تقرير صادم صادر عن منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة يتحدث عن البطالة في العالم توقع أن تتصدر موريتانيا دول العالم خلال عام 2015 من حيث مستويات البطالة،
وأشار إلى أن 30 في المائة من الموريتانيين عاطلون عن العمل.
وأعاد التقرير الجديد الحديث عن البطالة إلى الواجهة في الشارع الموريتاني، حيث تظاهرت أمام بوابة القصر الرئاسي وعدد من المؤسسات العمومية أعداد كبيرة من حملة الشهادات العلمية العاطلين عن العمل، وبرز في الساحة تنظيم جديد يحمل اسم "أنا علمي.. عاطل عن العمل"، يضم أعداداً من الشباب من حملة الشهادات الذين يعانون من البطالة.
عضو التنظيم الشبابي، مهندس المياه، العاطل عن العمل،محمد عبد الله ولد حمود، يشارك منذ عامين في المظاهرات والإعتصامات التي ينظمها زملاؤه يوميا أمام القصر الرئاسي ، يقول في إحدى المظاهرات: "نطالب بوضع إستراتيجية واضحة وصادقة من أجل حل مشكلة البطالة".
ولد حمود الذي عانى مرارة الغربة خلال دراسته في الخارج، يضيف في حديث ل"أخبار الآن": "الحكومة تقول إنها خلقت فرصا للعمل من خلال الوكالة الوطنية لترقية تشغيل الشباب، وعن طريق برنامج يمنح قروضا صغيرة للشباب؛ ولكننا نرى أن هذه الإستراتيجية غير مجدية ولم تأت بأي نتيجة لأن الشباب يريد وظائف دائمة".
تنظيم"أنا علمي" الذي أسسه محمد وزملاؤه من تخصصات علمية مختلفة يرى أنه على الرغم من أن الحكومة الموريتانية تؤكد نجاحها في محاربة البطالة، إلا أن الكثير من الشباب الموريتاني الذين يحملون شهادات علمية يحتاجها السوق، لم يحصلوا على عمل رغم أن من ضمنهم من يحملون شهادات الدكتوراه والماجستير منذ سنوات عديدة.
أما الجهات الرسمية الموريتانية فتعتبر أن الأرقام والإحصائيات المتداولة حول البطالة "تفتقد للدقة والموضوعية"، وتشير إلى أنها وضعت سياسات نجحت في الحد من أعداد العاطلين عن العمل؛ ذلك ما يؤكده بيت الله ولد أحمد الأسود، المدير العام للوكالة الوطنية لترقية تشغيل الشباب الذي أضاف في حديث ل"أخبار الآن" أن "نسبة البطالة تصل إلى 10.1 في المائة، وهي إحصائية صادرة عن المكتب الدولي للشغل"، قبل أن يؤكد أن العمل جار على استحداث برامج وطنية للحد من البطالة، مثل برنامج خطوة وبرنامج تنمية الكفاءات وبرنامج التشغيل المباشر؛
وقال:"نحن نعمل بالشراكة مع القطاع العام والخاص من أجل خلق فرص عمل جديدة، وتوفير حياة سعيدة لشبابنا؛ وبالتالي نجحنا في تقليص نسبة البطالة من 32 في المائة عام 2008 إلى 10 في المائة عام 2014".
ولكن النظرة التفاؤلية للمدير العام لوكالة تشغيل الشباب تؤكد أن "البطالة ما تزال تشكل تهديداً جدياً، غير أنه بفضل السياسات المعتمدة من الحكومة ومحاربة الفساد والحرص على تطوير البنية التحتية الاقتصادية وتشجيع الاستثمار سنتمكن من تقليص أعداد العاطلين عن العمل".
وفي نظرة اقتصادية أعمق للموضوع،يرى محمد ولد الدحان، أستاذ الاقتصاد بجامعة نواكشوط، أن أسباب انتشار البطالة في المجتمع الموريتاني عديدة، ولعل من أبرزها موجات الجفاف الحادة التي ضربت موريتانيا في نهاية سبعينيات القرن الماضي ما تسبب بموجة نزوح واسعة من الريف إلى المدينة، وكان أغلب النازحين من البدو الذين لا يملكون أي مؤهلات علمية تجعلهم قادرين على دخول السوق والمشاركة في الحياة النشطة.
ويضيف ولد الدحان في حديث لـ "أخبار الآن" أن "أزمة البطالة ظلت تتفاقم مع مرور الوقت بسبب ترنح الاقتصاد الموريتاني وانتشار الفساد وسوء التسيير"، قبل أن يشير إلى أن هنالك مشاكل بنيوية من أبرزها "عدم الشفافية في الاكتتاب، وغياب التكوين والتدريب في المناهج التعليمية، وعدم شيوع ثقافة الاستثمار وعدم وجود قوانين تحمي المستثمر، بالإضافة إلى غياب قطاع الصناعة وخاصة التحويلية".
وخلص أستاذ الاقتصاد بجامعة نواكشوط إلى أن "عقلية المجتمع تحول دون ممارسة الشباب للكثير من المهن"، وهو ما عمق الأزمة "في ظل عدم وجود سياسة ذات طابع إستراتيجي لمكافحة البطالة بشكل جذري وليست مجرد حلول مؤقتة أو مسكنات لهذه الأزمة المتفاقمة"، وفق تعبيره.
وظلت موريتانيا التي تمتلك ثروات معدنية وشواطئ غنية بالسمك، تراوح مكانها بين دول العالم الأكثر فقراً ، فآخر الإحصائيات تشير إلى أن عدد سكان موريتانيا يقترب من الأربعة ملايين نسمة، سبعون في المائة منهم في عمر الشباب، ما يضع أمام الحكومة صعوبات كبيرة في خلق فرص عمل بفعل عوامل عديدة يختلط فيها الاقتصاد بالعادات والتقاليد.
وخلال تسعينيات القرن الماضي تراوحت نسبة البطالة ما بين 21 و23 في المائة، قبل أن تتراجع مع مطلع الألفية لتصل إلى 20 في المائة، ولكنها لم تلبث أن عاودت الصعود مجدداً لتصل مع حلول عام 2008 إلى 32 في المائة، وهو مستوى قياسي بحسب ما يؤكده خبراء اقتصاديون، فيما تؤكد إحصائيات غير رسمية أن النسبة ستستمر في التزايد ما لم تتخذ الحكومة سياسة تشغيل توائم حجم المشكلة .