الحقيقة-أنواكشوط وصلت عمليات التهريب التي قيم بها [قامت بها السفارة الموريتانية في دمشق] على حد معرفتي إلى 276 عملية خلال ست سنوات، وكانت نتائجها كالتالي: (188.919 مائة وثمان وثمانين ألفا وتسعمائة وتسع عشر كروصا)، أي (1.889.190 مليون وثمانمائة وتسعا وثمانون ألفا وتسعين علبة)، ما يصل إلى (37.783.800 سبعة وثلاثين مليونا وسبعمائة وثلاث وثمانين ألفا، وثمانمائة لفافة) من مختلف أنواع السجائر. هذه هي الطريقة التي يحسب بها الجمارك السوريون السجائر المهربة عندما يستولون عليها".
هذه فقرة من كتاب "مذكرات سائق" لمؤلفه الدبلوماسي المتقاعد، والسائق سابقا في سفارة بسوريا سيد أحمد ولد امبارك، والتي غطت فترة طويلة من تاريخ هذه السفارة، وكشفت كواليس عمل عدة سفراء عملوا خلال الفترة 1982 إلى 1993، وهي الفترة التي كان فيها سائقا، قبل أن يتحول إلى دبلوماسي.
ويقول إن المبالغ التي حصلت من عمليات تهريب الدبلوماسيين الموريتانيين للسجائر من لبنان إلى الأردن عبر سوريا كانت 409.839 دولارا، استفاد منها شخص واحد، وذلك حسب مشاهدات مدون المذكرات، ناقلا عن القنصل الشرفي لموريتانيا في الأردن قوله إن المبالغ كانت أعلى بكثير، وإنها في حدود 3.5 مليون دولار.
الأخبار التقت المؤلف وحاورته حول الكتاب الذي أثار جدلا متصاعدا منذ صدوره، وكان لمستوى صراحته، وتوصيفه لمختلف الأحداث دور في ذلك الجدل، وهو ما يبررها المؤلف بقوله إنه كان خلال المذكرات يتناول "شخصياتهم العمومية".
تدوين لربع قرن
ويقول سيد أحمد ولد امبارك إنه بدأ في تدوين يوميات سائق منذ بداية عقد التسعينات، لكن واجب التحفظ المهني فرض عليه عدم تقديه للنشر لحين تقاعده في العام 2015، حيث بدأ في تجهيزه وتقديمه للنشر ليصدر العام الحالي.
ويقول إن من أهدافه التأكيد على أن الشخص هو القادر على بناء شخصيته، وأن النظرة الدونية إلى السائق وإلى غيره من أصحاب المهن ليست منصفة، كما أن رضى السائق بها خطأ هو الآخر، إذ لو سعى لتطوير نفسها وتغييرها نحن الأحسن لنجح في ذلك.
ويقول سيد أحمد إن "السائق هو عامل بسيط، وفي أغلب الأحيان يكون من شرائح المجتمع الضعيفة، حيث ينتشر الفقر والجهل والتخلف، ولا يحظى السائق باحترام يذكر في المجتمع الموريتاني".
مشجعون
ويثني ولد امبارك على دور الدبلوماسي محمد محمود ولد ودادي في كتابة هذه المذكرات وفي تصحيحها، ويصفه بأنه هو الذي "وضعني على الطريق، وأناره أمامي".
ويصفه في مكان آخر من المذكرات بأنه: "شخصية رفيعة المستوى، يكاد يكون معصوما، من الصعب أن تلاحظ عليه أي خطأ، لا في تصرفاته، ولا في سلوكه، ملتزم، دقيق في مواعيده، كتوم، ومسيطر على أعصابه، ويشدك معه في هذا الاتجاه إلى أبعد الحدود، ويكشف لك عيوب الناس طرا من خلال سمو معاملاته، حين تعاملت مع الآخرين من بعده كنت كمثل من وقع من عل على ظهره على "أرك".
