
الحمد لله. لقد وهب الله الإنسان عقلاً يرشده، فسُمي عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن الوقوع في ما يشيبه أو يؤذيه، ومن خلال ما نراه ونعيشه يوميًا، يتبين لنا أن هذا العقل وسيلة لفهم الواقع والتمييز بين النافع والضار بين الصالح والطالح..
لقد نجحنا في نبذ أساليب وعقليات مجتمعنا لما فيها من غبن وعدم إنصاف، واستبشرنا بالديمقراطية، ورحبنا بها كإسم جديد يحمل في طياته الأمل: الأمل في الشورى، في المشاركة، في أن نكون على دراية بما يجري من حولنا، وأن نُستشار جميعا في القرارات التي تُتخذ باسمنا.
لكن الديمقراطية، حين تخلو من الممارسة الفعلية، تكون أسوأ من النظم التي سبقتها؛ إذ تتحول إلى واجهة شكلية تخدع الناس وتغتال آمالهم.
إن المحاكاة السطحية ليست حلاً، فهي مجرد ردة فعل غريزية لا تليق بالمجتمعات الواعية، و المخرج الحقيقي يكمن في الإيمان العميق بالمبادئ، وفي إحترامها والدفاع عنها بصدق وتحرر، دون إنتظار مقابل من جميع المواطنين على إختلاف أعمارهم ومشاربهم.
إن الدعوة إلى الحوار، والمواطنة، ومحاربة الفساد، كلها آليات أساسية لنجاح الديمقراطية. غير أن هذه المبادئ تتهاوى حين يصعد خطاب "الشعبوية" ويتم استغلال الإعلام للقفز على عقول الناس، مع غياب الإحساس بنعم الاستقرار والأمن، وغياب سلوك شكرها وصيانتها.
لقد سقطت ممالك وزالت أنظمة على يد من لم يُتوقع منهم ذلك. وهذا يزيد العقل البشري تجربة وحنكة، ويكشف مسلّمة أن "نصف العقل عند أخيك" وهو ما يعزز الحاجة للتفكر والمراجعة. لكن التجارب المتراكمة أيضًا أظهرت حدود العقل البشري، مهما بلغ من فطنة ورجاحة.
إننا نعيش اليوم على وقع تقلبات: حروب، محاكمات، و مظاهر رفاهية مادية مفرطة، وهي كلها زائلة، وما لم نستفد من التجارب الماضية، نكون قد فوّتنا فرص ثمينة لتحاشي مخاطر قادمة..
الوعي في ازدياد، بفعل انتشار التعليم. فقلّ أن تجد اليوم أسرة تخلو من متعلم. وإذا اقترن هذا العلم بالمهنية، والانضباط، والاستقامة الفكرية والأخلاقية، فسنخطو خطوات كبيرة وغير متوقعة نحو الرقي والازدهار. ذلك الرقي الذي يعني ضمنًيا نبذ الكراهية، والعنصرية، والتفرقة، وكل ما يُجمع على كونه معيقًا للتنمية.
علينا أن نحافظ على ما تحقق من مكتسبات، ونحصنها.لأن التراجع عنها سيعيدنا إلى الوراء، وسيسرع في تدمير المؤسسات الوطنية.. فلنحترم دستورنا، وإذا ما أردنا إدخال إصلاحات، فلنستند إلى حوار شامل ونزيه، يراعي عقول المواطنين، ويقدّر محدودية الإنسان وضعفه.
كم من فقير استغنى، وكم من غني افتقر. كم من خطة كُشفت خيوطها، وكم من استراتيجية اندثرت أو تبدّلت ملامحها. ومع كل ذلك، يظل العقل سيد الموقف.
إننا نمر بمرحلة دقيقة، نحتاج فيها إلى أصوات العقلاء وأصحاب التجربة. ومن الحكمة أن يشركوا في صناعة القرار، ولو كانوا خارج دوائر الحكم، وان تتم الإستعانة بمقدراتهم حتى نتمكن من العبور بالبلد إلى بر الأمان.
والله ولي التوفيق
ادوم عبدي اجيد