الحوار الوطني كأداة لمواكبة التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتعزيز الأمن والتنمية

جمعة, 03/14/2025 - 14:40

في ظل التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع، تأتي دعوة رئيس الجمهورية إلى حوارٍ وطني شامل كخطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الاستقرار ومواكبة التطورات الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية، مع مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة. فقد شهد الاقتصاد الوطني تحسنًا ملحوظا نتيجة الاستغلال الموارد الطبيعيه مما عزز فرص الاستثمار والتنمية. سياسياً، يسود مناخٌ من التهدئة السياسية يفتح المجال أمام توافقاتٍ أوسع ويهيئ بيئةً أكثر استقرارًا للإصلاحات. غير أن هذه التحولات الإيجابية يقابلها تحديات اجتماعية عميقة، أبرزها التأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي على القيم المجتمعية، وانتشار التفسخ الأخلاقي وتعاطي المخدرات، مما يتطلب معالجةً شاملة.
أمنيًا، يشكل تفشي الهجرة غير الشرعية وتصاعد الجرائم الغامضة تهديدًا للاستقرار، مما يفرض ربط الحوار الوطني باستراتيجيات تنموية وأمنية متكاملة.

1. التحولات الاقتصادية: نحو مستقبل واعد

يشهد الاقتصاد الوطني طفرةً إيجابية بفضل الثروات الطبيعية التي تمتلكها البلاد، حيث يُساهم استخراج الغاز، وتعدين الذهب، والفوسفات، والحديد، في دعم النمو الاقتصادي وخلق فرص عملٍ جديدة. كما تُعَدُّ الثروة السمكية موردًا حيويًا يمكن أن يُعزز الأمن الغذائي ويوفر مداخيل هامة. ومع ذلك، فإن الاستفادة القصوى من هذه الموارد تتطلب سياساتٍ اقتصادية مستدامة، تركز على التصنيع المحلي، وتحفيز ريادة الأعمال، وضمان توزيعٍ عادلٍ للثروات لتحقيق تنميةٍ متوازنة.

2. التحولات السياسية: نحو التهدئة والاستقرار

يشهد المشهد السياسي حالةً من التهدئة النسبية، حيث تسعى مختلف الأطراف إلى تجاوز الخلافات وتعزيز الحوار كوسيلةٍ لحل النزاعات. هذه التهدئة تُتيح فرصةً ثمينةً لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية جذرية، وتعزيز المشاركة المجتمعية في صنع القرار، وهو ما يُساهم في تحقيق الاستقرار السياسي ويمنع الاضطرابات التي قد تعرقل مسار التنمية.

3. التحولات الاجتماعية: تحديات القيم والمخاطر المجتمعية

في مقابل التحولات الاقتصادية والسياسية الإيجابية، يواجه المجتمع تحدياتٍ اجتماعية خطيرة، أبرزها:
• الانقلاب على القيم التقليدية نتيجة التأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت هذه المنصات مصدرًا رئيسيًا لنشر أنماطٍ ثقافيةٍ دخيلة تُهدد الهوية الاجتماعية وتُضعف الروابط الأسرية.
• انتشار التفسخ الأخلاقي نتيجة غياب الضوابط الأخلاقية، وظهور سلوكياتٍ غريبةٍ تتعارض مع المبادئ والقيم المجتمعية.
• تفشي المخدرات كظاهرةٍ تُهدد الشباب، ما يستدعي استراتيجياتٍ وقائيةً وعلاجيةً متكاملة.

4. التحديات الأمنية: الهجرة غير الشرعية والجرائم الغامضة

تُشكل الهجرة غير الشرعية تهديدًا متزايدًا للأمن الوطني، حيث أصبحت البلاد نقطة عبورٍ رئيسية نحو أوروبا، مما يُعرِّض الشباب لمخاطر الاستغلال، ويخلق أعباءً أمنيةً إضافية. كما أن تصاعد الجرائم الغامضة، وانتشار الشبكات الإجرامية، يستدعيان تعزيز التعاون الأمني، وتطوير آليات استخباراتية لمكافحة هذه الظواهر بفعالية.

5. توصيات لتعزيز دور الحوار الوطني في التنمية والأمن

لضمان نجاح الحوار الوطني في معالجة التحديات الراهنة، يجب تبني مقاربةٍ شاملة تجمع بين التنمية الاقتصادية، والاستقرار السياسي، والتماسك الاجتماعي، وتعزيز الأمن، من خلال:

أ. تعزيز الشراكة المجتمعية وإشراك الشباب والكفاءات
• ضمان تمثيل الشباب والخبرات الوطنية في جميع مراحل الحوار، لضمان استمرارية التنمية.
• توظيف المنصات الرقمية لاستقطاب آراء مختلف الفئات، خاصةً في المناطق النائية.

ب. تطوير سياسات اقتصادية مستدامة
• وضع خطط تنموية تستثمر في القطاعات الواعدة مثل الطاقة والتعدين والصيد البحري، مع التركيز على توطين الصناعات.
• تحفيز الاستثمارات الخاصة، خاصةً في مشاريع البنية التحتية والتعليم والتكنولوجيا.
• ربط العوائد الاقتصادية بتحسين الخدمات العامة، مثل الصحة والتعليم، لضمان استفادة المجتمع من التحولات الاقتصادية.

ج. حماية القيم الاجتماعية وتعزيز التوعية
• إطلاق حملاتٍ توعويةٍ حول مخاطر التفسخ الأخلاقي والمخدرات، بالتعاون مع المؤسسات الدينية والثقافية.
• فرض رقابةٍ صارمة على المحتويات الإعلامية التي تروج للانحلال والتطرف الثقافي.
• تعزيز دور المؤسسات التعليمية في ترسيخ القيم الوطنية، وتشجيع التفكير النقدي لدى الشباب لمواجهة التأثيرات السلبية لمواقع التواصل.

د. مواجهة التهديدات الأمنية بفاعلية
• تطوير سياسات أمنية تستهدف تفكيك شبكات الهجرة غير الشرعية، وتعزيز الرقابة الحدودية.
• تحديث الأجهزة الأمنية وتزويدها بتقنيات حديثة لتحليل الجرائم الغامضة والتصدي للمنظمات الإجرامية.
• توفير فرص عمل وبرامج اجتماعية للشباب، لمنع انجذابهم إلى الأنشطة غير المشروعة.

هـ. ضمان تنفيذ مخرجات الحوار الوطني
• إنشاء هيئة مستقلة لمتابعة تنفيذ توصيات الحوار، مع نشر تقارير دورية لضمان الشفافية والمساءلة.
• ربط مشاريع التنمية والاستثمار بآليات تقييم دورية لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

خاتمة

إن الحوار الوطني، في ظل التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع، يُعَدُّ ضرورةً استراتيجية لمواكبة التطورات الاقتصادية والسياسية، ومواجهة التحديات الاجتماعية والأمنية. نجاحه يتطلب تجاوز الخطاب التقليدي إلى تبني سياساتٍ واقعية، تستند إلى تمكين الشباب والكفاءات، وتعزيز التنمية، وحماية القيم، وتحقيق الأمن والاستقرار. بذلك، يمكن للحوار الوطني أن يكون حجر الأساس لبناء مستقبلٍ مزدهر، يحقق تطلعات الأجيال القادمة، ويضمن استدامة الاستقرار والتقدم.

د.محمدعالي الهاشمي