أخطر ما يواجه الدول ليس العدو الخارجي بقدر ما هو العدو المتخفي في الداخل، ذلك الذي يتحدث بلغتنا، ويأكل من خيراتنا، لكنه يسعى في الخفاء لإضعاف الدولة، وفتح أبوابها أمام قوى أجنبية لا ترى في موريتانيا إلا ساحة نفوذ ومصدر مصالح.
في هذا البلد، لم يعد الولاء للوطن هو القاعدة، بل أصبح الاستثناء، فقد استحكمت الولاءات المزدوجة، وتغلغلت أيادي الخارج في نسيجنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
• المغرب يدير لوبيات قوية تضم شخصيات نافذة وإمبراطوريات اقتصادية، مستغلاً بعض الطرق الصوفية التي أصبحت ترى في المملكة مرجعيتها الروحية، أكثر مما ترى في موريتانيا وطنها الأم.
• السنغال صنعت لوبيها الخاص، الذي يتحرك بذكاء داخل مفاصل الدولة، مؤثراً في قراراتها ومصالحها.
• فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، لم تترك البلد يحدد مصيره بنفسه، فصنعت لنفسها طابورًا خامسًا يدافع عن مصالحها، ويكرس هيمنتها السياسية والاقتصادية والعلمية، ليظل البلد تابعًا لها لا شريكًا مستقلاً.
فأين الوطن وسط كل هذا؟ وأين الانتماء؟ وأين السيادة؟
إن الدفاع عن الأجندات الخارجية تحت مسميات زائفة من “الروابط الروحية”، و”العلاقات التاريخية”، و”الشراكات الاقتصادية” ليس سوى شكل من أشكال الخيانة المغلفة، التي تجعل الوطن هشًّا من الداخل، ضعيفًا أمام الخارج.
أما الأخطر من ذلك، فهو تسلل الحركات العنصرية المتطرفة مثل “إيرا” ونجدة العبيد …وبعض المرتزقة الذين لا يرون في موريتانيا إلا مشروعًا للتقسيم، وأداة لتحقيق مكاسب شخصية أو تنفيذ أجندات تخدم قوى لا تريد لنا الخير.
هل هذا جشع أم طمع؟ هل هو خوف أم خيانة؟
أيًّا كان التفسير، فإن الحقيقة واحدة: موريتانيا تُسرَق من الداخل، ويجب أن تستعيد أبناءها الحقيقيين قبل أن تبتلعها أطماع الطوابير الخامسة والجواسيس والمرتهنين للخارج.
الوطن لا يُشترى ولا يُباع، فإما أن تكون موريتانيًّا خالص الولاء، أو أنك خارج معادلة الشرف والانتماء.
د.محمدعالي الهاشمي