ويضيف: "كان [محمد محمود ولد ودادي] قدوة حسنة، حين ينصحني بشيء أراه يطبقه في نفسه، وفي من هم أقرب مني إليه، وقد تعلمت منه الكثير الكثير، وباختصار محمد محمود ولد ودادي مدرسة، ومن لا يتعلم في المدرسة فهو غبي".
أطول فترة
وكانت أطول فترة لسفير موريتاني في سوريا خلال فترة عمل ولد امبارك سائقا للسفير محمد فاضل ولد الداه وبناء على ذلك أخذ أكثر من 50 صفحة من أصل المذكرات البالغة 149 صفحة دون الملحقات، و187 بالمحلقات التي ضمت وثائق وفواتير لمراحل مختلفة من عمل السفارة.
ويصف ولد امبارك السفير ولد الداه بأنه: "في غاية الصعوبة، لا يصدق أحدا ولا يثق فيه، ولا أحد أكبر عنده من أن يشكك في مصداقيته حتى أقرب الناس إليه، حين أقول له: قال فلان، ينظر إلي بحدة، ويقول لي: "إيه وما هو رأيك أنت"، وعندما أعطيه بعض المعلومات يشكك في صحتها عن طريق حركات يقوم بها بفمه، ما يعرف عندنا بـ"التشكام"، ولكنه في نفس الوقت كان نزيها معي حين يتأكد من صحتها يعترف لي بذلك".
كما يبدي ولد امبارك ملاحظاته على السفراء الآخرين، وهم:
- أحمدو ولد سيدي الذي وصل دمشق يوم 28 – 01 – 1991 ويقول عنه إنه لم يستطع "معرفة الشخصية الحقيقية له"، ملاحظا أنه "لا يعرف الخوف، قليل الكلام، عكس سلفه، لا يهتم كثيرا بتفاصيل الأمور الإدارية".
- المختار ولد محمد موسى، وقد عين سفيرا في سوريا 1993، ويصفه ولد امبارك بأنه: "يشبه السفير محمد محمود ولد ودادي من حيث المظهر الجميل، والحرص على أبهة البعثة، ويشبه السفير محمد فاضل ولد الداه من حيث عدم الوضوح، وخلط الأمور، ويشبه السفير أحمدو ولد سيدي من حيث قلة التدقيق في الأمور الإدارية، ويتميز عنهم جميعا بأنه يدار من المنزل".
ويردف ولد امبارك في الفقرة المخصصة للسفير ولد محمد موسى قائلا: "وقبل أن أودعه في أحداث مذكرات سائق.. لا بد من الاعتراف بالجميل لزوجته (أم هالة) على حرصها الدائم على تقديم الضيافة الكريمة لي في كل وقت أزور فيه منزل السفير فشكرا جزيلا لها".
اكتتاب دبلوماسي
ويتوقف ولد امبارك في مذكراته الصادرة عن مطبعة المنار مع مسار اكتتابه في الوظيفة العمومية، والذي بدأت محاولاته 1977 من خلال العمل سائقا في الإدارة بولاية تكانت، قبل أن تكلل بالنجاح بالاكتتاب يوم 21 – 08 – 1993 محرر إدارة مساعد في وزارة الخارجية والتعاون، واصفا ذلك بأنه "تحقق الحلم – المستحيل في رأي البعض – بفضل جهود جبارة لأناس خيريين".
وقد توقفت مذكرات سائق عند الاكتتاب في السلك الدبلوماسي، لكن ولد امبارك وعد القراء بصدور "مذكرات دبلوماسي"، مؤكدا في حديثه للأخبار أنه عاكف الآن على تحريرها، وسيعمل على نشرها في أقرب وقت.
وتتناول المذكرات فترة عمل المؤلف سائقا في مقاطعة المجرية، ثم الفترة التي قضاها عاطلا عن العمل في نواكشوط، قبل أن يسافر إلى سوريا للعمل سائقا في السفارة في العام 1982.مصدرالأخبار