الفرنكوفونية: أداة فرنسية في خدمة المصالح الضيقة، لماذا يجب على موريتانيا الانسحاب؟

ثلاثاء, 03/18/2025 - 14:46

تُعد المنظمة الدولية للفرنكوفونية (OIF) واحدة من أكبر المنظمات العالمية التي تجمع الدول الناطقة بالفرنسية أو تلك التي ترتبط بلغتها وثقافتها. وعلى الرغم من أن أهدافها المعلنة تتمثل في تعزيز التعاون الثقافي والاقتصادي بين أعضائها، إلا أن واقع عملها يكشف عن عيوب هيكلية وتوجهات سياسية تجعلها، في جوهرها، أداة لخدمة الأجندات الفرنسية والسنغالية. وهذا يطرح تساؤلات حول مدى فائدة هذه المنظمة لدوله مثل موريتانيا، التي لم تجد في عضويتها سوى تهميشًا مستمرًا وتكريسًا للهيمنة الفرنسية والسنغالية على حساب مصالحها الوطنية.

الفرنكوفونية: أداة للهيمنة الفرنسية

منذ تأسيسها، لعبت فرنسا دورًا مركزيًا في المنظمة الدولية للفرنكوفونية. فهي التي تقودها ماليًا ودبلوماسيًا، وتحدد الأهداف والبرامج التي يتم تبنيها. فرنسا، التي تحمل إرثًا استعماريًا ثقيلًا في العديد من الدول الإفريقية، تسعى من خلال هذه المنظمة إلى الحفاظ على نفوذها السياسي والاقتصادي في مستعمراتها السابقة. وهذا النفوذ لا يقتصر على اللغة والثقافة فحسب، بل يتعداه ليشمل تحكمًا غير معلن في السياسات الاقتصادية والأمنية لهذه الدول.

من خلال هذه الهيمنة، تُحرف المنظمة عن أهدافها المعلنة في تعزيز التعاون المتعدد الأبعاد بين الدول الأعضاء، لتصبح مجرد أداة لتحقيق مصالح فرنسا، والترويج لقيمها وأيديولوجياتها. وليس من المستغرب أن تكون الدول التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفرنسا، مثل السنغال وكوت ديفوار، من أبرز اللاعبين داخل المنظمة، ما يجعلها عرضة لاستغلال مصالح هذه الدول على حساب الآخرين.

موريتانيا: تهميش دائم ولا مكاسب حقيقية

بالنسبة لموريتانيا، لم تكن عضويتها في المنظمة سوى استمرار للارتباط الثقافي واللغوي مع فرنسا، دون أن تحقق فائدة حقيقية على الصعيدين السياسي والاقتصادي. فرغم أنها دولة ذات أهمية استراتيجية في منطقة غرب إفريقيا، إلا أنها وجدت نفسها دائمًا في موقع التهميش داخل المنظمة. فلم تكن لديها القدرة على التأثير في القرارات التي تتخذ داخل المنظمة، ولا على تشكيل سياساتها. وعوضًا عن استفادتها من التعاون مع الدول الأخرى، كانت مصالحها تغيب في زحمة المصالح الفرنسية والسنغالية.

على الرغم من التنوع اللغوي والثقافي الذي تتمتع به موريتانيا، إلا أن انضمامها إلى منظمة الفرنكوفونية لم يتجاوز حدود كونه مجرد منصة ثقافية تساهم في الحفاظ على اللغة والثقافة الفرنسية. فقد ظل غياب المشاريع الاقتصادية والتنموية الحقيقية أبرز سمات هذا التعاون، مما يعكس عجز المنظمة عن تحويل شعاراتها إلى إنجازات ملموسة تلامس حياة المواطنين اليومية وتحقق لهم الفائدة الحقيقية.

السنغال وكوت ديفوار: توجيه المنظمة لخدمة الأجندات الضيقة

إذا كان الدور الفرنسي في المنظمة يثير الكثير من الجدل، فإن السنغال وكوت ديفوار يشكلان في الواقع مركزين آخرين يسهمان في توجيه سياسات المنظمة بما يخدم مصالحهما الخاصة. في حين كانت الدول مثل النيجر والعديد من الدول الإفريقية الأخرى تطمح إلى استخدام المنظمة لتحقيق أهداف تنموية، نجد أن السنغال وكوت ديفوار لا يتوانيان عن استخدام هذا المنبر لخدمة أجنداتهما السياسية والاقتصادية، دون الاهتمام بمصالح الدول الأخرى. وبالتالي، فإن العضوية في المنظمة تصبح محكومة بموازين قوى غير متكافئة، مما يخلق حالة من التهميش المتزايد للمشاركين الآخرين.

النيجر: خطوة في الاتجاه الصحيح

في خطوة جريئة وصحيحة من الناحية الاستراتيجية، أعلنت النيجر اليوم انسحابها من المنظمة الدولية للفرنكوفونية. لقد قررت النيجر أن استمرار عضويتها في المنظمة لا يخدم مصالحها الوطنية، بل يُكرّس وجودًا فرنسيًا غير مبرر في المنطقة. ولعل تجربة النيجر تكون درسًا لغيرها من الدول الأعضاء في الفرنكوفونية، بما في ذلك موريتانيا، التي يجب أن تفكر مليًا في جدوى استمرار عضويتها في منظمة لا تقدم لها سوى المزيد من التهميش ولا تتيح لها التأثير على القرارات المتخذة.

الاستنتاج: حان الوقت للانسحاب

إن الوقت قد حان لموريتانيا لمراجعة علاقاتها مع المنظمة الدولية للفرنكوفونية واتخاذ خطوة جادة نحو الانسحاب منها. لا يمكن الاستمرار في تقديم الولاء لمنظمة يُسيطر عليها النفوذ الفرنسي والسنغالي دون أن تحقق مصالح حقيقية لموريتانيا. أمام موريتانيا اليوم الفرصة للتركيز على تطوير علاقاتها مع الدول الاوروبيه والعربية والإفريقية بعيدًا عن الهيمنة الثقافية والسياسية للفرنكوفونية، مع الحفاظ على علاقتها مع فرنسا من خلال قنوات أخرى أكثر استقلالية.

على موريتانيا أن تعلن عن انسحابها من هذه المنظمة التي فشلت في تقديم أي فائدة استراتيجية لها، وأن تبحث عن منصات أخرى تعكس مصالحها الحقيقية في عالم اليوم. في النهاية، لا شيء يستحق البقاء في علاقة لا تخدم إلا أجندات الآخرين، وموريتانيا بحاجة إلى أن تتخذ قرارات جريئة تضمن مستقبلها المستقل بعيدًا عن تبعات الفرنكوفونية.

د.محمدعالي الهاشمي