ثمت معلومات كثيرة غامضة، و غائبة عن أذهان الكثير من مواطنينا حول وصول "ولد عبد العزيز" للسلطة.. بل يظن الكثير من السذج والغوغاء أنه وصل للسلطة عن طريق انتخابات " شفافة ونز يهة" ، لكن الأمر أغمض مما يظن الناس...
و أعرض عليكم هذا التحقيق الذي يكشف بعض هذه الأسرار ، ويبيّن مدى الفساد الذي ينخر في رأس الدولة وأعضائها..كما يكشف ضحك الحكومة على ذقون الشعب في دعواها محاربة الفساد..
ما إن اختار الشعب الموريتاني أول رئيس ديموقراطي، في عملية انتخابية هي الأكثر شفافية في تاريخ المسار الديموقراطي الموريتاني، وبنسب مئوية مشابهة لنسب الفوز في أرقى الديموقراطيات الغربية... حتى استبشر الشعب بعهد جديد، من الحرية و الديموقراطية والشفافية...
بيد أن الفرحة لم تدم طويلا...فحين كان الحكام الغربيون منشغلون بالإصطياف على شواطئ البحار والمحيطات. وحين كانت الوزارات الغربية السيادية خالية من مسؤوليها إلا من أفراد مداومين... انتهزها "الجندي" فرصة لينقض على الشرعية .. فحدَثَ ذلك الإنقلاب المفاجئ ذات قيلولة من صيف سنة 2008..
اشتد الضجيج في نواكشوط.. وكعادة الموريتانيين في التصفيق والتملق والنفاق لكل لص متغلب، خرج الجميع في مظاهرات متملقة تُسبِّح بحمد "الجندي" الجديد...
انقسم الساسة في شأن الإنقلاب بين راض وساخط ، واختلطت الأمورعلى الغرب.. فأرسلت البعثات الديبلوماسية الغربية ببرقيات عاجلة إلى حكوماتها لتخبرها بالخبر...
وبينما كان الرئيس الفرنسي آنذاك "نيكولا ساركوزي" يعوم في مسبحه، إذ تلقى اتصالا هاتفيا طارئا من وزير خارجيته ليخبره بانقلاب مفاجئ في إفريقيا : انقلاب العسكري ولد عبد العزيز على الرئيس الذي انتخبه الشعب بملئ إرادته.. لم يعبأ ساركوزي بالخبر وواصل سباحته رفقة الشقراء الإيطالية ، عارضة الأزياء السابقة كارلا بروني.
أما أمريكا، فرفضت الإنقلاب بادئ ذي بدء ...
بعد ذلك، تبعتها فرنسا..ووضعت هذه الاخيرة بكل ثقلها رافضة الإنقلاب، باعتباره مروقا على الشرعية الديموقراطية... فجأة، و بعد أشهر قليلة بدأ الموقف الفرنسي يلين ، وفي النهاية رضيَ الرئيس الفرنسي ساركوزي بالإنقلاب . جرَّ قبول ساركوزي للإنقلاب كافة الدول الغربية وخاصة أمريكا إلى السير مع فرنسا في قرارها.
لكن : كيف قبلت فرنسا بالإنقلاب ؟ ومن هم أبطال الصفقة ؟
كانت فرنسا - إبان انقلاب عزيز - محكومة من حزب اليمين برئاسة نيكولا ساركوزي، ووزير داخليته كلود جيان Claude Guéant. كان هذا الأخير نشطا في نادي فرنسا-إفريقيا FrançAfrique ، وله علاقة وطيدة برجال الأعمال الأفارقة، وخاصة برجل أعمال موريتاني مشهور، الذي كان حصل على الجنسية الفرنسية – الصعبة المنال - بوساطة من وزير الداخلية كلود جيان.
إضافة إلى كلود جيان، كان ثمت عنصر آ خر أشد نشاطا وأكثر اتصالا بجنرالات إفريقيا ، وهو النائب البرلماني اليميني (باتريك بلقاني)Patrick Balkany . هذا الأخير سوف يلعب دورا بارزا في تهيئة الظروف لإنجاح الإنقلاب، وبالتالي تثبيت الجنرال "عزيز" في الحكم. في أوج الأزمة السياسية العاصفة بموريتانيا، وبالتحديد يوم التاسع يونيو من 2009، انطلق النائب الفرنسي باتريك بلقاني على متن طائرة خاصة من نوع شالنجز بومباردي 500Challenger Bombardier ، يملكها رجل أعمال كازاخستاني. أقلعت الطائرة سرا من مطار كازاخستان باتجاه دولة من دول المغرب العربي، وبعدها حطت الرحال في انواذيبو...كانت مهمة بلقاني ورجال الأعمال في منتهى السرية ، ولم يُعلَن عنها لا في الإعلام ولا في غيره... لكن المؤكد أن لها علاقة بمحاولة تمرير الإنقلاب الذي حدث قبل أشهر في انواكشوط بقيادة العسكرى ولد عبد العزيز. كان يرافق النائب الفرنسي (باتريك بلقاني) عدد من رجال الأعمال الغربيين تابعين لمجموعة آرسلور ميتال Arcellor Metal ، وهي أكبر مجموعة دولية لصناعة الحديد.. إضافة إلى رجل أعمال تونسي يدعى إلياس شاذلي ، وكان هذا الأخير نشطا جدا في مشروع ساركوزي آنذاك المسمى الإتحاد من أجل المتوسطي l’Union pour la Méditerranée . بعد وصول الطائرة إلى موريتانيا، التقى النائب الفرنسي (باتريك بلقاني) بمحمد ولد عبد العزيز في مدينة انواذيبو . حصل اللقاء أياما قليلة قبيل الإنتخابات الرئاسية . وجرى بين الرجلين حوار مباشر وجها لوجه لمدة ساعة كاملة ..
ماذا دار في اللقاء ؟
تذكر مصادر غربية مطلعة أن النائب (باتريك بلقاني) تحدث مع العسكري محمد ولد عبد العزيز في موضوع قبول القوى الغربية للإنقلاب العسكري. من أجل ذلك، طرح (بلقاني) عدة شروط على ولد عبد العزيز ، منها : مشاركة عناصر من الجيش الموريتاني مع الجيش الفرنسي في الحرب على القاعدة في صحراء مالي.. ومنها زرع عسكريين فرنسيين في أطار في قاعدة عسكرية هناك. مقابل القبول بهذه الشروط، تقوم فرنسا بقبول الإنقلاب العسكري. وتقوم من جهتها بعض الشركات الغربية بسلسلة اتفاقات وتعاونات تجارية مربحة لصالح شركة اسنيم. بعد هذا اللقاء بأسابيع قليلة تم انتخاب محمد ولد عبد العزيز رئيسا لموريتانيا! ويُستنتج من ذلك ، أن العسكري "ولد عبد العزيز" قبل دون مساومة بتلك الشروط.
من هو باتريك بلقاني؟
باتريك بلقاني Patrick BALKANY (يهودي من أصل مَجَري) . نائب وعمدة – في نفس الوقت - عن الدائرة الخامسة لمنطقة أعالي السين "أو دو سين" Hauts-de- seine. وهو أحد رؤوس نادي فرنسا- إفريقيا FrançAfrique ، تلك الشبكة المتخصصة في قهر الشعوب واستعبادها ونهب ثرواتها... إنها شبكة تربط بين رجال أعمال فرنسا وساستها من جهة، وزعماء إفريقيا السوداء ورؤساء جيوشها ورجال أعمالها من جهة أخرى. للنائب (بلقاني) وساطات شهيرة في مساندة ودعم بعض انقلابيي إفريقيا مثل غينيا وتشاد وغيرهما....
كان (بلقاني) نشطا في إفريقيا من سنوات 2007 إلى 2012. له ارتباطات وثيقة بالرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. ومن الشائع عند الفرنسيين أن ساركوزي وبلقاني كانا صديقين منذ أيام الشباب وتربطهما صداقة عميقة تتجاوز حدود السياسة والإيديولوجيا. كلاهما يهودي و ابن مهاجر يهودي ، ويرجع أصلهما معا إلى دولة المجرHongrie . آوتهما فرنسا .. درسا فيها، وتسلقا فيها أعلى المناصب.
يُشتهر عن النائب بلقاني تورطه في الكثير من الفضائح المالية ، منها غش ضريبي، وامتلاك عقارات في باريس وفي مراكش، وحصوله على تحويلات مالية إلى حسابه من طرف شركات دولية في إفريقيا ، وملكيته لحساب بنكي في سويسرا يحوي ثلاثا وثلاثين مليون يورو، ناتج – حسب كشف الصحافة – عن تبييض أموال البلدية التي كان يديرها.
وخلال التحقيق معه، أمر القضاء بسحب جواز سفره لئلا يفر للخارج أو يؤثر على شهود أجانب لهم معرفة بالملف. ومن أجل سير العدالة ، فقد انتُزعت منه الحصانة البرلمانية في مارس 2015 ، بعد صراع مرير وتجاذبات بين النواب حول نزعها عنه . أما زوجه "إزابيل سماجة" وهي يهودية أيضا من أصل تونسي ، فقد اتهمتها العدالة بالضلوع في نفس الفساد، ووضعتها قيد الحراسة النظرية، واضطرت السيدة "سماجة" إلى دفع مليون يورو مقابل تخلية سراحها – ريثما يتم التحقيق – في القضية. وفي يوليو 2015 أصدرت العدالة قرارها بحظر باتريك بلقاني من السفر نهائيا لخارج فرنسا، واحتجزت جواز سفره. وأثناء التحقيق ، أثبت القاضي على بلقاني تهمة " تقييم كاذب" لثروته الشخصية التي أعلن عنها في إطار قانون إعلان الشفافية التي يخضع لها كل المنتخَبين على صعيد التراب الفرنسي.
وقد انتُخب بلقاني خمس مرات متواليات كنائب عن الدائرة الخامسة لمنطقة أو دو سين المعروفة تحت اسم مدينة : Levallois-Perret-Clichy. كما تَوّجَهُ رئيس جمهورية سانترافريك Cantrafrique قائدا لنظام الإستحقاق الوطني لسنة 2010. ومن أشهر عمليات فساد النائب (بلقاني) ، توقيعُه في يوم 19 أغشت 2008، على عقد غير قانوني قيمته تتجاوز خمسة ملايين يورو، مع دولة تشاد لإعادة ترميم سفارتها في قلب باريس.
أما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فأخبار فساده أشهر من أن تذكر، ومنها شهادة صاحبه تاجر السلاح اللبناني "زياد تقي الدين" أنه قدم ثلاث حقائب فيها خمسة ملايين من اليورو كهدية من الرئيس الليبي القذافي .. عن طريق عبد الله السنوسي، مدير مخابرات القذافي. ومن قضايا فساده الشهيرة أيضا ضلوعه في عمليات غش مالي بشأن تمويل حملته الإنتخابية لسنة 2012.
أما وزير الداخلية الفرنسي الأسبق كلود جيان فقد كان ضالعا في عمليات فساد منها استلامه لمبالغ نقدية قدرها مائتي ألف يورو كرشوة من بعض النافذين ... وبعد التحقيق القضائي، ثبتت عليه التهمة ، وحكمت عليه المحكمة الفرنسية بعامين سجنا غير نافذ، وبالمنع خمس سنوات من ممارسة أي مهنة عمومية في الدولة...
كلود جيان هو من وصف ذات يوم الحضارة الإسلامية بأنها حضارة منحطة ودنيئة... قالها عدة مرات على أمواج الإذاعات الفرنسية. وسكتت عنه كل الدول الإسلامية ولم تنبس ببنت شفة.
استنتاج :
إذاً، فإن صاحبنا " عزيز" مدعوم من متنفذين غربيين فاسدين. فكيف يزعم محاربة الفساد؟
وبالجملة، فإن ادعاء حكومة العسكري "عزيز" محاربة الفساد في حين أنها والغة فيه ، كما أنها وصلت للحكم عن طريقه، وهي متواطئة في ذلك مع مفسدين آخرين متعددي الجنسيات... كل ذلك يعرّي ويفضح هذا الخطاب المزدوج الذي طالما ضحكت به الحكومة الفاسدة على الشعب المقهور...
من صفحة الكاتب على الفيس بوك عبدالله ولد المرواني